الوقت- مؤخرا، زعم المقدم المتقاعد إيلي ديكال، الذي عمل سابقًا في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، أن مصر تشكل الخطر القادم على الكيان، وأشار إلى أن لدى القاهرة مصلحة كبيرة في الحفاظ على القدرات العسكرية لحركة "حماس" في قطاع غزة، ويعتبر ديكال، الذي يعمل حالياً كباحث في أنظمة البنية التحتية في الدول العربية، والذي شغل سابقاً منصب رئيس فرع الأبحاث الميدانية في شعبة الأبحاث بـ "أمان"، أنه كان بإمكان "إسرائيل" حل المشكلة في اليوم الأول أو الثاني للحرب عبر احتلال ثلاثة كيلومترات شمال رفح في غزة، بعد التعافي من الصدمة الأولى، وفي استكمال لتصريحاته، أضاف ديكال قائلاً: "باعتبار أن الحالة كانت بهذه الطريقة، كان بإمكاننا منع استمرار التدفق الكبير للأسلحة والمعدات الأخرى من مصر إلى قطاع غزة، ما يسهم في تقليل التوتر ومنع المواجهات مع الجيران المصريين، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين القاهرة وتل أبيب مع فشل الحرب الإسرائيليّة على غزة والتي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى.
قوة حماس في مصلحة مصر
بوضوح، أبدى ديكال عدم فهمه لعدم تنفيذ "إسرائيل" لهذا السيناريو المحتمل، قائلاً: "لا أعلم لماذا لم يتخذوا هذا الإجراء، ولا أستطيع تحديد ما إذا كانوا قد أخذوا في اعتبارهم هذا السيناريو، ولكن أنا أدرك فقط أن مصر تمتلك مصلحة كبيرة في الحفاظ على القدرات العسكرية لحركة 'حماس' في قطاع غزة"، وفي توجيه اتهامات لمصر، أكد الضابط السابق في الاستخبارات الإسرائيلية: "مصر، منذ العام 1956، تظهر لديها مصلحة قائمة في تضعيف قوتنا، حيث يتمثل ذلك في تأسيسهم لمنظمات مثل 'فتح'، وفي تنفيذ أعمال تستنزف طاقاتنا بين الحروب، في حين يظهرون أنفسهم بأيدي نظيفة"، وفي سياق آخر، أشار ديكال إلى أن هناك مصلحة مصرية كبيرة في إضعاف قوات "إسرائيل"، وخاصةً مع وجود اتفاقية السلام بين البلدين ووجود مصالح أمريكية، وأوضح قائلاً: "بما أن لدينا اتفاقية سلام، وهناك أيضًا مصالح أمريكية، فإن هناك مصلحة مصرية كبيرة في إضعاف قوتنا".
وتأتي تلك التصرييحات في ظل الاتهامات الإسرائيلية لمصر بعزمها الدخول في حرب محتملة مع "إسرائيل"، وقد أشار ديكال إلى اكتشافه لحوالي 60 نفقًا يمتد من سيناء إلى قطاع غزة أثناء فترة خدمته، وأضاف: "رغم وجود علاقات طيبة بيننا وبين المصريين، إلا أن مصر بدأت مؤخرًا في حفر أنفاق ذات أبعاد ضخمة"، مع الحديث عن أنفاق يصل قطر مدخلها إلى سبعة أمتار، وربما يكون طولها عدة عشرات من الأمتار، وقد أشار العسكري الإسرائيليّ بالقول: "للأسف، لا أعلم كل الأنفاق في سيناء، حيث توجد أنفاق في الجبال، ويُعتبر ذلك ضروريًا للحفاظ على الأسلحة الاستراتيجية".
ووفقا للمعلومات، هذه الأنفاق تستخدم لتخزين الأسلحة الاستراتيجية، وقد بدؤوا في حفرها في سيناء خلال العام الماضي، بعد أن قاموا بحفر حوالي 60 نفقًا من هذا النوع على الضفة الغربية للقناة، وأضاف ديكال بتوجيه اتهامات إلى مصر، قائلاً: "نحن نُعتبر العدو، ولا أعلم عن مكان آخر تسلَّح فيه مصر نفسها، وتقوم فيه بحفر الأنفاق واستثمار ثروات ضخمة في المعابر والبوابات والذخيرة والوقود، ولا أعتقد أن حفر 60 نفقًا في سيناء يكون ذلك ضد إيران، إنها أسلحة هجومية، ستكون محمية من هجوم طائراتنا حتى يتم قرار إطلاقها، لكن مصر قد رفضت بشدة، عدة مرات ومن قبل كبار مسؤوليها، بمن فيهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، المحاولات الإسرائيلية لنقل الفلسطينيين في قطاع غزة إلى سيناء، معتبرة ذلك تصعيدًا يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
أيضا، رفضَت القاهرة أيضًا طلبًا إسرائيليًا للسيطرة على محور فيلادلفيا، وهو شريط طوله 14،5 كيلومترا يمتد على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، وتجدر الإشارة إلى أن مصر شاركت في عدة حروب ضد "إسرائيل"، آخرها كان في 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، وفي مارس/آذار 1979، وقَّع البلدان اتفاق سلام برعاية أمريكية، ورغم ذلك، يظل معظم المصريين يرفضون التطبيع مع "إسرائيل"، وتبقى هذه القضية حساسة في الوعي العام المصري، ولم تستطع "إسرائيل" تجاوز نتائج حربها على قطاع غزة دون أن تتأثر علاقاتها مع مصر، في ظل الصدمة التي خلفها حدوث عملية "طوفان الأقصى" وتداعياتها السياسية والأمنية، ولم يتمكن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من استعادة توازنه أو تحديد بوصلة توجهاته الإقليمية، و وجه نتنياهو انتقادات غير مباشرة نحو القاهرة بشكل متقطع، في محاولة لتخفيف اللوم عن فشله، والبحث عن مبررات لتمديد فترة الحرب بهدف تحقيق أهدافه الصعبة التي أعلن عنها مبكرًا.
وبناء على ما ذكر، ينبغي التأكيد على أن زيادة قوة حماس في مصلحة مصر على المستوى الاستراتيجي وخاصة أن قوة الكيان المتصاعدة واستقراره يهدد الأمن القومي المصري لأن القاهرة تدرك أن قوة الكيان مبنية على إضعاف كل الدول المحيطة بفلسطين المحتلة، وقوة حماس هي في مصلحة مصر لأن القاهرة ترغب بوجود قوة مناهضة لتل أبيب وإن كانت لا تظهر ذلك، ويجب على مصر ألا تسمح لتل أبيب بإضعاف حماس، ويجب ألا تسمح للنظام الصهيوني بالسيطرة على منطقة فيلادلفيا بما ينعكس على أمنها.
علاقات متدهورة
مصر، التي كانت تتمتع بصبر وقدرة على التحمل في التعامل مع القضايا الساخنة، قررت التخلي عن هذه الصفة، كان رد القاهرة واضحًا حين وجه أحد محامي "إسرائيل" اتهامات بعدم دخول المساعدات إلى غزة، حيث أكدت مصر أن المسؤولية تقع على عاتقها وحدها، وردت الحكومة المصرية بحزم على "إسرائيل" من خلال تقديم مجموعة من الشواهد التي تثبت أن معبر رفح من الجانب المصري يظل مفتوحًا على مدار الساعة، وأن العائق يكمن في الجانب الفلسطيني الذي تعرض لأربع هجمات من قبل القوات الإسرائيلية وتم إصلاحه بواسطة الحكومة المصرية، وقد تكون هذه الردود ضربة قاصمة ل"إسرائيل"، وخاصة إذا قررت القاهرة تقديم الأدلة التي تدعم رؤيتها إلى محكمة العدل الدولية، حيث تمتلك شهادات من بعثات دولية وصور لقوافل مكدسة في معبر رفح، وتنتظر السماح بالعبور إلى الضفة الأخرى، وبعد ذلك، تتم عمليات التفتيش بواسطة جنود الاحتلال، ما يؤكد على عدم صحة الرواية الإسرائيلية التي فقدت أهميتها بعد أن أعلن نتنياهو عن رغبته في تنظيم ترتيبات أمنية للسيطرة على ممر صلاح الدين (فيلادلفيا) الذي يفصل بين رفح المصرية ونظيرتها الفلسطينية.
من ناخية ثانية، قدمت "إسرائيل" رؤية غامضة بشأن ممر فيلادلفيا، وتسربت إلى وسائل الإعلام أخبار تفيد بتوصلها إلى اتفاقات مع مصر لتنظيم الجوانب الأمنية لهذا الممر، ردًا على ذلك، نفت القاهرة هذه الرواية من خلال مسؤول رفيع المستوى، مع التأكيد على رفضها وإشارتها إلى التهديد، وتم نفي وجود أي اتصالات بين الجانبين بشأن هذا الأمر، مع رفض فكرة وضع إدارة مشتركة لممر فيلادلفيا، وتم التهديد بأن أي إجراءات قد يقوم بها أحد الأطراف بشكل فردي ستكون ضارة باتفاقية السلام الموقعة بينهما، والتي نصت على حقوق أمان خاصة في المناطق الحدودية، وتزايدت الشروخ بين البلدين مع ظهور تصريحات تتهم مصر بعدم السيطرة على حدودها مع غزة، وتشير إلى استمرار عمليات تهريب الأسلحة، وتعتبر هذه الاتهامات إشارات مزعجة، حيث تُفهم على أن القاهرة قد تكون لعبت دورًا فعّالًا في تعزيز القدرات العسكرية لكتائب عزالدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، ولم يتم الرد من جانب "إسرائيل" على كيفية وصول الأسلحة إلى الضفة الغربية.
وقام نتنياهو بمحاولة لفت انتباه الرأي العام إلى تعاطفه مع حكومة الحرب، حيث زعم أن مصر كانت ضالعة في عملية "طوفان الأقصى"، وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بعد وقوع هذه العملية بأن رئيس الحكومة تلقى تحذيرًا مصريًا بشأن تحركات مشبوهة من قبل حماس، ويعد هذا التناقض مشابهًا للأقوال التي أدلت بها "إسرائيل" بخصوص عدم علاقتها بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، في حين تستمر في تنفيذ عملياتها العسكرية بقسوة ضد الفلسطينيين في الوقت نفسه، و "إسرائيل" أثرت العديد من الجروح في العلاقة مع مصر، ورغم ذلك، كانت تتم معالجة هذه القضايا بحذر وتجنب إثارة مشكلات جديدة في فترة ذات حساسية بالغة، كانت تل أبيب تحرص على عدم جر القاهرة إلى مواجهة فعلية، بينما تبتعد مصر عن فتح جبهة عسكرية في وقت تتراكم فيه التحديات الإقليمية، وتقتصر تفاعلات الطرفين في الفترة الأخيرة على إرسال إشارات تظهر عدم الرضا عن سياسات الطرف الآخر، حيث اتخذ بعضها نهجًا عسكريًا محدودًا، يعكس هذا النهج الحذر المتبادل، مع عدم رغبة في توسيع الخلاف والالتزام بالثوابت التي حددتها اتفاقية السلام بين الكيان ومصر.
وتعاملت مصر مع مخطط "إسرائيل" لتوطين فلسطينيي غزة في سيناء بتقديم تهديد وهدوء بشكل متناوب، دون أن تنجرف حكومة نتنياهو إلى صراع علني في هذا الصدد، و نجحت القاهرة حتى الآن في عرقلة هذا المخطط وجذبت دعمًا من دول غربية، وخاصة الولايات المتحدة التي أعلنت رفضها لفكرة التهجير، وعادت "إسرائيل" في إطار تخفيف الضغط الدولي على جنوب أفريقيا إلى التأكيد على عدم نية ترحيل الفلسطينيين، وقد أثارت الحرب على غزة وتداعياتها الإقليمية خلافًا جديدًا حول أمن البحر الأحمر، قادت الولايات المتحدة حملة دفاع عن أمان المنطقة من خلال تشكيل تحالف، دون مشاركة مصر التي تعد الأكبر تضررًا من التهديدات والتوترات في مضيق باب المندب وخليج عدن، بالإضافة إلى ذلك، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا هجمات على مواقع عسكرية لجماعة أنصا الله في اليمن نتيجة دعمهم لفلسطين، ما يفتح المجال للمزيد من التصعيد في المنطقة بدلًا من التهدئة.
وتتسارع الهوة بين "إسرائيل" ومصر، سواء لأسباب موضوعية أو بسبب مزاعم يروج لها بعض المسؤولين في "إسرائيل" ، تظهر هذه التطورات علامات خطرة على القواعد التي تم بناء العلاقة عليها، والتي اشتهرت بمصطلح "السلام البارد" كرمز لعدم الرغبة في التصعيد أو التنازل، في البداية، تحولت العلاقة من بيئة "باردة" إلى بيئة "دافئة" بفعل التفاهمات الأمنية وتعزيز التعاون الاقتصادي، ونتائج الحرب على غزة أثرت بشكل كبير على العلاقات بينهما، ما أدى إلى زيادة التوترات وتحرك بعض القضايا المعقدة التي حاول الطرفان تجاوزها في الماضي، على الرغم من وجود آليات متعارف عليها لامتصاص هذه التوترات، إلا أن الأمور لا تزال تحتاج إلى متابعة واستدامة هذه الآليات للحفاظ على استقرار العلاقة.
ومع ذلك، تثير المخاوف من عدم القدرة على أداء هذه المهمة في المستقبل، إذا كانت حكومة نتنياهو تسعى لتجنب مسؤولياتها الفاشلة من خلال إثارة زوابع سياسية أو أمنية مع مصر، يتساءل البعض عما إذا كانت الولايات المتحدة ستكون قادرة على السيطرة على أي تصاعد في الخلاف الذي قد يصعب السيطرة عليه، وتتبنى مصر موقفًا حذرًا وتجنب الانفجار، حيث تظهر جميع تصرفاتها أنها تعمل بجد للسيطرة على التوتر، سواء كانت طرفًا مباشرًا فيه أم لا، وفي الوقت نفسه، تبدي "إسرائيل" مزيدًا من الحذر بعد ارتدادات طوفان الأقصى، حيث تسعى جاهدة لتجنب أي أزمة جديدة، ستكون "إسرائيل" مشغولة بترتيب أوضاعها في المنطقة، حيث تعتبر خسائرها الاقتصادية والمعنوية هائلة، لا تتطلع إلى زيادتها من خلال الدخول في أزمة مع دولة كانت أول دولة عربية تفتح أبوابها للتسوية وتبرم اتفاقيات سلام مع عدة دول عربية، وبالتالي، تظهر "إسرائيل" أكثر حرصًا على معالجة جوانب الانقسام التي ضربت العلاقة مع مصر مؤخرًا.