الوقت - "على أي حال، عاجلاً أم آجلاً، ستختفي إسرائيل من على وجه الأرض، لأن هذا الکيان يتبع أسلوب دبلوماسية السلاح في سلوكه وتعامله مع جيرانه، أتصور أنه إذا رفضت أمريكا تقديم المساعدة لإسرائيل ولم تشجعها على مواصلة سلوكها اللاإنساني، فإن تدمير إسرائيل سيتم في خمس سنوات فقط".
ربما تتصورون أن هذه العبارات قالها أحد خبراء الشرق الأوسط في قنوات المقاومة، أو كاتب مقرب من محور المقاومة في مقال نشره في إحدى الصحف؛ لكن الحقيقة أن هذه الجمل هي جزء من كتابات صحفي إنجليزي عمل في مجلات أمريكية وإنجليزية شهيرة، وحصل على العديد من الجوائز الصحفية.
هذا الصحفي اسمه توني كليف، عاش في بيروت عامي 1978 و1982 وشاهد أحداث الحرب الأهلية اللبنانية والغزو العسكري للکيان الصهيوني لهذا البلد عن كثب، ونشرها في كتابه الذي عنوانه "بكت السماء".
رغم مرور أكثر من أربعة عقود على الغزو الإسرائيلي للبنان، إلا أنه من الواضح أن سلوك الکيان في معاركه مع جيرانه لم يتغير، وحرب غزة تعيد إلی الأذهان أسلوب التصرف اللاإنساني للسلطات الصهيونية.
الجنون ضد المقاومة
التشابه الغريب الأول بين هذين الحدثين، هو أن الکيان الإسرائيلي في الحالتين أصبح عاجزاً ومجنوناً أمام مقاومة الفلسطينيين.
في عام 1982، عندما كان آرييل شارون وزيراً للحرب في الکيان الصهيوني، بدأ هذا الکيان حرباً شاملةً ضد الفلسطينيين وشعب لبنان بحجة الحفاظ على أمنه ضد الجماعات الفلسطينية المقيمة في لبنان، وخاصةً منظمة التحرير الفلسطينية، وباجتيازه الحدود دخل إلى لبنان.
لقد شن الکيان الإسرائيلي هجوماً محدوداً على هذا البلد في عام 1978، لكنه لم يتمكن من هزيمة الفلسطينيين، هذه المرة، هاجم هذا الکيان لبنان بكل إمكانياته العسكرية والاستخباراتية، وسرعان ما وصل إلى محيط بيروت عاصمة هذا البلد، وحاصر هذه المدينة. ولكن خلافاً للفكرة الأولية، لم يتمكن من احتلال هذه المدينة بسرعة، وواجه مقاومة الفدائيين الفلسطينيين، ولأول مرة ذاق طعم الفشل أمام العرب.
إن الحادثة التي فرضت على الکيان الصهيوني يوم 7 أكتوبر 2023 بشكل غير مسبوق وتاريخي في عملية طوفان الأقصى، قصمت ظهر هذا الکيان.
عداء تاريخي للمستشفيات
من عام 1982 إلى عام 2023، كلما واجه الکيان الصهيوني مقاومةً جديةً، كان يستخدم نمطًا ثابتًا؛ وهو قتل المدنيين بلا رحمة.
وقد ذكر توني كليف في كتابه العديد من هذه الفظائع، وصوّر بعض هذه الجرائم التي شاهدها بأم عينيه، توني كليف الذي كان في هذه المدينة في 12 أغسطس 1982، أي في يوم شنت فيه أعنف هجمات الکيان الصهيوني على بيروت، حاول إعطاء صورة واضحة عن خطورة الهجمات والفكرة الرئيسية وراء هذه الهجمات.
ويرى أن الصهاينة يقتلون الأطفال والنساء دائماً في هجماتهم بشكل متعمد وبناءً على خطة طويلة الأمد، من أجل إفراغ فلسطين من الفلسطينيين في المستقبل، ومن الواضح أن الشيء نفسه يحدث في غزة اليوم، وتشير الإحصائيات إلى أن الکيان الصهيوني يقتل الأطفال بشكل منهجي.
کما أن الاستخدام واسع النطاق للأسلحة المحرمة، وخاصةً القنابل الفوسفورية، هو أحد الأشياء التي ذكرها هذا الصحفي البريطاني عدة مرات في كتابه، والشيء نفسه يحدث في الحروب الحالية في غزة وجنوب لبنان.
ومن المثير للاهتمام أنه على الرغم من الاستخدام المكثف لهذه الأسلحة المحظورة من قبل الجيش الصهيوني لمدة أربعة عقود على الأقل، إلا أن الکيان الصهيوني لم يتعرض للمساءلة أو يحاسب على هذه الجرائم.
ويذكر المؤلف في جزء من الكتاب قصف المستشفيات في لبنان، كما قام بنفسه بزيارة مستشفى للأمراض النفسية مدمر في مخيم صبرا، وهذه الاستهدافات العلنية تنفَّذ بالذرائع نفسها التي يستخدمها الکيان الصهيوني اليوم لاستهداف المستشفيات والمساجد والمدارس.
لقد ظل الکيان الصهيوني يستهدف الجرحى والمرضى في المستشفيات منذ 40 عامًا على الأقل، لأنه يدعي أن المقاتلين يختبئون في المستشفيات، ولم يسأل أحد هذا الکيان حتى الآن، فأين هؤلاء الجنود!؟
ماذا سيحدث في النهاية؟
بقدر ما تغير الوضع في المنطقة كثيرًا مقارنةً بما كان عليه قبل أربعة عقود، تغير أيضًا موقع الکيان الصهيوني.
ويذكر توني كليف في كتابه أنه في اليوم الأول الذي ذهب فيه إلى المنطقة، تأثر بالدعاية السياسية ووسائل الإعلام الموالية للصهيونية، لكن بعد أن رأى الحقائق تغيرت وجهة نظره.
اليوم فقد الکيان الصهيوني جزءاً كبيراً من هذا الدعم، ولعل العامل الوحيد الذي ظل ثابتاً طوال العقود الماضية، هو دعم أمريكا لهذا الکيان بنسبة 100%، ولا يهمّ أي حزب يحکم البيت الأبيض، سواء كان الجمهوري رونالد ريغان عام 1982 أو الديمقراطي جو بايدن عام 2023، لكن الوضع في المنطقة مختلف.
وخصص توني كليف جزءاً كبيراً من الكتاب لسرد جرائم حزب الكتائب اللبنانية المدعوم من الکيان الصهيوني في مخيم تل الزعتر، وإذا كان للکيان الإسرائيلي في عام 1982 حلفاء عنيدون ومتعطشون للدماء في لبنان، فإنه اليوم يرتعش ظهره في كل لحظة من الضربات القاصمة التي يتلقاها من المقاومة الإسلامية اللبنانية، وفقد تأييد الرأي العام العالمي.
کما أصبح الفلسطينيون أكثر قوةً وأيديهم مفتوحة أكثر مقارنةً بتلك الفترات، ولعل السؤال الأهم الذي أمامنا هو، ماذا سيحدث في نهاية حرب اليوم في غزة؟ وهل يمكن للمقاومة أن تهزم الکيان الصهيوني؟
للإجابة على هذا السؤال، تكفي الإشارة إلى تجربة حرب لبنان عام 1982، في تلك الحرب، وعلى الرغم من قوة الکيان الإسرائيلي الأكبر بكثير من الجانب الفلسطيني، وعلى الرغم من كل وحشيتهم، وخاصةً في المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا، عندما واجه هذا الکيان مقاومة عناصر منظمة التحرير لم يستطع أن يفعل شيئاً، وصعد قادة التنظيم المذكور على متن سفينة يونانية وتوجهوا إلى تونس وهم في صحة جيدة، وكل ادعاءات الصهاينة في هذا الصدد بأنهم لن يخرجوا من لبنان إلا بعد القضاء التام على حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، قد ذهبت أدراج الرياح.
اليوم أيضًا، يواجه الکيان الصهيوني حاجزًا قويًا من المقاومة، ويبدو أنه مضطر إلى التراجع عن ادعاءاته ومبالغاته، ومن خلال قراءة كتاب "بکت السماء (عمليات القتل الإسرائيلية من وجهة نظر المراقبين)"، يمكن للمرء أن يكوّن صورةً أوضح عن الأوضاع الراهنة في المنطقة وسلوك الکيان الصهيوني، والأمل في انهياره العسكري والسياسي.