الوقت - لقد تجاوزت الحرب في غزة شهرين، وأظهر وقف إطلاق النار المؤقت، الذي لم يستمر سوی أسبوع واحد، أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني ليس لديهما أي نية لإنهاء هذه الأزمة اللاإنسانية، بسبب فشلهما في تحقيق أي شيء.
في جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مساء الجمعة الماضي، تم التصويت على القرار الذي اقترحته دولة الإمارات العربية المتحدة، ومن بين أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر، صوّت 13 عضوا لمصلحة القرار، وصوّت عضو واحد، أي الولايات المتحدة، ضده، وامتنع عضو واحد، وهو بريطانيا، عن التصويت.
تجدر الإشارة إلى أن القرار الذي تتم الموافقة عليه في مجلس الأمن الدولي، يتطلب ما لا يقل عن 9 أصوات دون معارضة (الفيتو) من قبل 5 أعضاء دائمين في هذا المجلس، وهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين.
والقرار الذي اقترحته دولة الإمارات العربية المتحدة قد عارضته الولايات المتحدة واستخدمت حق النقض ضده؛ وهذه هي المرة الثالثة التي تستخدم فيها الولايات المتحدة حق النقض لمواصلة الإبادة الجماعية في غزة.
رد الفعل العالمي على فشل اللقاء المصيري
كان لهذا الاجتماع الطارئ لمجلس الأمن أهمية خاصة، لأن الاجتماع دعا إليه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بعد تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة.
وكان غوتيريش قد بعث برسالة إلى رئيس مجلس الأمن، استشهد فيها بالمادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة بشأن حجم الخسائر البشرية في غزة بعد الحرب الإسرائيلية، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يفعّل فيها غوتيريش ذلك، منذ توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة في عام 2017.
تنص المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، التي استخدمت 9 مرات فقط في تاريخ الأمم المتحدة، على أنه "يمكن للأمين العام أن يبلغ مجلس الأمن بأي قضية يعتقد أنها قد تهدد حفظ السلام والأمن الدوليين".
وأظهر التصويت السلبي الوحيد على القرار من قبل الولايات المتحدة عزلة واشنطن في الدعم السياسي لغزة، وبالتالي واجهت انتقادات من الصين وروسيا وجماعات حقوق الإنسان وغيرها.
وبعد استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد قرار وقف إطلاق النار، انتقدت جماعات حقوق الإنسان هذا الإجراء، وشددت منظمة العفو الدولية على أن هذا القرار يظهر "التجاهل الفادح" لمعاناة المدنيين، ووصفته منظمة أطباء بلا حدود بأنه "تصويت ضد الإنسانية".
بالإضافة إلى ذلك، أصدر نشطاء مؤيدون للفلسطينيين دعوات إلى إضراب وطني يوم الاثنين في الدول العربية وفي جميع أنحاء العالم دعماً لغزة، والمطالبة بوقف فوري للحرب ضد سكان هذا القطاع.
بدوره أدان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لوقف إطلاق النار الإنساني في غزة، وقال إن الحكومة الأمريكية "أثبتت أنها الفاعل والعامل الرئيسي في قتل المدنيين والمواطنين الفلسطينيين، وخاصةً النساء والأطفال، وتدمير البنية التحتية الحيوية في غزة".
وأضاف كنعاني: "لا شك أن الحكومة الأمريكية متواطئة في القتل الوحشي لنحو 18 ألف مدني، منهم 8000 طفل مظلوم، ومن المؤكد أن عواقب أي توسع في نطاق الحرب في المنطقة تستهدف النظامين الأمريكي والإسرائيلي".
كواليس تعاون أمريكا مع الکيان الإسرائيلي في استمرار الإبادة الجماعية
إن إشادة الکيان الصهيوني ببايدن لاستخدامه حق النقض ضد قرار مجلس الأمن، يظهر فشله في تحقيق أهدافه حتى هذه المرحلة من الحرب، حيث لم تتحقق شعارات الکيان حول اعتقال كل قادة المقاومة، والعثور على جميع الأنفاق، وإطلاق سراح جميع الأسرى، وتدمير حماس.
وعلى هذا، فقد هذا الکيان السمعة التي بناها له الإعلام الغربي والأمريكي على مدى سنوات عديدة، وحتى صورة هذا الکيان، الذي كان يعتبر منطقةً حرةً تتمتع بأمن كامل وديمقراطي، أصبحت موضع تساؤل من قبل الدول الأخرى.
تعلم تل أبيب أنه بعد استمرار وقف إطلاق النار، ستكون هناك أحداث داخل الأراضي المحتلة، مثل إقالة نتنياهو ومحاكمته، وهشاشة مزدوجة مقارنةً بما كان يهدد هذا الکيان من قبل.
ولذلك، فإن الکيان الإسرائيلي، بدعم من الولايات المتحدة، انتهك وقف إطلاق النار المؤقت بذرائع واهية، وخلال وجود وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في الأراضي المحتلة، قرروا استئناف الهجمات ليتمكن نتنياهو من تحقيق شيء ما في المرحلة الجديدة، على أمل أنه مقابل المساعدة غير المحدودة المقدمة لنتنياهو، سيتمكن من تحقيق جزء من أهدافه والإجابة على الرأي العام الداخلي ومؤيديه في الخارج، بما في ذلك أمريكا و اللوبي اليهودي الأمريكي المسمى أيباك.
وبالطبع تجدر الإشارة أيضًا إلى أن أمريكا كانت أكبر مانح للمساعدات الخارجية للکيان منذ عام 1948 وتشكيل الکيان الصهيوني، بحيث تساعد الکيان بمبلغ 3.8 مليارات دولار سنويًا، والآن تم تخصيص حزمة دعم بقيمة 14.3 مليار دولار لدعم تل أبيب في حرب غزة.
ولا ينبغي التغاضي عن أن إدارة بايدن تواجه ضغوطاً من زملائها الديمقراطيين والمسؤولين العرب وحتى بعض الدبلوماسيين الأمريكيين، الذين يطالبون بوضع حد لهجمات الکيان الصهيوني ووقف القتل الأعمى للنساء والأطفال العزل، والهجمات على المناطق المدنية.
من ناحية أخرى، لكي ينجح بايدن وحزبه في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، يحتاج بايدن إلى جذب رأي الجمهور المحلي الأمريكي والقيام بإيماءات بطولية على الساحة الدولية.
وبناءً علی ما تقدم، يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: لماذا يواصل بايدن دعم الکيان الإسرائيلي في استمرار الحرب والإبادة الجماعية في غزة؟
الإجابة على هذا السؤال جاءت قبل أيام في مقابلة أجراها جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، البالغ من العمر الآن 99 عاماً، حيث شدّد على أن كل حكومة في هذا البلد يجب أن تدعم "إسرائيل"، وقال: "كمسيحي، أنا، إلى جانب كثيرين آخرين، ملتزمون بقانون واحد في السياسة الأمريكية، وينص هذا القانون على أن كل ما تفعله "إسرائيل" في أي وقت يجب دعمه، وفي الوقت نفسه يجب على وسائل الإعلام إقناع الرأي العام بقبوله... نحن مسؤولون عن دعم سياسات "إسرائيل" مهما تكن.
وبطبيعة الحال، لدى بايدن أيضًا نظرة إلی الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وهي انتخابات سيلعب فيها، كما في العصور الماضية، اللوبي اليهودي الأمريكي المسمى "أيباك" دوراً حاسماً، ولذلك، فإن الشيك على بياض الذي وقّعه بايدن لنتنياهو لتنفيذ سياسات عنصرية وغير إنسانية، يمكن تفسيره في هذا الإطار.