الوقت- في تطور يعكس تصاعد التوترات، يظهر القرار الأخير للرئيس الأمريكي جو بايدن كإشارة جديدة تكشف عن طابع أمريكي واضح في النزاع بين الکیان الاسرائیلي وحركة حماس في قطاع غزة، باقتراح خطوة غير مسبوقة، قام بايدن برفع الستار عن خطوة ذات أهداف غامضة وخطيرة، ما يفتح الباب أمام عدة احتمالات وتفسيرات مزدوجة يجب أخذها بعين الاعتبار وفحصها بعناية، وعلى الرغم من تأكيد بايدن الأحد الفائت دعمه لتمديد الهدنة المؤقتة في غزة، إلا أنه في خطوة غير معلنة، قرر الرئيس الأمريكي رفع جميع القيود التي فُرضت على وصول الجيش الإسرائيلي إلى مخزون الأسلحة الأمريكية الموجود في الكيان، ويتسم هذا القرار بالتعقيد والتحدي، وخاصة أن مثل هذه الخطوة لم تشهدها علاقات الحلف الأمريكي-الإسرائيلي في السابق.
مخزون أمريكي بيد الكيان
تتسم الخطوة الأمريكية بمحاولة غير مسبوقة لتخفيف القيود التي كانت تمنع دولة الاحتلال من استخدام المخزون الأمريكي من الأسلحة والذخائر، والذي كان مقفلًا عمليًا لسنوات في مستودعات داخل الكيان، والتي يُشرف عليها البنتاغون بشكل حصري، وقرار بايدن أثار جدلاً واسعًا في أروقة البيت الأبيض والكونجرس، بالإضافة إلى استنكار بين أعضاء منظمات الحزب الديمقراطي الحاكم، يبدو أن هناك وثيقة لا تزال سريةً، وقعها الرئيس بايدن وأرسلها إلى اللجان المختصة في الكونجرس ومجلس الشيوخ، من المتوقع أن تكون هذه الوثيقة قابلة للإعلان العام والنشر بعد تسجيلها في محاضر لجان الكونجرس.
وتشير هذه الخطوة إلى سيناريوهات متعددة، منها إمكانية قيام الرئيس بايدن بأكبر قرار لدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي في حال قررت "إسرائيل" العودة إلى الحرب بعد نهاية الهدنة، يثير قرار بايدن هنا نقاشات حادة، حيث يعني من بين مختلف الجوانب تمكين الكيان من استخدام جميع الأسلحة الأمريكية المخزنة في "إسرائيل"، والتي تُخصص حصرياً للاستخدام في النزاعات الإقليمية، وهذا القرار يثير تساؤلات حول الفهم العسكري لدى بايدن وفريقه، وخاصة فيما يتعلق بالمواجهات المحتملة مع إيران، ويعزى الجدل إلى توفير الفرصة للكيان باستخدام مخازن الأسلحة الأمريكية في "إسرائيل"، والتي تُعتبر احتياطيًا استراتيجيًا مخصصًا لمواجهات إقليمية، وخاصة في حالة التصعيد العسكري في المنطقة.
وبعض السياسيين يرون أن قرار الرئيس بايدن يظهر عدم رهانه على استمرار الهدنة ووقف إطلاق النار، ويُعتبر أن هذه الخطوة تشير أيضًا إلى عدم وجود خطط مؤكدة لدى بايدن بشأن اندلاع حرب أو مواجهة عسكرية مع إيران، وخاصة أن المخزون المشار إليه مخصص حصرياً للصراع الإقليمي ويتضمن أسلحة متطورة جداً تمنع "إسرائيل" في الماضي من استخدامها، وتتم الإشارة هنا إلى أن العلاقات بين بايدن وإيران لم تكن تاريخياً متوترة قبل أحداث أكتوبر 7، ما يعزز احتمال وجود تفاهمات بين الطرفين حول استبعاد خيار الصدام العسكري، هذا يفتح الباب أمام "إسرائيل" لاستخدام المخزون وفقًا لأحد السيناريوهات، كما يقول محللون.
أيضاً، الغموض الذي يحيط بقرار بايدن يثير تساؤلات، وفقًا لتحليل الخبراء، حيث يتضح وجود احتمالين بناءً على تأكيد عدم وجود معركة عسكرية مع إيران، الاحتمال الأول يشير إلى أن الحرب لن تتسع، وقد تطول الهدنة وتحتوي الصراع في غزة، الاحتمال الثاني يقول إن طاقم بايدن، في حالة عودة العدوان الإسرائيلي، قد يكون مطمئنًا إلى حد كبير بأن أحدا لن يشارك في المعركة، هذا الأمر سيؤدي إلى استمرار العدوان الإسرائيلي برعاية أمريكية مباشرة على الشعب الفلسطيني.
سيناريوهات خطيرة
مع توافر مخزون الأسلحة الأمريكية في "إسرائيل"، والذي يُعتبر ضخمًا ومحدوداته تعد جدية، تُعد طبيعة هذه الأسلحة والذخائر سرًا عسكريًا، وإتاحة هذا المخزون لـ"إسرائيل" قد تكون خطوة غامضة، قد تنتهي بأحد اثنين من السيناريوهين: إما استمرار الحرب على غزة، أو توقف الحرب مع توفير آلية للردع لمصلحة "إسرائيل"، وهو القرار الذي تمت الإشارة إليه والذي تم إرساله إلى الكونجرس.
بعض التحليلات في واشنطن قد سارعت للاعتبار أن رفع القيود عن استخدام المخزون التسليحي الأمريكي في مستودعات "إسرائيل" قد يؤثر على قدرات التحرك العسكري الأمريكية في المنطقة والإقليم، ويُفهم من هذا التحليل أن تعزيز قدرات "إسرائيل" عسكرياً بهذا القرار، حتى وإن كان الهدف منه تحقيق الردع وتخويف الأطراف الأخرى، قد يؤدي إلى مشكلات لوجستية تعيق الجيش الأمريكي في المنطقة، وقد تحدُّ من قدراته على الحركة، هذه المسألة تثير تشويشًا حاليًا في واشنطن، كما تم إرسال وثيقة بايدن في هذا السياق في يوم الـ 20 من الشهر الجاري، ولم تعبر عن طريق الكونجرس، بل تم إرسالها إلى مجلس الشيوخ، وتتطلب وقتًا قصيرًا لتعتمد وتُعلن في اتجاه غريب وغامض ومريب للرئيس الأمريكي.
ولا شك أن الدعم الأمريكي لـ"إسرائيل" هو موضوع طويل الأمد ومعقد، وتاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" يمتد إلى عقود، وهناك عدة جوانب تجسد الدعم الأمريكي المطلق لكيان الاحتلال الإسرائيلي، أولها المساعدة العسكرية، حيث تقدم الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا كبيرًا للكيان، بما في ذلك تزويدها بالتكنولوجيا العسكرية المتقدمة والمساعدة المالية لتعزيز إمكانيات جيشها، و"إسرائيل" تتلقى مساعدات مالية سنوية كبيرة من الولايات المتحدة، سواء عبر المساعدات العسكرية أو المساعدات الاقتصادية، وهذا الدعم يشمل التمويل لمشاريع عسكرية وبرامج أمان، بالإضافة إلى دعم اقتصادي كبير.
التعاون الاستخباراتي كذلك على رأس القائمة، فهناك تعاون كبير بين الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، حيث يتم تبادل المعلومات والتحليلات الاستخبارية بانتظام، ناهيك عن الدعم الدبلوماسي، حيث إن الولايات المتحدة تستخدم حق النقض (Veto) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية الصهاينة من القرارات التي يمكن أن يكون لها تأثير على مصالح كيانها، وتُثير هذه العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" جدلاً دائمًا، وخاصةً في سياق الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني والمشاكل الإقليمية الأخرى التي يسببها الدعم الأمريكي، وهناك مسؤولون وأفراد ومنظمات داخل الولايات المتحدة يعارضون هذا الدعم بالمطلق، بينما يروج آخرون لضرورة استمراره باعتباره أمرًا استراتيجيًا لمصالح الولايات المتحدة على حساب أصحاب الأرض في المنطقة.