الوقت- لم يعتد كيان الاحتلال عبر تاريخ وجوده غير المشروع في فلسطين على خسائر بحجم تلك التي يتعرض لها في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، إذ بلغ عدد قتلاه 1200، والمصابون 5431، حسب مصادر رسمية في الكيان الاحتلال، وعدد الأسرى لدى حماس نحو 239 إسرائيليا، بينهم عسكريون برتب رفيعة.
الحرب الشرسة.. وقوة المقاومة
أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة “حماس”، أمس تدمير 29 آلية في مناطق عدة بقطاع غزة، وقتل “عدد كبير” من جنود الاحتلال كانوا متحصنين داخل مبنى جنوب شرق مدينة غزة، في ظل صمت رسمي في كيان الاحتلال حيال الموضوع، إذ اكتفى بتأكيده ارتفاع عدد قتلاه إلى 378 عسكريا.
إن هذا العدد المرتفع من القتلى والأسرى، والمصابين في صفوف العدو، أمر غير مسبوق، إذ عرفت الحروب السابقة حالة من اللاتكافؤ، بين المقاومة والعدو الذي كان هو من يقتل ويأسر، ويصيب، أما الحرب الأخيرة فقد فرضت واقعا جديدا يثبت حالة من توازن القوة بين الجانبين، إذ برهنت حماس، وما زالت على أنها قادرة على الوصول إلى أهداف ونقاط كان الوصول إليها مستحيلاً سابقا.
وقد سلط خبراء ومحللون في صحيفة "واشنطن بوست"، في 20 أكتوبر، الضوء على القدرات العسكرية التي طورتها حماس خلال السنوات الماضية، مرجحين أن الحركة تخبّئ "مفاجآت" لم تكشف عنها بعد، وخاصة فيما يتعلق بمسيرات مائية وأسلحة أخرى جديدة.
ويعتبر الخبير العسكري، مأمون أبو نوار أن حماس تحولت إلى جيش وأفرادها مدربون على مستوى عالٍ ومنظمون، ولديهم عقيدة عسكرية، مبنية على الإيمان، فقوات الاحتلال لم تقتل إلى الآن مصادر قوة حماس التي تقود جيش الاحتلال إلى حرب استنزاف ستكلفه غاليا، بالنسبة للقوة العسكرية والسياسية والاقتصادية.
فالهجمات التي وقعت في 31 أكتوبر/تشرين الأول على الحدود الشمالية لقطاع غزة سجلت حصيلة كبيرة من الخسائر لكيان الاحتلال في الحرب البرية، كما أظهرت تطورا وتوسعا في القوة النارية لحماس التي تستخدم أسلحة مثل الصواريخ الموجهة بالليزر والذخائر المضادة للدبابات، إذ قال أحد المُحللين العسكريين: إن حماس كانت تُسلّح نفسها "حتى النُخاع".
يمتلك كيان الاحتلال إحدى أفضل القوات المسلحة وأكثرها تطوراً تكنولوجياً في العالم، ورغم ذلك، امتلكت حماس أسلحة متطورة كقاذفات القنابل الصاروخية المحمولة على الكتف والصواريخ المُضادة للدبابات، وبنادق القناصة الحديثة والمظلات الهوائية والقنابل المغناطيسية، وطائرات الهجوم من اتجاهٍ واحد وغواصاتٍ صغيرة باستطاعتها الوصول إلى أقصى الشمال حتى حيفا بالقرب من الحدود اللبنانية وجنوباً حتى إيلات على البحر الأحمر.
كما أن القذائف المضادة للدبابات التي استخدمتها حماس قادرة على اختراق دروع الدبابات الإسرائيلية وتدميرها، وهذا بدورهِ يُعتبر تحدياً كبيراً للقوات الإسرائيلية التي تعتمد بشكلٍ كبير على الدبابات في عملياتها البرية، فتلك الأسلحة الجديدة تتطلب تكتيكات واستراتيجيات مختلفة لقوات الاحتلال للتعامل معها، كما تتطلب تحسين الاستخبارات والاستخدام الفعال للتكنولوجيا والتدريب المستمر للجنود، وتطوير وسائل دفاعية متقدمة للحماية من هذه الأسلحة المتطورة، ومن جهة أخرى توجد فجوات في القدرات الاستخباراتية لكيان الاحتلال فيما يتعلق بمنصات الإطلاق.
وبالمقابل استخدمت حماس الأنفاق وسيلة للتسلل والهجوم على قوات الاحتلال، وقد تكون هذه الأنفاق مجهزة بنظام تهوية وإنارة وتقنيات تجنب الكشف، ما يجعل من الصعب اكتشافها، ويسهل إطلاق الهجمات المفاجئة ويضمن الصدمة والفوضى في صفوف العدو.
وقال (مايكل ميلشتاين) رئيس القسم الفلسطيني السابق في جيش الاحتلال: "إن حماس ومقاتليها -ويقدر عددهم بحوالي 30،000 أو أكثر- مسلّحون بشكل كامل ومدربون جيداً لدرجة أن وحداتهم، تشبه "جيوش الدولة".
كما يقول (أفي ميلاميد) -الرئيس التنفيذي السابق لمخابرات كيان الاحتلال: سنواجه ظروفاً "صعبة جداً" مع حماس وحُلفائها المُسلحين في غزة، فحماس عدو مسلح بشكل هائل وكبير، وليست مجرد مجموعة من الأطفال الصغار يركضون بالأسلحة النارية".
وفقاً لما ذكره (أمائيل كوتلارسكي)، كبير المحللين والخبراء في الأسلحة في شركة استخبارات الدفاع "جينز"، من بين أسلحة مكافحة الدبابات التي تمتلكها حماس، تُنتج بعضها داخل القطاع نفسه، مثل رأس حربي Tandem 85. و تستخدم هذه القذائف ذات الشحنتين لاختراق المركبات المصفحة الحديثة.
فالصراع بين كيان الاحتلال وحماس يُظهر أن حماس قد تمكنت من تعزيز قُدراتها العسكرية وتوسيع ترسانتها، ما يُشكل تحدياً للقوات الإسرائيلية ويُعزز قُدرة حماس على المقاومة والرد على العمليات العسكرية الإسرائيلية.
وقد قال القيادي في حركة حماس أسامة حمدان، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتلقى ضربات موجعة على مدار الساعة في قطاع غزة، إذ يدفع أثمانًا باهظة من القتلى والجرحى والدمار لآلياته العسكرية، في كل متر يتحرك فيه داخل القطاع المحاصر، مشيرا إلى أنه يعطي المقاومة الفرصة للانقضاض على جنوده وتلقينهم دروسًا في الشجاعة والبسالة، كلما تمدد داخل الشوارع والأزقة.
هروب قوات الاحتلال
يرى أحد المحللين العسكريين في كيان الاحتلال أنه "من السابق لأوانه الحديث عن انهيار حماس، فقدراتها في الجنوب لا تزال سليمة، وإن قيادتها لا تزال موجودة هناك"، فنقطة شلل حماس من المستبعد الوصول إليها، إذ لا تزال تواصل إطلاق القذائف الصاروخية، وفق ما ذكر خبراء ومحللون عسكريون.
أظهرت حماس قوة استثنائية في أرض المعركة، فالأسلحة المتطورة، والتنظيم، وتحديد الأهداف بطريقة تؤكد وضوح المراد بشكل تام، والقوة الفردية لعناصر حماس، والإيمان بالقضية والهدف، وعنصر المفاجأة، كلها نقاط جعلت الحديث عن انتصار صهيوني غير ممكن حالياً، فما زالت حماس تقاتل بقوة وشراسة، وتكبّد قوات الاحتلال الخسائر المتتالية، والتي تزداد يوما بعد آخر.
إن هذا الوضع الذي فرضته حماس على سير المعركة دفع بكيان الاحتلال إلى خيارات لم تكن في حسبانه، فقد بدأ يطور أنظمة مضادة لأنواع من أسلحة حماس، ولا سيما الصاروخية، وأخذ يغير في تكتيك الهجمات البرية في القطاع، تفاديا لدفاع من حماس قد تشنه عبر الأنفاق، إذ يعرف المحتل جيداً أن إدارة حماس عمليات الدفاع من الأنفاق ستؤدي لهلاك القوات المهاجمة، لذا غالبا ما تنسحب قوات الاحتلال كلما قامت بالهجوم البري على منطقة ما في القطاع.
وآخر انسحاب لقوات الاحتلال في التاسع عشر من تشرين الثاني من عدة محاور في مدينة غزة وشمال القطاع، إذ تراجعت آليات الاحتلال العسكرية لمسافة 3 كيلومترات باتجاه الغرب، من مناطق الخضرا وحي الزيتون جنوب مدينة غزة، كما تراجع جيش الاحتلال أيضا من مناطق مفترق “السرايا” ومفترق “ضبيط” في وسط غزة، وتراجعت الآليات العسكرية من حي تل الهوا باتجاه شارع الرشيد أقصى غرب غزة، ومن منطقة مفترق “أبو شرخ” في بلدة جباليا شمال القطاع باتجاه شمال الغرب إلى مفترق “الصفطاوي” في شمال القطاع بعد اشتباكات عنيفة بين قواته وأفراد المقاومة الفلسطينية في منطقة حي النصر ومحيط مجمع الشفاء الطبي ومحيط منطقة السرايا وفي حي الصبرة جنوب مدينة غزة.
كان قتال المقاومة الفلسطينية مفاجئاً على كل الصعد، وقد أثر على كيان الاحتلال تأثيرا كبيرا، جعله يغير الكثير من الاستراتيجيات العسكرية لديه، وتشير الأحداث إلى أن ضعف المقاومة، أو انهيارها أمر بعيد التحقق، وهذا ما أخّر الدخول البري لكيان الاحتلال إلى غزة، وربما جعل هذا أي دخول أو بقاء في القطاع غير ممكن، وأخرجه من الخطة في التعامل مع حماس.