الوقت - أعلنت تل أبيب والرباط في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2020، استئناف علاقاتهما الدبلوماسية، بعد توقفها عام 2000، ليبدأ توافد المسؤولين الإسرائيليين إلى المغرب، وبمستويات رفيعة، وفي 22 من الشهر ذاته، وقعت الرباط إعلانا مشتركا مع تل أبيب وواشنطن خلال أول زيارة لوفد رسمي إسرائيلي أمريكي إلى المغرب.
وبعد قرار حكومة الاحتلال في العام الحالي الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية المتنازع عليها، أعلن الديوان الملكي المغربي أن الملك محمد السادس دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لزيارة المملكة، إذ وصفت الرباط القرار ب "الصائب والمتبصر"، ورأت أن من شأن هذه الزيارة أن تفتح إمكانيات جديدة للعلاقات الثنائية بين المغرب وكيان الاحتلال.
لكن مع تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، توقف مسار العلاقات تحت مظلة التطبيع بين المغرب والكيان الإسرائيلي، وتوقفت الزيارات المتوالية التي كان يقوم بها وزراء إسرائيليون إلى الرباط، وذلك نتيجة لأمور عدة منها ضغط الشارع المغربي، والحالة الوجدانية للمجتمع المغربي، والتي كانت تقف في الصف الفلسطيني، وتسعى لدعمه، وتتطلع لانتصاره في تلك الحرب، إذ شهد العديد من المدن المغربية، بينها العاصمة الرباط، مئات التظاهرات والمسيرات المليونية والوقفات الحاشدة للتنديد باستمرار الغارات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة، وللمطالبة بدعم الشعب الفلسطيني، ووقف اتفاقية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
وقال منسق الهيئة المغربية للدعم والنصرة محمد الرياحي الإدريسي: إن رفع المتظاهرين شعار رفض التطبيع في التظاهرات الداعمة لغزة، يعد استفتاء واضحا على الرفض الشعبي لكل تنسيق مع الاحتلال، فالحرب الهمجية التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع عزة وكل فلسطين، والتي خلفت الكثير من الشهداء أغلبهم من الأطفال والنساء، ساهمت في تراجع مستوى التطبيع خلال هذه المرحلة من الحرب، والذي تجلى بداية بطلب كيان الاحتلال من رعاياه مغادرة المغرب، فالتطبيع سقط شعبيا، وبقي أن يسقط رسميا وفق رئيس المرصد المغربي لمحاربة التطبيع أحمد أويحمان.
مع تبدل معطيات الواقع، والتي انعكست بدورها على الوضع السياسي العام لعلاقات الدول مع كيان الاحتلال، اتجه المغرب الرسمي إلى شكل من أشكال تجميد التطبيع، ما دفع ببعض الأصوات المناصرة لذلك التطبيع، والمؤيدة لكيان الاحتلال في حربه إلى الدفاع عنه بشتى الطرق الممكنة.
وجه رئيس منظمة الإسرائيليين من أصل مغربي سيمون أحيون، رسالة إلى الملك محمد السادس، ملك المغرب، جاء فيها: "إننا نلجأ إليك الآن، فلا تدر ظهرك لنا، نحن أصدقاؤك الذين يحبونك، قف اليوم في صفّنا، وكن اليوم إلى جانب الشعب الإسرائيلي بأكمله في نضاله من أجل البقاء، ومن أجل حق دولة "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها ضد أي منظمة إرهابية تسعى إلى تدميرها...، حربنا اليوم هي حرب ترتبط بالضرورة ببلدكم، وبكل بلدان العالم الحر وكل دولة معتدلة ومتنوّرة، لأن حماس وداعش لا يمكن صدّهما إلا من طرفنا".
المغرب يرفض..
لم ترق رسالة مثل هذه للرأي العام المغربي الذي يرى حركة حماس الجانب المدافع عن الحق والعدالة والأرض، وكيان الاحتلال العدو المحتل المجرم، فقد توجه وزير الثقافة المغربي الأسبق، محمد الأشعري إلى اليهود المغاربة، ودعاهم إلى “كلمة حق ضد هذه الإبادة المرتكبة باسم دينهم، معتبرا أن عليهم الخروج من دائرة الصّمت حيال ما يحدث في الشّرق الأوسط جرّاء الحرب التي يشنها كيان الاحتلال على غزة القطاع المحاصر، فبعد عملية “طوفان الأقصى” التي أقدمت عليها حركة “حماس”، كانت ردة فعل جيش الاحتلال “وحشية وترقى إلى أن تكون جرائم حرب تستهدف المدنيين العزل”.
وقال الأشعري في مقاله المنشور بجريدة هسبريس مخاطبا يهود المغرب: "لا شك أنكم اطلعتم على الرسالة الموجهة إلى الملك..، ولا شك أنكم كمغاربة، تعيشون بالمغرب وتتقاسمون مع إخوانكم من غير اليهود شرف الانتماء إلى هذا الوطن، قد امتعضتم أيما امتعاض من لهجة الرسالة التي تفتقر إلى أبسط شروط اللياقة، وتجرح شعور المغاربة، والتي تطلب من ملك المغرب أن يكون له الموقف نفسه الذي تعبر عنه الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة”.
وأضاف الأشعري إن " الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس وأن توقيع اتفاقية التطبيع، فضلا عن كونها اقترنت بالتزام المملكة المغربية بالاستمرار في الدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، فلا هي ولا أي إجراء سياسي آخر سيقتلع هذه القضية من وجدان الشعب المغربي ومن هويته الوطنية.. ، فالدولة تلتزم بالدفاع عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني..، وأن فلسطين والقضية الفلسطينية جزء من الهوية الوطنية للمغاربة من مختلف الخلفيات الدينية والتوجهات"، مشيراً إلى أن التطبيع ترفضه قطاعات واسعة من الشعب المغربي، "إلا أن المنتظر منه كان أن يعتنق المغاربة الذين قطنوا /إسرائيل/ قضية السلام العادل وحل الدولتين، لا أن يعتنق معهم المغاربة في البلد الأم تطرف الليكود وسياسته العنصرية الهمجية".
وتابع الأشعري "نحن جميعا كمغاربة نحب اعتزازكم بانتمائكم إلى وطنكم المغرب، وتشبثكم بثقافته وتراثه وتقاليده العريقة في التعايش والاحترام المتبادل إذ إن مواطنة أفراد الطائفة “تقتضي أن تدافعوا مثل كل المغاربة عن حقوق الشعب الفلسطيني وأن تستنكروا المذابح التي يتعرض لها، والأفق المسدود الذي تضعه السياسة الإسرائيلية المتطرفة أمام مطلب السلام”.
وأضاف الأشعري: لقد جرى التطبيع، ومن حق اليهود المغاربة هنا وهناك أن يبتهجوا به، لا أحد ينازعهم في ذلك؛ ولكن جميع المغاربة ومهما يكن من أمر كنا نتطلع، على الأقل بناء على التطبيع، "إلى تحول إيجابي لدى الإسرائيليين من أصل مغربي، يجعلهم يعتنقون معنا، ملكا وشعبا، يهودا ومسلمين، قضية السلام العادل وحل الدولتين، لا أن نعتنق معهم تطرف الليكود وسياسته العنصرية الهمجية”.
الرد اليهودي
اتسم الموقف اليهودي المغربي عموما بالصمت حيال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وذلك على ما يبدو محاولة منهم لتجنب الاصطدام بتيار جماهيري واسع يقف ضد الكيان الإسرائيلي، لكن رسالة أحيون، إلى ملك المغرب، شكلت حرجا كبيرا لليهود الصامتين، ما اضطر بعضهم لتسجيل موقف، وتحديد الرؤية.
قال رئيس الطائفة اليهودية المغربيّة بجهة مراكش آسفي جاكي كادوش: إن "الطّائفة اليهوديّة، على الأقل من أعرف، تتبرأ من تلك الرسالة، التي لا تعبر عن موقف المغاربة اليهود الذين يقطنون ببلدهم المغرب، وتنتفي فيها معالم الاحترام في مخاطبة الملك محمد السادس...، وإن المغاربة اليهود مع السياسة الخارجية للبلاد، ولا يمكن أن يعارضوا خيارات العاهل المغربي".
وبين كادوش في لقاء مع هسبريس أن "وجود التعاطف لدينا مع بعض عائلاتنا وأصدقائنا في /إسرائيل/ لا يعني أننا لا ندعم خيار وقف الحرب على غزة، ولا يعني أننا سنقبل بمخاطبة الملك بلغة ندية، وأن يتم ذلك تحت يافطة اليهود من أصول مغربية" مضيفاً: "حين قرأت الرسالة اتصلت بكاتبها، وأخبرته بأن المغاربة اليهود لديهم بروتوكولات يجب احترامها أثناء التحدث مع ملكهم".
وأكد كادوش أن كاتب الرسالة "لم يطلب رأي اليهود القاطنين بالمغرب، ولم يستشرهم، وهو لا يمثلهم، أي إن ما كتبه يعبر عنه وحده؛ مع أنه لا إشكال من الناحية المبدئية في الكتابة للملك، لكن بلباقة، لأن هناك أشكالا تعبيرية لا يجب بالإطلاق على المغاربة اليهود أن يخرجوا عنها...، فاليهود المغاربة يرفُضون تجاوز الحدود مع الرموز الوطنية من طرف أي كان، ولا يقبلون مثل هذه اللغة".
وأشار كادوش إلى أن "العديد من المغاربة اليهود تداولوا تلك المراسلة بنوع من الغضب، ومن ثمّ لا حاجة إلى ربط ما كتبه المعني بالطّائفة، التي لن تتردّد مطلقا في رفض هذه الأشكال من الخطابات"، مشددا على أن "المغاربة اليهود يتواصلون مع الملك أيضا، لكنهم يكتبون له بلغة عربيّة فصحى، وبعناية تامة بكل مناحي اللغة شكلا ومضمونا".
كان واضحا بشكل لا لبس فيه أن موقف يهود المغرب من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اتسم بالبراغماتية، ومسايرة الوضع الاجتماعي العام، فهم لم يعبروا صراحة عن إدانتهم لكيان الاحتلال، لكنهم سجلوا صمتا محايدا ربما، في مجال اجتماعي لا مجال فيه للحياد، وجاء رفضهم رسالة أحيون من منطلق أسلوبها في خطاب الملك، والتطرف فيها للجانب الإسرائيلي، دون مراعاة لخصوصية المجتمع الذي يعيشون فيه فقط، فهل سنرى في قادم الأيام موقفا يهوديا مغربيا صريحا يدين كيان الاحتلال، ويعترف بالحقوق الفلسطينية..؟