الوقت - إن موجة الصراع الجديدة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، والتي بدأت على نطاق واسع منذ الأسبوع الماضي، رغم الخسائر الفادحة والتكاليف التي تكبدها الغزاة، لكن بالنسبة لحكومة بنيامين نتنياهو المتشددة، رئيس وزراء الکيان الصهيوني، الذي يعاني من موجة من الاحتجاجات الداخلية منذ بداية حكومته في ديسمبر الماضي، فتحت مجالاً جديداً للتنفس والتعافي من أزمات الأشهر القليلة الماضية.
نتنياهو، الذي لم يتخيل قط أن ألعابه المستمرة بنار الأزمة المسيطر عليها في غزة لتحويل أذهان الصهاينة إلى الخارج، ستطيح فجأةً بكل هيبته ومصداقيته السياسية مع بدء طوفان الأقصى، وسوف تقوده مغامراته في النهاية إلى هاوية الانحدار الدائم، يرى الآن أن السبيل والأمل الوحيد لديه هو اختبار فرص القيام بعمليات برية في غزة؛ وهو طريق لا تقل تحدياته المجهولة أمام نتنياهو عن طوفان الأقصى المدمر، ولكن، لكي ينقذ نفسه من المأزق، يسعى إلى القيام بأكبر مقامرة في حياته السياسية.
وبدعوى أن الحرب في غزة هي مسألة "حياة أو موت" بالنسبة للصهاينة، يحاول نتنياهو إقناع الرأي العام في الأراضي المحتلة بأنه يقاتل الجماعات الفلسطينية لضمان أمن "إسرائيل"، لعله بهذا التكتيك يتخلص من كابوس "احتجاجات أيام السبت" التي سلبت النوم من المتطرفين لفترة.
وقد أثبت هذا الأمر للجميع أن الصهاينة ما زالوا غير قادرين على إنهاء الخلافات الماضية، رغم أنهم يزعمون تنحية الخلافات جانباً وتشكيل حكومة طوارئ، وحتى في طريق مواجهة الأزمة الحالية، لا توجد رؤية موحدة تماماً بين القادة السياسيين. ولذلك، فإن نتنياهو، الذي يواجه إجماعاً مهزوزاً للتعامل مع الأزمة الكبرى الحالية، ويرى أن الخطر لا يزال يخيم فوق رأسه، لا يريد تفويت الفرصة الأخيرة المتبقية.
شراء الوقت
نتنياهو يفهم الأوضاع داخل الأراضي المحتلة جيداً، ويعلم أنه إذا توقفت الصراعات مع حماس في غزة، فإن المعارضين والمتنافسين في الانتخابات سيستخدمون الخسائر غير المسبوقة للصهاينة كذريعة لإسقاط حكومته المتطرفة، ولهذا السبب لا يزال لا ينوي إنهاء التوتر مع فصائل المقاومة، وقال إنهم يستعدون لمعركة طويلة الأمد.
في الوضع الحالي فإن الخيار الأفضل لرئيس الوزراء الصهيوني ومعاونيه المقربين، هو إضفاء الطابع الأمني علی الأراضي المحتلة، وأساس ذلك هو بدء حرب جديدة مع الفلسطينيين وقتل المزيد من الناس في غزة، والذي يبدو أنه حقق نجاحاً نسبياً حتى الآن.
ويرى نتنياهو في التوغل في غزة شريان حياة مؤقت لحكومته لإجراء تعديل وزاري، وتأجيل محاكمته بتهم الفساد، لأنه حسب الأجواء السياسية السائدة، سيعتبر كل شيء قد انتهى بالنسبة لنتنياهو والمتطرفين، وبالتالي يحاولون من خلال إطالة أمد الصراع مع حماس في غزة شراء بعض الوقت لإنقاذ أنفسهم من المحاكمة.
کما يحاول نتنياهو وزملاؤه، الذين رفعوا منسوب التوتر مع فصائل المقاومة في الضفة الغربية وقطاع غزة في الأشهر الأخيرة، استغلال فرصة عملية طوفان الأقصى وتحقيق هدفهم النهائي، وهو تدمير نوى المقاومة، ولذلك، يخطط الجيش الصهيوني للدخول إلى غزة براً خلال الأيام المقبلة، للتخلص من حماس والجهاد الإسلامي إلى الأبد.
ويزعم نتنياهو أنه باحتلاله غزة وكسب المعركة مع فصائل المقاومة سيغير خريطة الشرق الأوسط، لكن ظروف الأشهر الأخيرة، وخاصةً التقارب العربي الإيراني في المنطقة وتطبيع العلاقات، أظهرت أن الصهاينة أصبحوا أكثر عزلةً من أي وقت مضى، كما أن تصاعد الجرائم في غزة والضفة الغربية، والذي دفع حتى الرأي العام الغربي إلى الرد، سيساعد في زيادة عزلة الصهاينة.
الدخول البري إلى غزة مسلخ نتنياهو
رغم أن حكومة تل أبيب اليمينية تدعي أنها تستطيع احتلال غزة بالكامل باستدعاء 300 ألف جندي احتياطي، إلا أن الخبراء ووسائل الإعلام الغربية يعتقدون أن هذا الإجراء سيكلف المحتلين الكثير.
أولاً، يريد نتنياهو احتلال غزة بمساعدة قوات الاحتياط، التي عصت أوامر الحكومة في الأشهر الأخيرة، رداً على مشروع قانون تغيير النظام القضائي، حتى أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لخلق مناخ عاطفي وقومي في المجتمع وبين الجيش من أجل تعبئة القوات على نطاق واسع، لا تزال التقارير تشير إلى تردد جنود الاحتياط وإحجامهم عن الذهاب إلى ساحة المعركة، ونظراً لتزايد احتمال تفعيل التهديدات في الجبهات الشمالية، فمن غير الممكن تركيز كل القوات البرية للدخول إلى غزة.
ثانياً، لقد أظهر الجيش الصهيوني أنه ضعيف للغاية في الحروب غير المتكافئة وحروب العصابات، وفي العقود السبعة الماضية إذا كان قد حقق أي إنجازات، فإن ذلك كان بفضل قوته الجوية، التي حافظت على التوازن لصالحه في هذا المجال.
في الواقع، يخطط نتنياهو لجلب قوات الاحتياط وأفراد الجيش إلى غزة، الذين يرغبون في تجربة حرب المدن لأول مرة. وحسب الخبراء، فإن حماس والجهاد الإسلامي لهما اليد العليا في القتال الفردي المباشر، ومن خلال حفر الأنفاق تحت غزة ومعرفة المنطقة جيدًا، يمكنهما توجيه ضربات قوية للکيان الصهيوني، وفي هذا الصدد، حذّر قادة المقاومة من أنه إذا دخل الجيش الإسرائيلي إلى غزة براً، فسيتم التضحية بنصف هذه القوات.
لذا، فإن أمل نتنياهو في نجاح قوات الاحتياط وقوات المتمردين في الحرب البرية في غزة، لن يؤدي فقط إلى عدم تحقيق أهداف المتطرفين، بل سيضاعف أيضاً التكاليف والإصابات بين المحتلين، وهذه فرصة جيدة للمعارضة لتتولى السلطة مرةً أخرى بإسقاط الحكومة؛ مثلما أعلنت المعارضة أن مقتل الصهاينة هي نتيجة تصرفات الحكومة المتطرفة غير المدروسة في الأيام الأخيرة، وطالبت باستقالة نتنياهو.
من خلال قتل سكان غزة وإطالة أمد الصراع مع الفلسطينيين، يبحث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن مهرب لإنقاذ دولته المنهارة، لكن عملية المعادلات الميدانية تظهر أن مستنقع غزة سيكون هذه المرة نهاية حياته السياسية.