الوقت- بعد مرور أسبوع على عملية طوفان الأقصى الظافرة والكبيرة في الأراضي المحتلة، ومحاولات الکيان الصهيوني الانتقام وتعويض الهزيمة الفادحة والتاريخية التي لحقت به علی يد المقاومة الفلسطينية بمهاجمته غزة والقتل الجماعي للمدنيين، من خلال تفعيل الأذرع الإعلامية والاستيلاء على كل أدوات الحرب الدعائية والنفسية، يحاول الصهاينة ومؤيدوهم الغربيون يائسين صنع محرقة كاذبة أخرى من المقاومة الشرسة للفلسطينيين، بهدف تمهيد الرأي العام العالمي للقيام بأعمال إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، وخاصةً الشعب الواقع تحت الحصار في قطاع غزة.
خلال الأيام القليلة الماضية، تحدث الصهاينة عن التدمير الكامل لقوة حركة المقاومة الإسلامية في غزة والجماعات الأخرى الموجودة في هذه المنطقة، ولكن بعد مرور ما يقرب من أسبوع على وجود قوات الكوماندوز التابعة لحماس وقوات اقتحام الخطوط في المستوطنات الصهيونية المحيطة بغزة، فإن الجيش الصهيوني لم يتمكن بعد من استعادة هذه المستوطنات بشكل كامل.
هذا في حين أنه من حيث عدد القوات وكمية ونوعية الأسلحة والذخائر، فإن قوات النخبة العسكرية التابعة لحماس لا يمكن مقارنتها بالقوات الصهيونية المدججة بالسلاح، وعلى أساس المعادلات العسكرية، على الورق، فقد مُنحت حماس نصراً کان يبدو مستحيلاً.
وبالنظر إلى هذا الوضع، يعتقد الخبراء أن الاستراتيجية الرئيسية لقادة الکيان الصهيوني لتجنب قبول الهزيمة وعواقبها الوخيمة في المستقبل، هي الإصرار على مواصلة القصف الأعمى والواسع النطاق لغزة في الأسابيع المقبلة، وتكبيد الفلسطينيين خسائر فادحة، وتدمير كل البنى التحتية الاقتصادية والخدمية والصحية والحضرية في غزة، وتكثيف الحصار غير الإنساني وغير المسبوق بقطع الماء والكهرباء والوقود والغذاء عن الأهالي، وأخيرًا إجبار الناس على الهجرة على نطاق واسع من المنطقة إلى مصر وربما احتلال قطاع غزة.
لكن تنفيذ هذه الاستراتيجية التي ستتسبب في جرائم جديدة وحتى غير مسبوقة، رافقه ضجيج إعلامي کاذب لتغيير مکان الظالم والمظلوم، من أجل الاستمرار في قتل المدنيين الفلسطينيين بأقل التكاليف والضغوط الدولية.
وفي هذا الصدد، نشرت وسائل الإعلام ورؤساء الدول الغربية خلال الأيام القليلة الماضية على نطاق واسع هذا الادعاء الذي لم يثبت قط، بأن المقاتلين الفلسطينيين قد قطعوا رؤوس الأطفال.
وبينما لم ينشر الصهاينة صورةً واحدةً لمثل هذا الحدث، سرعان ما ردّدت سلطات البيت الأبيض ادعاء الصحفي الصهيوني والناطق باسم الجيش الصهيوني، وذرفوا دموع التماسيح عليه.
في الوقت نفسه، خلال الأيام الستة الماضية، كان حوالي ثلث الفلسطينيين الذين قتلوا في قصف الکيان الإسرائيلي من الأطفال.
فحسب إحصائية وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفع عدد الذين استشهدوا جراء هجمات الکيان الصهيوني على قطاع غزة إلى 1537 شخصاً، بينهم 500 طفل و276 امرأة، وجاء في هذا البيان أن 6612 شخصاً أصيبوا في هذه الهجمات أيضًا.
هذا النوع من خطاب المظلومية لتبرير القمع، قديم قدم التاريخ القصير والمزيف لهذا الکيان سيء السمعة، حيث إن أسطورة المحرقة وتزييف التاريخ حول مقتل 6 ملايين يهودي على يد ألمانيا النازية، انتزعت الحياة من الشعب الفلسطيني منذ عقود، وقتلت مئات الآلاف من البشر وشردت الملايين منهم، ومن خلال خلق الأزمات والنزعة التوسعية في أراضي الدول المجاورة، سلبوا السلام من المنطقة.
کما أنه منذ عقود لم يُمنح المؤرخون أي فرصة لإجراء أبحاث مستقلة ومثبتة تاريخياً حول حقيقة أسطورة المحرقة، وقاموا بتجريمها في معظم الدول الغربية، الآن أيضًا تقوم وسائل الإعلام والدول الغربية بنشر روايات كاذبة عن الصهاينة دون أي أدلة أو وثائق، من أجل اجتذاب الرأي العام ومنع الوعي العالمي، وخاصةً بين المواطنين الغربيين، بحقيقة ما يحدث في فلسطين.
هذا على الرغم من أنه ليس فقط لا توجد مقاطع فيديو لمقاومين يتصرفون بطريقة غير لائقة وخارج المعايير الإسلامية والدينية، في مواجهة المستوطنات وكبار السن والأطفال والمعاقين ذهنياً، بل حتى في مقابلة المرأة الصهيونية المحررة مع طفليها، فإنها تعترف صراحةً بأن سلوك جنود المقاومة أثناء أسرها كان غير عنيف وإنساني تماماً.
وقالت: "حملت القوات الفلسطينية أحد الأطفال لمساعدتي؛ لقد أخرجوني من الغرفة الآمنة وأعطوني ملابس لأغطي نفسي احتراماً".
في الأساس، فإن محاولة نسب سلوك "داعش" المتمثل في قطع رؤوس المدنيين إلى المقاتلين الفلسطينيين، هو في المقام الأول تشويه للانتصار الکبير لعملية طوفان الأقصى التاريخية، والتقليل من الهزيمة غير المسبوقة للصهاينة، وثانياً لتسهيل وضع صفة الإرهاب على مقاومة غزة البطلة، وتهميش الكوارث التي تحدث بسبب القصف الهمجي والحصار على هذه المنطقة.
لكن ما يمكن ملاحظته من ردود الفعل العفوية للناس في كل أنحاء العالم، من الدول العربية والإسلامية إلى قلب الدول الأوروبية وأمريكا، يظهر أنه حتى الدعاية الإعلامية الواسعة لمصلحة الصهاينة والرقابة المنهجية على عملية نقل تطورات الحرب، لم تمنع شمس الحقيقة من أن تشرق على النفوس الحرة في جميع أنحاء العالم، ويوماً بعد يوم تتزايد أعداد المتظاهرين ضد جرائم الصهاينة والدول الغربية الداعمة للکيان، والمساندين للشعب الفلسطيني.
وفي هذه الأيام، وصلت المظاهرات المناهضة للصهيونية إلى نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية الكبرى، ومساء الجمعة بالتوقيت المحلي، انعقد تجمع لمؤيدي فلسطين في الشارع 42 في مانهاتن بنيويورك، في الوقت نفسه الذي انعقد فيه الاجتماع الثاني لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلف أبواب مغلقة، وردّد المتظاهرون شعار الحرية والعدالة لفلسطين، وإنهاء دعم الولايات المتحدة الأمريكية للکيان الإسرائيلي.
من جهة أخرى، بينما شهدت الدول الإسلامية، الجمعة، حضوراً شعبياً كبيراً دعماً لمقاومة غزة وإدانة للجرائم البشعة التي يرتكبها الکيان الصهيوني في قصف المدنيين، طبقت الدول الأوروبية التي تدعي حرية التعبير، حظرًا على المظاهرات التضامنية مع فلسطين.
ففي فرنسا وألمانيا، أُعلن أن المظاهرات التضامنية مع فلسطين غير قانونية بحجة "تهديد النظام والأمن العام"، وفي هولندا، هددت الشرطة بمهاجمة مظاهرات أنصار حماس، كما أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان قبل ثلاثة أيام، أن رفع العلم الفلسطيني قد لا يكون قانونياً في هذا البلد في بعض الظروف.
لكن من المؤكد أن هذه القيود لن تتمكن من تقليص مناصري الشعب الفلسطيني من الظهور على الساحة في الأيام المقبلة، كما أن الدعم العالمي لمقاومة غزة سيزداد مع استمرار جرائم الکيان الإسرائيلي.