الوقت- أطلقت "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" في 7 أكتوبر الجاري عملية "طوفان الأقصى"، التي جاءت مُباغتة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بعد يوم من عيد المظلات في الكيان الإسرائيلي.
وسنتابع في هذا المقال تحليلا للخسائر الاقتصادية التي سوف يتكبدها الكيان الإسرائيلي في هذه العملية.
الخسائر الاقتصادية
تنقسم الخسائر التي من المتوقع أن تنتج عن هذه العملية إلى خسائر اقتصادية مباشرة وخسائر غير مباشرة، كما سيتم توضيح ذلك على النحو التالي:
أولاً: الخسائر المباشرة
تعتبر الخسائر المباشرة هي الخسائر التي تأتي نتيجة الأضرار المادية المترتبة على العملية العسكرية، إذ دمرت عملية "طوفان الأقصي" العديد من المباني الإسرائيلية والمدن وتُعد من أكبر الخسائر المادية للكيان الإسرائيلي قصف مدينة عسقلان، التي تعرضت بها عشرات المواقع للقصف، وتعد عسقلان من المناطق التي تنتشر بها المنشآت النفطية الإسرائيلية، الأمر الذي يُعد تهديدًا لمشروع النفط الإسرائيلي، فضلًا عن قصف ثاني أكبر محطة كهرباء بالكيان الإسرائيلي، وإلحاق الضرر بقطاع الاتصالات الخلوية.
كما اندلع حريق كبير بمجمع للسيارات المستوردة بغلاف غزة من جراء القصف الصاروخي من جانب المقاومة، إضافة إلى الأضرار الكبيرة في البُني التحتية داخل "إسرائيل"، إذ رجح بعض الخبراء الاقتصاديين أن إعادة إعمار البنى التحتية في الكيان الإسرائيلي ستكلفها على الأقل مليار دولار، إضافة إلى تكاليف أخرى، من المتوقع أن تتحمل الكيان الإسرائيلي على الأقل 1.26 مليار دولار جراء هذه العملية.
ثانيًا: الخسائر غير المباشرة
(-) انخفاض معدل السياحة: ترتب على حالة عدم الاستقرار الأمني، التي سبّبتها عملية "طوفان الأقصى" إلغاء العديد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها الجوية من وإلى الأراضي المحتلة، وهو ما سيترتب عليه انخفاض عدد السياح الوافدين إلى الكيان الإسرائيلي بشكل كبير، ما سيجعلها تتحمل خسائر كبيرة من انخفاض تدفق الأموال الأجنبية إليها، فالسياحة الوافدة توفر للكيان الإسرائيلي 13.5 مليار شيكل، وانخفاض إيرادات السياحة سيُحمّل الاقتصاد الإسرائيلي العديد من الأضرار المادية على مستوى العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية.
(-) ارتفاع عجز الموازنة: إن ارتفاع حجم الخسائر المادية سيتم تعويضها من خلال زيادة الإنفاق على إعادة تأهيل البنى التحتية وتعويض الأهالي عن الأضرار التي نتجت عن الحرب، سيعمل على زيادة عجز الموازنة وعلى الجانب الإسرائيلي، ارتفع عجز الموازنة في يونيو الماضي إلى 9% من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المحتمل أن ترتفع هذه النسبة بشكل ملحوظ بعد العملية؛ نتيجة الإنفاق المتزايد الذي سيتحمله لإعادة إعمار ما تم هدمه.
(-) انخفاض الاستثمارات الأجنبية: سيترتب على الأحداث الحالية داخل الكيان الإسرائيلي، عزوف العديد من المستثمرين عن فتح استثمارات جديدة بها، إذ إن عدم الاستقرار يعتبر من العوامل الطاردة للاستثمار، ومن منطلق أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة تُحقق دخلًا كبيرًا للاقتصاد الاسرائيلي، إذ بلغت حجم هذه الاستثمارات 129.8 مليار دولار في يوليو 2023، وهو ما يُرجح أن الكيان الإسرائيلي سيفقد جزءًا كبيرًا من هذه الاستثمارات من جراء العملية الحالية، إضافة إلى خسارته لجزء كبير من تدفقات رأس المال التي بلغت 295 مليون دولار في يوليو 2023.
(-) زيادة حجم الديون: إن حجم الديون الخارجية بلغت 156.3 مليار دولار في يوليو 2023، كما بلغ حجم الدين العام 60% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2022، ومن المتوقع بشدة أن تزداد هذه الأرقام في نهاية العملية الحالية، إذ إن حجم الأضرار الناتجة عن العملية كبير جدًا، الأمر الذي لا تتحمله الموازنة العامة الإسرائيلية، ما سيعمل على زيادة الاقتراض الخارجي.
البورصة تهوي
سجلت بورصة تل أبيب، في نهاية تداولات الأحد، خسائر قياسية، في عملية “طوفان الأقصى”، وهبط مؤشر بورصة تل أبيب الرئيسية “TA-125″، و”TA-35.
تراجعت أسعار الأسهم، والسندات الإسرائيلية، وأغلقت العديد من الشركات أبوابها، في ثاني يوم من عملية “طوفان الأقصى”، التي قامت بها فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، على الكيان الإسرائيلي.
وهبط مؤشرا بورصة تل أبيب الرئيسية “TA-125″، و”TA-35” بما يصل إلى 7%، وانخفضت أسعار السندات الحكومية بنسبة تصل إلى 3% في رد فعل أولي للسوق.
وهوى المؤشر الرئيسي ببورصة تل أبيب “TA-35” بنسبة 6.7%، عند إغلاق تعاملات الأحد، فيما انخفض مؤشر البنوك بنسبة 8.7%، وذلك وسط عمليات بيع واسعة، حسب رويترز.
وفي مستهل تعاملات الأحد، هبط المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب 4.8%، ويعد هذا أكبر تراجع منذ فبراير 2022.
وقبل خسائر الأحد، بلغت نسبة خسائر المؤشر الرئيسي منذ بداية العام 9%.، ويمثل رأس المال السوقي لبورصة “تل أبيب”، نحو 57% من حجم الناتج الإجمالي للدولة البالغ حجم اقتصادها 488 مليار دولار حتى نهاية العام الماضي.
وخلال تعاملات يوم الأحد، تراجعت أسعار السندات الحكومية بنسبة تصل إلى 3% بعد يوم من الهجوم واسع النطاق.
ورغم أن سوق الصرف الأجنبي مغلقة الأحد، كان الشيكل الإسرائيلي، قد انخفض نحو أدنى مستوى له منذ 7 سنوات في الأيام الأخيرة، قبل إعادة فتح البرلمان الإسرائيلي المقرر في وقت لاحق من هذا الشهر.
احتمال إغلاق البورصة
ولم يستبعد أن تغلق البورصة الإسرائيلية أبوابها في حال استمرت بالهبوط، وتوقع أن يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر فادحة لا يمكن حصرها بهذه المرحلة.
وحسب تعليمات قيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ستُعطّل الدراسة من منطقة تل أبيب الكبرى حتى مناطق "غلاف غزة"، كما ستُغلق مئات المناطق الصناعية وآلاف المنشآت التجارية ومجمعات التسوق، وهي التي تشكل عصب الاقتصاد في المنطقة، وتخدم نحو 3 ملايين إسرائيلي.
ومن جهته قال جوناثان كاتس، كبير الاقتصاديين في شركة “ليدر كابيتال ماركتس”:” من المتوقع أن تكون هذه الجولة من العنف أطول وأكثر حدة من الجولات السابقة، ومن الواضح أن لها تأثيرا سلبيا أكبر على الاقتصاد والميزانية العامة.
وأضاف: “من المرجح أن يضعف الشيكل بشكل حاد غدا ونرى احتمالا كبيرا أن يبيع بنك إسرائيل العملات الأجنبية في مرحلة ما”.
وقال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إنه أصدر توجيهاته لرؤساء الإدارات بالوزارة بسرعة لتوفير الميزانيات اللازمة لإدارة الحرب.
وتفاعلت شركات طيران عالمية مع تلك الأحداث وألغت رحلاتها إلى مطار بن غوريون في الكيان الإسرائيلي، ومن بينها طيران الإمارات ولوفتهانزا، كما تم إغلاق بعض المطارات.
وأُغلقت المدارس ومنحت العديد من الشركات العاملين بها إجازة، وأغلقت معظم المتاجر باستثناء الأسواق التجارية التي تبيع المنتجات الغذائية والصيدليات.
وقالت جمعية المصنعين الإسرائيليين إن المصانع لا تزال تعمل على الرغم من حالة الطوارئ لضمان عدم نقص الغذاء والمنتجات الأساسية الأخرى.
وقال رئيس الجمعية رون تومر:” ستستمر جميع الشركات في العمل قدر الإمكان رغم ظروف الطوارئ الصعبة والقصف الصاروخي ونقص العمال.. بفضل استقلال الإنتاج الإسرائيلي… حتى في أوقات الطوارئ، لن ينقص سكان إسرائيل أي شيء”.
ورفضت شركة إنتل، أكبر جهة توظيف ومُصّدر في الكيان الإسرائيلي، الإفصاح عما إذا كان إنتاج الرقائق قد تأثر.
وقال متحدث باسم الشركة “نراقب الوضع في "إسرائيل" عن كثب ونتخذ خطوات لحماية ودعم عمالنا”.
وقالت شركة صناعة الرقائق الإسرائيلية (تاور سيميكوندكتور) إنها تعمل كالمعتاد.
وقدّر حجم الخسائر الإسرائيلية في مواجهات عسكرية سابقة مع المقاومة الفلسطينية بعشرات مليارات الدولارات، للقطاع الاقتصادي، والتجاري، والسياحي.
الأمر هنا لا يقتصر على قيمة الأضرار والخسائر المباشرة التي لحقت وستلحق بهذه القطاعات، إنما بالخسائر غير المباشرة المتمثلة بفوات المنفعة الاقتصادية على المدى القريب والبعيد، والتي كان يمكن تحقيقها فيما لو لم تحدث عملية "طوفان الأقصى".
اجتماعياً، وإلى جانب الخسارة الكبيرة في الأرواح البشرية، التي ربما تكون الأثقل بالنسبة إلى الكيان منذ نهاية التسعينيات، فإن المجتمع الإسرائيلي سيكون في مواجهة تبعات خطرة للمؤشرات التالية:
- ارتفاع معدلات البطالة نتيجة توقف المنشآت الصناعية والسياحية والخدمية وخروج بعضها عن العمل جزئياً أو بشكل تام.
- زيادة أعداد المستوطنين المحتاجين إلى الدعم والمساعدة بغية تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء وغير ذلك.
- نشوء ظاهرة النزوح الداخلي للمستوطنين الهاربين من مناطق غلاف غزة وما ينجم عنها من آثار اقتصادية واجتماعية ونفسية في شريحة واسعة من المستوطنين الصهاينة.
- ارتفاع ظاهرة الإصابة بالصدمات والأمراض النفسية بين عموم الصهاينة، وغالباً ما تستمر هذه الإصابات لفترات زمنية ليست قصيرة.
- انهيار مؤشرات الرأسمال الاجتماعي من حيث فقدان الشعور بالأمان والثقة، والتي تضاف إلى جملة ما يعانيه المجتمع الإسرائيلي من انقسام وتشرذم وفقدان للثقة.
- التوقعات بزيادة معدلات الجريمة والانتحار والإحباط واليأس في ضوء ما خلفه الفشل الأمني والعسكري الإسرائيلي من انعدام للثقة والأمان داخل المجتمع الصهيوني.
ربما تكون هذه الخسائر هي الضربة القاضية لاقتصاد الكيان الاسرائيلي المتهاوي أصلاً ولا يبدو أن الكيان سيتمكن من الوقوف على قدميه كما كان في السابق فهذه العملية غيرت كل شيء.