الوقت - بعد تساؤلات وتكهنات عن مصيره ومكان وجوده، ظهر الجنرال الروسي سيرغي سوروفيكين الملقب برجل " يوم القيامة" في الجزائر بالبزة العسكرية إلى جانب وفد من وزارة الدفاع الروسية في الجامع الرئيسي القطب عبد الحميد بن باديس في وهران غرب الجزائر، ما أثار الكثير من التساؤلات حول الأسباب والتوقيت، وعلاقة "فاغنر" في ذلك، ولاسيما أن الجنرال تربطه علاقة جيدة بالمجموعة.
وكان الجنرال قد اختفى عن الأنظار، وقيل أنه تعرض للسجن بسبب ما يزعم أنه متواطئ مع زعيم حركة فاغنر المسلحة يفغيني بريغوجين التي تمردت على الكرملين منذ ثلاثة أشهر.
وخلال تمرد "فاغنر"، الذي استمر 24 ساعة وهزّ السلطة الروسية، دعا سوروفيكين المتمردين إلى التوقف والعودة إلى ثكناتهم قبل فوات الأوان، لكن الجنرال كان مع ذلك يعتبر مقرباً من قائد "فاغنر" يغفيني بريغوجين، الذي قتل في حادث تحطم طائرة في آب الماضي.
ولم تعلن السلطات الجزائرية بشكل رسمي عن الزيارة ولا الهدف منها، كما أن موسكو لم تتحدث عنها.
وتعليقاً على ظهور الجنرال بعدما أثيرت أحاديث عن فقدان الثقة به لارتباطه بـ "فاغنر"، ذهبت صحيفة "كوميرسانت" الروسية، نقلاً عن مصدر لم تسمه، إلى أنه من الواضح أن الثقة في سوروفيكين لا تزال على أعلى مستوى، ومن المحتمل أن تكون رحلة الجنرال مرتبطة بتعيينه المحتمل في منصب سيكون مرتبطاً بالعمل في الاتجاه الشرقي، مشيرة إلى أن هذا المنصب يندرج في إطار العلاقات الروسية مع الدول الإسلامية الناطقة باللغة العربية، وأن ظهوره في هذا النشاط البعيد عن تخصصه يوحي بصلة له بالبعد الديني واللغوي في مهمته الجديدة.
في حين أثار ظهور الجنرال القلق في الأوساط الأوربية التي تخشى من تعزيز الوجود الروسي في القارة الإفريقية، وحسب العواصم الأوروبية فإن الجنرال سيرغي سوروفيكين سيكون دون شك المسؤول عن تطوير العلاقات العسكرية بين الجزائر وروسيا لتجربته الطويلة في حروب آخرها سورية وأوكرانيا، كما يعد سيرغي سوروفيكين من الخبراء في الشأن العسكري الأوروبي، وترى الجزائر في الأوروبيين سواء في البحر المتوسط أو وجودهم في منطقة الساحل الخطر الذي يتربص بها.
بطبيعة الحال، لم تتضح ظروف وخلفيات ظهور المسؤول العسكري الروسي في الجزائر، لكن روابطه السابقة مع مجموعة "فاغنر" دفعت بعض الأوساط الجزائرية إلى تفسير وجوده في سياق مساع لتفاهمات روسية جزائرية، إذ تنظر الجزائر لوجود "فاغنر" في مالي ومنطقة الساحل بـ"عين القلق"، وخصوصاً بعد المواجهات الأخيرة والمتصاعدة بين قوات "فاغنر" التي تدعم الجيش المالي، وبين حركات الأزواد الموقعة على اتفاق الجزائر للسلام، في أيار 2015، التي تهدد بنسف الاتفاق، وعودة الاقتتال قرب الحدود.
وفي حزيران الماضي، عبّر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن اعتراضه على وجود "فاغنر" في مالي.
وفي السياق، أشار محللون إلى أن الجزائر مهتمة بفهم حقيقة وضع "فاغنر" في شمال مالي القريبة من الجزائر، وخاصة أن حضورهم في الفترة الأخيرة بدأ يشكل إرباكاً لافتاً في المشهد الأمني هناك، وهذا أمر يقلق الجزائر، ليس لكونه يهدد بنسف اتفاق السلام في مالي الذي ترعاه الجزائر منذ عام 2015 وحسب، ولكن أيضاً لأن هذا الوجود بدأ يخلق توترات جديّة في المنطقة، وهذا يستدعي تفاهمات مع موسكو التي تتحمل المسؤولية السياسية عن قوات فاغنر".
وبات وجود مجموعة "فاغنر" في أفريقيا لافتاً ومؤثراً في الشأن الداخلي، لدرجة إثارة قلق القوى التقليدية النافذة في القارة، على غرار فرنسا والولايات المتحدة وحتى الصين، وخاصة بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي عرفتها بعض الدول في الساحل وجنوب الصحراء، وظهور المجموعة كحليف وداعم للنخب العسكرية الجديدة، وكبديل استراتيجي لدى قطاع من الأفارقة الناقمين على الوجود الفرنسي والمرحبين بقدوم الروس.
ولم يستبعد مراقبون في هذا الشأن أن يكون وجود الجنرال المذكور بالجزائر على صلة بدور ومستقبل المجموعة في القارة الأفريقية، وخاصة أن الجزائر تدفع بمبادرة سياسية من أجل إحلال السلم في النيجر، والحيلولة دون أيّ تدخل العسكري يهدد أمن واستقرار المنطقة، في ظل وجود أكثر من طرف يضع إصبعه على الزناد، بمن فيهم مجموعة فاغنر.
وفي حزيران الماضي زار الرئيس الجزائري روسيا بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشهدت الزيارة توقيع الطرفين على اتفاقيات وإعلان نوايا بشأن تعميق الشراكة الاستراتيجية، كما تُعبِّر اللقاءات الرسمية بين الجانبين عن تطور العلاقات السياسية بينهما، مثل الاتصال الهاتفي الذي أُجري بين تبون وبوتين في كانون الثاني 2023 لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ولقاء سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، مع نظيره الجزائري السابق رمطان لعمامرة، في أيلول 2022 على هامش أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بجانب زيارة لافروف إلى الجزائر في مايو 2022 بهدف مناقشة سبل تطوير العلاقات الروسية الجزائرية.
وتنظر روسيا إلى الجزائر على أنها واحدة من أكبر ثلاثة شركاء اقتصاديين لها في قارة أفريقيا؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 3 مليارات دولار، كما يعزز الطرفان تنسيقهما في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز، وكذلك في اجتماعات الدول المصدرة للنفط “أوبك+”؛ حيث أعلنت الجزائر مؤخراً تبني موقف روسيا بشأن رفض تحديد أوروبا سقف أسعار الغاز، واعتبرت إجراءات الاتحاد الأوروبي أحادية الجانب؛ ما يعكس التوافق الروسي الجزائري في ملف السوق العالمية للنفط.
إلى جانب ما سبق يمثل التعاون العسكري المتنامي أحد أعمدة العلاقات الثنائية بين البلدين؛ إذ يتجلى تعزيز التعاون العسكري بينهما في إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين القوات الروسية والجزائرية في تشرين الثاني 2022 بقاعدة “حماقير” الجزائرية بهدف مكافحة الإرهاب في المنطقة، على الرغم من نفي وزارة الدفاع الجزائرية إجراء هذه المناورات، بينما أكد لافروف – خلال حوار له في شباك ٢٠٢٣ – إجراءها في منطقة “بشار” الجزائرية، كما استضافت الجزائر في تشرين الأول 2022 قوات من البحرية الروسية لإجراء مناورات بحرية مشتركة.
وتُعَد روسيا من أبرز مورِّدي الأسلحة إلى الجزائر؛ حيث أشار تقرير لمعهد ستوكهولم للأبحاث حول السلام SIPRI الصادر في آذار 2023 إلى أن الجزائر تعتبر ثالث أكبر مستورد عالمي للسلاح الروسي بعد كل من الهند والصين، وتُعَد موسكو هي أول ممول للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة العسكرية بنسبة تتجاوز 50% من إجمالي حجم التسليح الجزائري، وتشير تقارير إلى أن الجزائر قد حصلت منذ عام 2002 على ما يقرب من 76% من وارداتها التسليحية من روسيا.