الوقت - بعد أسبوع من مراسم الأربعين الحسيني (عليه السلام)، والتي أظهرت روح الوحدة والصداقة التاريخية بين الشعبين الإيراني والعراقي، غادر فؤاد حسين، وزير الخارجية العراقي، إلى طهران الأربعاء الماضي، في رحلة غير متوقعة تتضمن بعض أهم القضايا الثنائية على جدول الأعمال.
قبل زيارته إلى طهران، أكد وزير الخارجية العراقي أن الدستور العراقي لا يسمح باستخدام أراضي هذا البلد لمهاجمة الدول المجاورة، وقال: "تم اتخاذ الإجراءات اللازمة لإخراج السكان المعارضين من حدود إيران، ونحن ملتزمون بتنفيذ الاتفاقية الأمنية مع إيران".
يبدو أن الحكومة العراقية الحالية، وبعد سنوات من المماطلة، جادة في طرد الجماعات الإرهابية والانفصالية من الحدود المشتركة مع إيران، وفي هذا الصدد، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قبيل زيارة فؤاد حسين، إن بلاده ملزمة بمعالجة مخاوف طهران الأمنية بسبب التحركات الإرهابية المتمركزة في إقليم کردستان، وقال: لقد أنفقنا حتى الآن أكثر من مئتي مليون دولار على هذه القضية، ونشرنا أكثر من ثلاثة آلاف جندي من الجيش الوطني عبر حدود إيران والإقليم.
وتجدر الإشارة إلى أن قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي العراقي، قال مؤخراً في تصريح له: إن "بغداد تبذل جهوداً كبيرةً لتنفيذ بنود الاتفاقية الأمنية مع إيران، ونؤكد حرصنا على تعزيز العلاقات بين البلدين الجارين، بما يعود بالنفع على الشعب والوطن ويعزز الاستقرار والأمن في المنطقة".
کذلك، تجدر الإشارة إلى أنه بناء على الاتفاقيات الأمنية بين إيران والعراق التي أبرمت في 28 مارس من العام الماضي، تم تحديد مهلة ستة أشهر لطرد الجماعات الانفصالية من حدود إيران، وقد حذرت سلطات طهران مراراً وتكراراً من أن هذا الموعد النهائي لن يتم تمديده.
ولذلك، أكد مصدر سياسي عراقي رفيع المستوى أن مشاورات رفيعة المستوى تجري للتعامل مع تحديات هذه القضية، وقد تقدمت الأطراف المعنية بمقترح لنقل الإرهابيين الانفصاليين من إقليم كردستان العراق إلى محافظة الأنبار غرب هذا البلد.
ويذكر في هذا الاقتراح أنه سيتم بناء مجمعات سكنية تحت إشراف الأمن العراقي، مثل معسكر "أشرف" الذي بني لمنظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية الإرهابية، لهذه الجماعات في محافظة الأنبار.
في العقد الماضي، خلقت الجماعات الإرهابية الانفصالية العديد من التهديدات ضد سلامة أراضي إيران واستقرار وأمن المدن الحدودية في المناطق الغربية من إيران، وإلی جانب الإضرار بسبل عيش وأعمال سكان الحدود، والانخراط في أنشطة غير قانونية مثل تجارة الأسلحة وتهريب المخدرات والاتجار بالبشر والتجسس للأجانب وما إلى ذلك، في أعمال الشغب التي وقعت العام الماضي استغلت هذه الجماعات الفرصة وجلبت كميةً كبيرةً من الأسلحة والأشخاص إلى حدود إيران، حتی يتمکنوا، من خلال جعل المدن الإيرانية غير آمنة، من تنفيذ الأزمة الشريرة والخطط المشؤومة التي خططت لها مراكز الأبحاث الغربية والصهيونية.
لذلك، ووفقاً للالتزامات التي تعهدت بها بغداد للقضاء على التهديدات الناجمة عن أنشطة الجماعات الإرهابية الانفصالية في هذا البلد، فإن أحد أهداف زيارة فؤاد حسين سيكون تنفيذ الاتفاقيات الأمنية بين البلدين في أسرع وقت ممكن.
وفي هذا الصدد، يقول السيد جعفر قنادباشي الخبير في القضايا الدولية في حديث لـ"الوقت" عن تفاصيل هذه الرحلة: "بعد مراسم أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) التي أظهرت الوحدة بين الشعبين، كان من الضروري أن يلخص الجانبان ما حدث خلال هذه المراسم، التي أظهرت التعاون الشامل بين طهران وبغداد، كما أن إنشاء خط سكة حديد الشلامجة – البصرة، الذي من المفترض أن يستخدم لنقل الركاب والزوار مستقبلاً، هو موضوع آخر ستتم مناقشته في هذه اللقاءات".
لكن قنادباشي وصف الغرض الرئيسي من زيارة فؤاد حسين إلى طهران، هو ما يتعلق بالاتفاقية الأمنية بين البلدين، وقال: "في السنوات الأخيرة، عانت إيران والعراق دائماً من الجماعات الانفصالية المتمركزة في إقليم کردستان، وبسبب المشاكل وانعدام الأمن الذي خلقه الأمريكيون وتنظيم "داعش" الإرهابي في العراق، لم تتمكن الحكومات السابقة في هذا البلد من التعامل مع تهديدات الجماعات الانفصالية، ولهذا السبب أصبح شمال العراق مكاناً لتحرك الجماعات الإرهابية، كما تعتبر قيادات وجماعات عراقية وجود هذه الجماعات تهديداً لأمن بلادهم، لأنها مهّدت الطريق لهجمات خارجية من قبل دول الجوار على مقرات هذه الجماعات، الأمر الذي اعتبر انتهاكاً لسلامة أراضي العراق".
وتابع قنادباشي إن الجماعات الانفصالية الكردية كانت تعمل كوسيلة للضغط من قبل الولايات المتحدة والکيان الصهيوني في السنوات الأخيرة لمهاجمة أمن العراق وإيران، وقال: "في هذا الوقت، كان من الضروري أن تتعاون حكومتا العراق وإيران مع بعضهما البعض في هذا الموضوع، وتنفيذ الاتفاقية الأمنية سينهي وجود الجماعات الإرهابية على حدود البلدين".
ووصف هذا الخبير في القضايا الدولية توقيع الاتفاقية الأمنية بأنه فرصة لإظهار قوة القوات المسلحة العراقية، وأضاف: "إن هذا الاتفاق يظهر أن العراق لديه القدرة والقوة اللازمة والإشراف الكامل للقضاء على هذه الاضطرابات الأمنية في المنطقة، فإضافة إلى كونها فعالةً في المجال الاقتصادي، قامت الحكومة العراقية أيضًا بالعديد من الإجراءات الناجحة في المجال الأمني، ولعل الحكومة الحالية بعد النظام البعثي هي أقوى حكومة وصلت إلى السلطة في العراق وأكثرها شعبيةً، وهي تمتلك كل الأدوات اللازمة لقمع الجماعات الانفصالية، كما أنها تتمتع بدعم الشعب أيضًا، ولذلك، فإن مواجهة الجماعات الإرهابية هي اختبار للقوات المسلحة العراقية، لإظهار قدرتها على تحمل مسؤولية استقرار وأمن بلادها، وحتى ضمان أمن المنطقة".
الاتفاقية الأمنية، مجال التوسع التجاري بين إيران وإقليم كردستان العراق
بما أن الجماعات الإرهابية الكردية متمرکزة في إقليم كردستان، عقدت السلطات الإيرانية اجتماعات منفصلة مع قادة هذا الإقليم في الأيام الأخيرة.
وفي هذا السياق، التقى محمد كاظم آل صادق سفير إيران لدى بغداد، الثلاثاء الماضي، رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني، وتبادل الجانبان وجهات النظر حول سبل تعزيز العلاقات بين إيران وإقليم كردستان، والاتفاقية الأمنية بين إيران والعراق، وكذلك العلاقات بين أربيل وبغداد والحوار لحل مشاكل الجانبين.
وفي هذا اللقاء، شدّد بارزاني على أهمية العلاقات مع إيران، وقال: إن "إيران جارة مهمة لإقليم كردستان، وهذا الإقليم ملتزم بالاتفاقية الأمنية بين إيران والعراق، ويجب أن تكون إيران متأكدةً من أننا لن نسمح بتهديد أمن هذا البلد من داخل هذه المنطقة".
من جهة أخرى، وفي إطار زيارته إلى الإقليم، التقى السفير الإيراني في السليمانية مع بافل طالباني، رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني، وفي هذا اللقاء، شكر آل صادق تقديم التسهيلات والترحيب بزوار أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام)، مشيراً إلى العلاقات التاريخية والأخوية بين إيران والاتحاد الوطني.
بدوره أشار بافل طالباني إلى رحلته الأخيرة إلى طهران، واصفًا نتائجها بالإيجابية والمثمرة، كما أعلن استعداده لأي تعاون من أجل التنفيذ الكامل للاتفاقية الأمنية.
وأجرى طالباني يوم الاثنين الماضي محادثةً مع أمير عبد اللهيان خلال زيارته إلى طهران، وقال أمير عبد اللهيان في هذا اللقاء: إن وجود الإرهابيين في إقليم كردستان العراق وأعمالهم ضد أمن إيران، تتعارض مع الدستور العراقي والعلاقات الودية الثنائية، ولا ينبغي لأي طرف أن يمس بأمن جيران العراق."
تحاول السلطات الإيرانية طمأنة قادة الإقليم أنه إذا تم طرد الجماعات الإرهابية من هذه المنطقة، من خلال إرساء الاستقرار والسلام، فإن العلاقات بين الجانبين ستتعزز في المجالين الاقتصادي والأمني.
وعلى الرغم من أن العلاقات التجارية والاقتصادية الثنائية بين إيران والعراق تتم مع الحكومة المركزية لهذا البلد، إلا أن وجود معبرين حدوديين بين إيران والإقليم، يمكن أن يكون فعالاً في زيادة مستوى التعاون.
كانت أربعينية هذا العام هي السنة الثانية التي يدخل فيها الزوار الإيرانيون العراق عبر المعابر الحدودية في إقليم كردستان ويتوجهون إلى كربلاء، وحسب الإحصائيات التي أعلنتها سلطات الجمهورية الإسلامية، فقد دخل العراق في مراسم الأربعين لهذا العام نحو 45458 زائراً إلى العراق من معبر "تمرشين"، و36565 زائراً من معبر "باشماق"، وهو ما يشكل زيادةً في أعداد المسافرين مقارنة بالعام الماضي، وهذان المعبران يقعان على الحدود مع الإقليم، وهذا يدل على أن هناك قدرات أكبر في الإقليم ويمكنهما لعب دور مهم في حركة الزوار.
وحسب الترتيبات التي اتخذها زعماء الإقليم، وإذا عاد الاستقرار إلى هذه المنطقة، فمن المتوقع أن يتوجه المزيد من الزوار إلى مراسم الأربعين من هذين المعبرين اعتباراً من العام المقبل، وهذا سيساعد على تطوير التعاون الاقتصادي والأمني بين إيران وإقليم كردستان.
ومن ناحية أخرى، فإن حركة عدد كبير من الزوار عبر ممرات الإقليم، إضافةً إلى تطور السياحة في هذه المنطقة، تساعد أيضاً على زيادة الدخل المالي لأربيل.