الوقت - عشية زيارة أربعينية الإمام الحسين(عليه السلام) ومراسم الأربعين، ذهب ملايين الزوار من جميع أنحاء العالم ومن مختلف المعتقدات والأديان إلى العراق ومدينة كربلاء، لعرض أكبر تجمع بشري في العالم مرةً أخرى.
على الرغم من أن مراسم الأربعين تقام منذ مئات السنين، إلا أن استقبال هذه المراسم على المستوى الدولي اليوم غير مسبوق، وعليه، فإن تشكيل هذا التجمع الكبير والعفوي من الناس من مختلف الأمم حول حدث ديني، قد لفت انتباه الباحثين في مختلف المجالات العلمية إلى هذه الظاهرة الإنسانية الناشئة.
يمكن تحليل زيارة الأربعين من مختلف الجوانب الأنثروبولوجية والاجتماعية والأسطورية والسياسية والجيوسياسية، لكن في هذه الأثناء، فإن أحد الجوانب الأقل مناقشةً في الأربعين هو موضوع اقتصاد الأربعين، وهو قضية مهمة للغاية يمكن معالجتها كنموذج للتنمية الاقتصادية على المستوى الوطني وحتى الإقليمي.
دور الأربعين في التنمية الاقتصادية للمحافظات الحدودية
أحد الجوانب الاقتصادية المباركة للأربعين، كان توفير البنية التحتية التنموية وظروف النمو الاقتصادي في المدن والمقاطعات المجاورة التي تستقبل الزوار في إيران.
بعد انتهاء حرب الثماني سنوات العراقية الإيرانية، عانت المحافظات الحدودية مع العراق، وخاصةً الغربية والجنوبية الغربية، من الأضرار التي خلفتها الحرب أكثر من المناطق الأخرى في إيران، وكانت إعادة إعمار وتطوير البنية التحتية الاقتصادية دائمًا جزءًا من البرامج الخاصة للحكومات المختلفة في إيران لهذه المحافظات.
إلا أن ظروف الأربعين أتاحت فرصاً اقتصاديةً كبيرةً لتعويض التخلف الاقتصادي الذي تعيشه هذه المحافظات، ومن ناحية أخرى، لعبت سرعة التعامل مع مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالأربعين، دوراً مهماً في تسريع تحسين الوضع الاقتصادي لسكان الحدود.
إن تخصيص اعتمادات خاصة من قبل الحكومة الإيرانية للمحافظات التي تستضيف الزوار، أكثر من الميزانيات السنوية، كان من بركات الأربعين لهذه المحافظات.
على سبيل المثال، في هذا الصدد قال حسن بهرام نيا، محافظ إيلام بإيران في 25 أغسطس: تم إنفاق 6400 مليار تومان لتطوير البنية التحتية للأربعين في أقل من عامين، كما قال مهرداد بذرباش في 19 أغسطس 2023، إن وزارة الطرق والتنمية الحضرية الإيرانية خصصت أكثر من ثلاثة آلاف مليار تومان للأربعين.
وفي 13 أغسطس 2023 أيضًا، صرح اللواء كريميان، نائب قائد قاعدة أمير المؤمنين(عليه السلام) للحرس الثوري الإيراني في مقاطعة إيلام، أن الأربعين هي القوة الدافعة وراء تطوير مقاطعة إيلام، وأشار: "يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار البنية التحتية الحدودية في هذه المحافظة وهي مسألة استراتيجية، کما أن تطوير مطار إيلام، والقضاء على تآكل شبكة المياه وإمدادات المياه، والاهتمام بزراعة أنواع الأشجار المقاومة في المحافظة، هي أمور أخرى يجب أن تأخذها السلطات بعين الاعتبار من أجل رسم المستقبل على أساس اليوم".
أحد أهم مشاريع البنية التحتية في السنوات الأخيرة، والتي يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز ممر العبور (الركاب والبضائع) لغرب إيران، هي العمليات التنفيذية لنفقي الأربعين رقم 1 و 2 على الطريق من إيلام إلى مهران وحدود مهران الدولية، وهو مشروع يمكن أن يوفر الطريق لتطوير هذه المحافظة لکونها جارةً للعراق، ونظرًا للطبيعة الجبلية للمنطقة، تحتاج محافظة إيلام الإيرانية إلى حفر أنفاق عالية الجودة، من أجل زيادة جودة النقل وتسهيل حركة المرور.
وقد أدت أهمية تسهيل رحلة زوار الأربعين، إلى متابعة هذا المشروع المهم بشكل خاص من قبل رجال الدولة الإيرانيين. وأخيراً، أعلن فرشاد دوستي، مدير عام الطرق والتطوير الحضري لمحافظة إيلام الإيرانية، في 3 سبتمبر، عن بدء تشغيل النفقين الأول والثاني لطريق كربلاء في المسار الثاني من طريق إيلام-مهران السريع ونفق أرغوان.
وفي محافظة أذربيجان الغربية بإيران، والتي تعدّ نقطة انطلاق أخرى للزوار إلی العراق، قال السيد محسن حمزه لو، المدير العام للطرق والتنمية الحضرية لمحافظة أذربيجان الغربية: "لقد كانت زيارة الأربعين فرصةً خاصةً لتطوير المحافظة، ويعدّ توفير البنية التحتية اللازمة لحركة زوار الأربعين الحسيني، من أهم القضايا التي يجب النظر فيها، وتتم متابعة هذا الأمر بجدية".
وحسب هذا المسؤول، فإن 56 كيلومتراً من الطرق الرئيسية في محاور مختلفة من المحافظة، المؤدية إلى محطة "تمرشين" الحدودية وطريق الزوار، ستكون جاهزةً للتشغيل بحلول الأربعين هذا العام.
لقد كان تطوير المنافذ الحدودية الإيرانية دائمًا، أحد القدرات الاقتصادية المهمة للتنمية الاقتصادية للمناطق الحدودية الإيرانية، وتعدّ محطة "خسروي" الحدودية في محافظة كرمنشاه الإيرانية، واحدةً من أهم نقاط العبور للبضائع والركاب بين إيران والعراق، والتي، بسبب كونها على طريق الزوار إلى كربلاء، كانت محط اهتمام الحكومة الإيرانية لتعزيز بنيتها التحتية.
وفي هذا الصدد، قال عارف نوروزي رئيس اللجنة التنفيذية لأوامر الإمام الخميني(رحمه الله)، في إشارة إلى إجراءات البنية التحتية لهذه اللجنة التنفيذية: "إن إنشاء طريق "بركت" الدائري بطول 3 كم عند معبر "خسروي" الحدودي وتجهيز المعبر، من بناء وتجهيز مسجد وحسينية في معبر خسروي الحدودي، وإنشاء 220 مرفقاً صحياً على معبري "خسروي" و"رمدان" الحدوديين من قبل اللجنة التنفيذية لأوامر الإمام الخميني هذا العام، سيسهل حركة الزوار ويخفف من مشاكل السنوات السابقة".
تعزيز التفاعلات الاقتصادية بين إيران والعراق
من المؤكد أن زيارة الأربعين يمكن أن تلعب دوراً مهماً في تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين إيران والعراق.
يعدّ العراق حالياً أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لإيران، ويحاول البلدان رفع مستوى التبادلات الاقتصادية بينهما إلى 20 مليار دولار في المستقبل القريب.
على المستوى الجزئي في النجف وكربلاء، تقوم المحلات التجارية المجاورة لمراقد الأئمة الأطهار(عليهم السلام)، ببيع الهدايا التذكارية الدينية مثل المسابح وخواتم العقيق وغيرها، ويتحدث معظم أصحاب المتاجر اللغة الفارسية في المعاملات.
کما يقيم ملايين الزوار الإيرانيين في الفنادق والنزل كل عام، ما يساهم بشكل كبير في ازدهار قطاع الفنادق في العراق، ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من تعزيز هذه التبادلات، فقد زاد توجه العراقيين للرحلات الدينية والسياحية والرحلات العلاجية إلى إيران.
وعلى المستوى الكلي، فإن إحدى البنى التحتية الرئيسية اللازمة لتحقيق هذا الهدف، هي تعزيز شبكة نقل البضائع بين البلدين، وفي هذا الصدد، إضافة إلى الدور الإيجابي للأربعين في تطوير المحطات الحدودية وتسهيل رحلة المواطنين من خلال زيادة الوعي بسوق الاستثمار والاحتياجات الاقتصادية، فإن الاتصال الأسرع لشبكة السكك الحديدية هو أيضاً على جدول الأعمال بسبب مراسم الأربعين.
لسنوات عديدة، اتفقت إيران والعراق على ربط شبكة السكك الحديدية عبر خط سكة حديد الشلامجة-البصرة، ولكن لأسباب مختلفة، تقدم هذا المشروع ببطء شديد.
لکن الحاجة الآن إلى الحصول على مساعدة من شبكة السكك الحديدية، للاستجابة لحجم الطلب المتزايد باستمرار للسفر إلى المراقد المقدسة في العراق، وخاصةً خلال موسم الأربعين الحسيني، دفعت سلطات البلدين إلى تنفيذ ترتيبات استثنائية من أجل تنفيذ هذه الخطة.
أولاً، في شهر أبريل من هذا العام، في اجتماع مهرداد بذرباش، وزير الطرق والتنمية الحضرية في إيران، مع رزاق محيبس السعداوي، وزير النقل العراقي، تمت مناقشة مشروع سكة حديد شلامجة – البصرة، وتقرر أن تنظر جمهورية العراق في اعتمادات هذا المشروع في موازنتها لعام 2023.
وبعد هذا اللقاء، رحّب يونس خالد المدير التنفيذي لشركة السكك الحديدية العراقية بأي ربط سكك حديدي بين البلدين، وقال: الحكومة العراقية مستعدة لإنفاق 215 مليار دينار عراقي لبناء هذا المشروع.
الإعلان عن موافقة العراق على المضي قدماً بالمشروع قبل حلول الأربعين هذا العام، أدى إلى افتتاح الجزء الأول من المشروع في حزيران/يونيو بحضور محمد كاظم آل صادق السفير الإيراني في بغداد، وأسعد العيداني محافظ البصرة.
والآن، بعد مرور شهرين فقط على افتتاح المرحلة الأولى من المشروع، أعلن صالحي، رئيس هيئة السكك الحديدية الإيرانية، عن إمكانية السفر بالسكك الحديدية إلى العراق لزوار الأربعين.
وعن تفاصيل حركة قطار طهران-كربلاء المشتركة أضاف: "يسافر هذا القطار من طهران إلى الوجهة النهائية وهي الشلامجة، ومن ثم يسافر بالباص إلى البصرة، ومن البصرة يتم التوجه بالقطار إلى محطة سكة حديد كربلاء، يستغرق هذا الطريق 28 ساعة، أي 18 ساعة في إيران وساعتان لإجراءات جواز السفر ونقل الزوار إلى البصرة، وأخيراً 8 ساعات من البصرة إلى كربلاء".
كما أن هناك تأثيرًا آخر للأربعين في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إيران والعراق، في مجال خدمات البنية التحتية التي تقدمها إيران في مدينتي النجف وكربلاء المقدستين، لتقديم خدمة أفضل لزوار أبي عبد الله (عليه السلام) في زيارة الأربعين.
على سبيل المثال، في 8 أغسطس 2023، قال أمير جبلي، نائب تنمية الموارد البشرية ودعم الهلال الأحمر الإيراني، إن هذه المنظمة تخطط لبناء مستشفى من 11 طابقاً في مدينة كربلاء.
وهذه التجارب الناجحة في إظهار قدرة إيران العالية في تقديم الخدمات الطبية للزوار من مختلف البلدان، جعلت العديد من العراقيين يختارون إيران لعلاج الأمراض والحصول على جميع أنواع الخدمات الطبية، وهذا يعدّ نشاطًا مربحًا لإيران.
التجارة الإقليمية في مسار اقتصاد الأربعين
إن تسريع مشروع ربط شبكة السكك الحديدية بين إيران والعراق، يعدّ مربحًا ومهمًا أيضًا للبلدين من حيث التجارة الإقليمية.
يمكن ربط إيران بالدول الخليجية عبر العراق، وهذا بدوره يساعد العراق على لعب دور أكبر في مشاريع النقل الدولية، مثل مبادرة الحزام والطريق الصينية أو ممر الشمال-الجنوب.
وفي هذا الصدد، وصل مؤخراً إلى إيران أول قطار روسي يحمل حاويات تجارية إلى السعودية، ومن المفترض أن يتم نقله إلى شبه الجزيرة عبر ميناء عباس الإيراني. ومن الطبيعي أن إنجاز مشروع الشلامجة – البصرة، وهو أحد إيرادات الأربعين المباركة، وتوسيعه إلى عمق الدول الخليجية، سيعزز التعاون التجاري الإقليمي.