الوقت- استهدفت في الأيام الماضية موجة جديدة من الطائرات المسيرة عمق الأراضي الروسية، وعلى الرغم من أن السلطات الأوكرانية لم تعلن مسؤوليتها بعد عن هذه الهجمات، يبدو أن هجمات الطائرات دون طيار أصبحت واحدة من استراتيجيات كييف الرئيسية للرد على روسيا، ومن المرجح أن تحدث المزيد من الهجمات من هذا النوع في الأيام والأسابيع المقبلة.
وحسب البيانات التي جمعتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، نقلاً عن وكالة المخابرات الروسية، فقد نُفِّذ أكثر من 120 هجومًا بطائرات مسيرة على الأراضي الروسية والمناطق الواقعة تحت سيطرتها، في الفترة من 1 يناير إلى أغسطس من هذا العام، إضافة إلى ذلك، تم تنفيذ عدة هجمات بطائرات دون طيار على موسكو وشبه جزيرة القرم في الأيام الأخيرة.
منذ مايو، عندما تم تنفيذ أول هجوم بطائرة دون طيار على موسكو، تم استهداف العاصمة الروسية أربع مرات بطائرات دون طيار، والتي وفقًا لمسؤولي الكرملين لم تتسبب في خسائر في الأرواح وتسببت فقط في أضرار في عدد قليل من المباني، وفقًا لهذا التقرير، استُهدفت منشآت النفط الروسية والمطارات والبنية التحتية للطاقة بهجمات الطائرات دون طيار.
حتى الآن، تم تحديد ما لا يقل عن 9 هجمات بطائرات دون طيار على مستودعات النفط الروسية، كان أحدها في ميناء سيفاستوبول، الذي تعرض لهجوم في 29 أبريل، ودُمرت عدة صهاريج نفط فيه، وفي 31 مايو، اشتعلت النيران في مصفاة نفط في منطقة كراسنودار بجنوب روسيا، على بعد حوالي 200 كيلومتر من حدود القرم، وقال حاكم المنطقة إن الحريق نجم على الأرجح عن طائرة دون طيار.
حتى الآن، لم تكن هذه العمليات مثمرة للأوكرانيين، لأن الروس كانوا قادرين على تدمير معظم الطائرات دون طيار الأوكرانية قبل العملية باستخدام الدفاع الجوي ونظام الحرب الإلكترونية.
ومن هذه الأنظمة الروسية، التي تعتبر قاتلة للطائرات الأوكرانية دون طيار، نظام الصواريخ "S-350 Vityaz”، الذي دخل خدمة القوات المسلحة الروسية في عام 2019 ولديه القدرة على تدمير الأهداف الباليستية والديناميكية الهوائية بشكل فعال، ووفقًا للروس، قامت آلية أوتوماتيكية تمامًا وذكية، دون تدخل المشغل، بإسقاط الطائرات دون طيار الأوكرانية في منطقة العمليات الخاصة.
في الأيام الأخيرة، كشفت موسكو أيضًا عن آليات مدرعة مصممة لصد هجمات الطائرات الصغيرة والطائرات دون طيار الأوكرانية مركبة على قاذفة صواريخ، وهذه المعدات جاهزة الآن لإرسالها إلى مناطق العمليات.
الطائرات دون طيار المستخدمة في أوكرانيا
أوكرانيا تستخدم نماذج مختلفة من الطائرات دون طيار في هجماتها ضد روسيا، وتلجأ القوات الأوكرانية أحيانًا إلى الطائرات الانتحارية بعيدة المدى، إضافة إلى الطائرات دون طيار الصينية المتاحة تجاريًا، أو طائرات الاستطلاع السوفيتية القديمة Tu-141.
في بداية الحرب، ركزت أوكرانيا على قدراتها الجوية في نفس الوقت الذي تلقت فيه أسلحة مكثفة من الغرب، وفي غضون ذلك، كان تعزيز القوة الجوية أحد أهداف كييف في شراء الأسلحة. وبنفس الطريقة، وبعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب، اشترى الغرب من طائرات "بيرقدار" دون طيار من تركيا، وتم استخدامها في تنفيذ عدة هجمات على سفن حربية روسية في البحر الأسود وميناء أوديسا، لكن فشلت تلك الطائرات دون طيار التي دمرها الروس ولم يتم نشر أي أخبار أو فيديو عن نجاحها، وبسبب عدم كفاءتها وارتفاع تكاليفها، تحولت كييف إلى الطائرات دون طيار أقل تكلفة من أجل تنفيذ هجماتها على روسيا على نطاق أوسع.
نظرًا لأن الطائرات دون طيار أرخص بكثير من الصواريخ، فإن كلا الجانبين يستخدمها كشرك لجعل قوات الدفاع تطلق صواريخها المتقدمة، وحسب تقارير إعلامية، فإن معظم الطائرات المسيرة المستخدمة بالقرب من خط المواجهة للاستطلاع والاستهداف أو تنفيذ الهجمات هي طائرات تجارية صغيرة دون طيار مصممة لهذا الغرض، وتلقي قنابل على جنود روس في مخابئهم.
يستخدم الأوكرانيون الطائرات دون طيار التكتيكية مثل FURIA الأوكرانية، التي يبلغ مداها حوالي خمسين كيلومترًا، أو Eleron-3، وهي الطائرات الرباعية المروحية المشتراة تجاريًا، والتي يبلغ مداها أقل من عشرة كيلومترات.
تقدر الاستخبارات البريطانية أن أوكرانيا تخسر أكثر من 10000 طائرة دون طيار شهريًا، ما يشير إلى وجود عدد كبير من هذه الطائرات في البلاد.
وحسب تقارير إعلامية أمريكية، فإن معظم الطائرات المسيرة التي شوهدت على الخطوط الأمامية لأوكرانيا هي طائرات دون طيار من نوع Mavic DJI، سعرها أقل من 2000 دولار، وقد تم إرسال عدة آلاف منها إلى أوكرانيا من جهات مختلفة حول العالم.
وفقًا لصحيفة New York Times، تُستخدم في الجيش الأوكراني طائرات صغيرة دون طيار مثل "Black Hornet”، التي يبلغ طول جناحيها 12 سنتيمترًا فقط، للطائرات دون طيار التي يزيد طول جناحيها على 15 مترًا، وتلعب الأنظمة الصغيرة دورًا مهمًا في العمليات الجوية.
أيضًا، يتم إنتاج الطائرات دون طيار الرباعية والطائرات دون طيار "الدوارة'' بشكل أساسي من قبل الشركات التجارية مثل DJI الصينية وهي من بين أكثر الطائرات شيوعًا.
كما تُستخدم طائرات كاميكازي انتحارية دون طيار، وهي طائرات دون طيار أحادية الاستخدام تحوم فوق الهدف قبل السقوط نحوه والانفجار، لشن هجمات على موسكو، وفي الآونة الأخيرة، استخدمت كييف طائرات دون طيار البحرية وهاجمت ناقلة وقود روسية.
في عام 2022، أعلن رئيس أوكرانيا، فولوديمير زيلينسكي، عن مبادرة التبرع العالمية 24 United لتشكيل مشروع جيش الدرون، ويدعو المشروع المانحين الدوليين إلى تمويل الجيش الأوكراني لشراء طائرات دون طيار.
قال ميخايلو فيدوروف، نائب رئيس وزراء أوكرانيا، قبل بضعة أشهر، إنه تم التبرع بأكثر من 6.7 ملايين دولار لهذا المشروع، كما تم تقديم عشرات الطائرات دون طيار لأوكرانيا.
كما أعلنت السلطات الأوكرانية في ديسمبر الماضي أنها جمعت حوالي نصف مليون دولار للمساعدة في صناعة "كاميكازي دون طيار".
في أبريل، أعلنت وزارة التحول الرقمي الأوكرانية، في خطوة وصفتها بأنها "خطوة مهمة لتطوير سوق الطائرات دون طيار الأوكرانية"، أنها ستجعل عملية استيراد أجزاء الطائرات دون طيار أسهل للبلاد.
غيرت أوكرانيا أيضًا قوانينها الضريبية حيث لا يضطر المستوردون إلى دفع الرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة على الطائرات دون طيار ومكوناتها.
لهذا السبب، يعتقد بعض المراقبين أنه مع وصول الشركات التجارية التي تنتج الطائرات دون طيار في أوكرانيا، فإن صناعة الطائرات دون طيار في البلاد في طريقها لتصبح لاعبًا دوليًا جادًا بعد نهاية الحرب وستكون قادرة على تصدير الأنظمة التي تم إثبات فعاليتها في الحرب.
أهداف أوكرانية لعمليات الطائرات دون طيار
من أسباب لجوء أوكرانيا إلى عمليات الطائرات دون طيار أن الهجمات المضادة التي استمرت شهرين، وعلى الرغم من الأسلحة الغربية الحديثة، أصابت جدار روسيا الحديدي ولم تحقق أي نجاح في هذا المجال، لذلك لجؤوا إلى طرق بديلة، ربما من خلال الطائرات دون طيار.
ويرى الضابط الأمريكي توني شايفر، في تصريحاته حول أهداف كييف من تنفيذ مثل هذه العمليات، أن "هجمات الطائرات دون طيار الأوكرانية على أهداف في روسيا ليس لها أهمية استراتيجية، وإنما هي فقط لصرف الانتباه عن هزيمة الجيش الأوكراني في ساحة المعركة".
تحاول سلطات كييف جر الحرب إلى روسيا وتكثيف أبعاد الصراع بعمليات الطائرات المسيرة الأقل تكلفة، وبتوسيع نطاق الحرب إلى أراضي روسيا، تريد أوكرانيا التظاهر بأنها لا تلتزم بأي خط أحمر وتواصل الحرب دون الالتفات إلى التحذيرات القاسية للسلطات الروسية.
في العام الماضي، حذر الروس مرارًا وتكرارًا من أنهم إذا رأوا أمنهم في خطر، فقد يستخدمون الأسلحة النووية للدفاع عن أنفسهم، ويريد الأوكرانيون إظهار أنهم لا يخافون من منافسهم وأنهم قادرون على اختراق عمق روسيا أيضا.
في جميع الحروب، يعد اختراق عمق العدو وإلحاق الضرر به جزءًا من مبادرة القادة لرفع الروح المعنوية لجنودهم، وتحاول أوكرانيا ضخ دماء جديدة في عروق قواتها المحبطة بالطائرات دون طيار، من خلال عمليات توغل داخل أراضي العدو، وتشجيعهم على تحرير الأراضي المفقودة.
من ناحية أخرى، من خلال جعل موسكو والمدن الأخرى في هذا البلد غير آمنة، يحاول قادة كييف تحريض الشعب الروسي ضد حكامهم من أجل إنهاء الحرب مع جارهم الغربي في أسرع وقت ممكن.
يمكن أن يكون ظهور الفوضى داخل روسيا في حالة الحرب ورقة رابحة لأوكرانيا وحلفائها لكسب نقاط على طاولة المفاوضات. ومع ذلك، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، كان موقف الرأي العام الروسي في الغالب هو دعم الحرب، ووفقًا للإحصاءات، فقد وصلت شعبية فلاديمير بوتين، رئيس هذا البلد، إلى أعلى مستوياتها في العام الماضي، وبالتالي، فإن تكتيك كييف بتشويش الوضع الداخلي لروسيا وتحريض الشعب ضد الحكومة يعتبر مهمة صعبة.