الوقت- مؤخراً، تحدث مسؤول فلسطيني رفيع المستوى عن تفاصيل الاجتماع المثير للجدل، الذي عُقد في مصر، برئاسة الرئيس محمود عباس، وشهد مشاركة العديد من الفصائل الفلسطينية، وأكد المسؤول، في تصريحات خاصة لمواقع عربية، أن البيان الختامي الذي صدر عن الاجتماع لم يعكس بالضبط ما جرى داخل أروقته، واستعرض المسؤول تفاصيل الاجتماع، الذي لم تتمكن خلاله الفصائل من التوافق على أي قضية ملموسة، وأشار إلى أن بعض الفصائل ندمت على المشاركة فيه، بينما اعتبره آخرون بالفعل "فاشلاً"، وفي ضوء تصريحات المسؤول، يظهر أن الاجتماع كان مجرد منصة للتعبير عن وجهات النظر والمواقف الخاصة بقادة الفصائل، دون أي تحقيق للتوافق أو اتخاذ قرارات جدية، وقد بدا واضحًا أن حماس وقعت في فخ عدم تحقيق أهدافها المرجوة من الاجتماع، في حين بدت مواقف الجهاد الإسلامي هي الأكثر صواباً وواقعية.
اجتماع فاشل
"لم يكن هذا الاجتماع على مستوى التحديات الخطيرة التي تعصف بالقضية الفلسطينية، بل ربما اقتصر على البحث في بعض المواضيع السطحية، هذا ما بينه المسؤول الفلسطيني الذي تحدث أن الكثير من القضايا الرئيسية التي تعتبر عالقة تم تجاهلها تمامًا، مثل ملف المصالحة وتوحيد المؤسسات الفلسطينية، ومواجهة التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، وتعد هذه التصريحات مؤشرًا على الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية وعدم التوافق على الأجندة المشتركة، ما يؤثر على جهود تحقيق الوحدة الفلسطينية ومواجهة التحديات الراهنة.
وتسبب الاجتماع الفلسطيني الذي عُقد في مصر، برئاسة الرئيس محمود عباس، في جدل واسع بين الفصائل الفلسطينية، حيث أفصح مسؤول فلسطيني عن بعض الأسرار والانقسامات التي طبعت هذا الاجتماع، وذكر المسؤول حسب مواقع إخبارية عربية، أن بعض الفصائل عبرت عن "ندمها" على المشاركة في هذا الاجتماع، بعد عدم تحقيقه أهدافها المرجوة، وعدم اقتدائها بحركة الجهاد الإسلامي التي رفضت المشاركة في الاجتماع إلا بشرط الإفراج عن المعتقلين السياسيين، ولفت إلى أن الرئيس عباس تجاهل هذه المطالب تمامًا، فيما قال البعض إن حركة "حماس" سقطت في فخ المشاركة دون تحقيق مكاسب حقيقية، وكأنها تبارك خطوات "الرئيس عباس".
ومن ناحية حركة الجهاد الإسلاميّ، أكد عضو المكتب السياسي للحركة، خالد البطش، في مقابلات مع وسائل إعلام عربية، أن مخرجات الاجتماع كانت متواضعة للغاية ولم تلب توقعات الشعب الفلسطيني، وأوضح البطش أن الاجتماع فشل في تحقيق مطالب المقاومين المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية، ولم يتوصل لقرارات ملزمة تشمل توحيد القيادة وتنظيم الصراع مع العدو، وأضاف البطش إن حركة الجهاد الإسلامي قررت مقاطعة الاجتماع بعد فشل محاولات الوساطة بينها وبين السلطة الفلسطينية للإفراج عن مقاتلي المقاومة المعتقلين في الضفة الغربية، وإضافة إلى حركة الجهاد الإسلامي، قررت منظمة الصاعقة الفلسطينية والجبهة الشعبية (القيادة العامة) مقاطعة الاجتماع للسبب نفسه، ويظهر هذا الاجتماع بوضوح كيف أن تباين وجهات النظر والانقسامات الداخلية تؤثر على تحقيق التوافق الوطني الفلسطيني واستعادة الوحدة الفلسطينية، وفي ظل استمرار تلك التحديات، تظل القضية الفلسطينية في موقف حرج يحتاج إلى تلاحم وتكاتف جميع الفصائل لمواجهة التحديات المستمرة.
ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعلن في البيان الختامي للاجتماع، عن دعوته لتشكيل لجنة من الأمناء العامين للفصائل المشاركة بالاجتماع بهدف ما أسماه "استكمال الحوار الوطني وإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية"، وأشار عباس في كلمته خلال الاجتماع إلى أنه يعتبر هذه الخطوة أولى ومهمة نحو تحقيق الأهداف المرجوة في أقرب وقت ممكن، ودعا الأمناء العامين للفصائل لتشكيل لجنة تقوم بالعمل فوراً لإنجاز مهمتها وإعادة التوصية بها بالاتفاقات والتوصيات المحققة، ويأتي هذا الاجتماع الطارئ بعد عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية المحتلة، وتهدف هذه الدعوة إلى إيجاد فرصة للحوار بين حركتي "فتح" بزعامة عباس و"حماس" بهدف حلحلة الأزمة وتحقيق المصالحة الوطنية، ويذكر أن الانقسام السياسي يسود الأراضي الفلسطينية منذ يونيو/حزيران 2007، وقد حاولت وساطات إقليمية ودولية عدة مرات إنهاء هذا الانقسام إلا أنها لم تحقق النجاح حتى الآن، وتبقى تحقيق الوحدة الوطنية أحد التحديات الرئيسية التي تواجه الفلسطينيين في سبيل تحقيق أهدافهم ومواجهة التحديات الصعبة التي تواجههم على أرضهم.
السلطة عائق أمام الوحدة
يعتبر تعاون السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي موضوعًا مثيرًا للجدل، ويمكن القول إن هناك بعض الأحداث التي يمكن استخدامها كنماذج لهذا التعاون، ففي عام 1993، وقعت السلطة الفلسطينية والكيان اتفاقية أوسلو للسلام، وهي اتفاقية تحدد العلاقة بين الطرفين للمرحلة الانتقالية التي تسبق إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، وقد أدت هذه الاتفاقية إلى إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية كسلطة ذاتية في الأجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما ينتقد الفلسطينيون التعاون الذي تم في إطار هذه الاتفاقية، ويشير إلى أنه لم يؤدِ إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بل العكس، ويتهم البعض السلطة الفلسطينية بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال عمليات الأمن المشتركة التي تشارك فيها السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، والتي تستهدف الشعب والمقاومة الفلسطينية.
ويمكن تقسيم الانتقادات التي توجه إلى التعاون الفلسطيني الإسرائيلي إلى قسمين: الأول يتعلق بالتعاون الأمني، والثاني يتعلق بالتعاون في المجال الاقتصادي، فيما يتعلق بالتعاون الأمني، يقول النقاد إن السلطة الفلسطينية تشارك في القمع الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية، وإن عمليات الأمن المشتركة تؤدي إلى اعتقال ومحاكمة الفلسطينيين دون محاكمة عادلة أو دفاع مناسب، أما بالنسبة للتعاون في المجال الاقتصادي، فإن النقاد يعتبرون أن السلطة الفلسطينية تعاونت مع "إسرائيل" في إدارة الاقتصاد المحلي الفلسطيني، ما أدى إلى تقوية الاقتصاد الإسرائيلي على حساب الاقتصاد الفلسطيني، ويتهم الشعب السلطة الفلسطينية بالخداع في رغبتها في تحقيق الوحدة، حيث يرى النقاد أن السلطة الفلسطينية تتحدث عن الوحدة الوطنية وتعمل على تحقيقها، ولكنها لا تترجم هذه الكلمات إلى أفعال فعلية، بل تستخدم الوحدة كحجة للحفاظ على سلطتها وتقوية موقعها في الساحة الفلسطينية.
وهناك عدة معوقات تعوق تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، ومن بين هذه المعوقات، الانقسام السياسي حيث يعتبر الانقسام بين حركة فتح وحركة حماس أحد أبرز العوائق، وتسيطر حركة فتح على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، بينما تسيطر حماس على قطاع غزة.
هذا الانقسام يجعل من الصعب تحقيق التوافق واتخاذ قرارات وطنية موحدة، إضافة إلى الاختلاف الفكري والإيديولوجي حيث تختلف الفصائل الفلسطينية في آرائها ومواقفها بشأن مسائل حاسمة مثل الاعتراف بكيان الاحتلال، والمقاومة، واستراتيجية التحرير، هذه الاختلافات الفكرية تجعل من الصعب قليلا تحقيق التوافق والوحدة دون تنازلات من حركة فتح.
أيضاً، القضية القومية والحدود، هناك توافق داخل الفلسطينيين بشأن تحقيق دولة فلسطينية ذات سيادة على التراب الفلسطيني المحتل، ولكن هناك اختلافات حول مدى التنازل عن المطالب القومية الأخرى والحدود، ناهيك التدخلات الإقليمية حيث تتأثر القضية الفلسطينية بالتدخلات الإقليمية، و تسعى بعض الأطراف الدولية المعروفة لتعزيز مصالحها وتأثيرها من خلال دعم حركة فتح دوناً عن كل الفصائل الفلسطينية لتحقيق مصالحها مع تل أبيب، وهذا يزيد من تعقيد الوضع ويجعل من الصعب تحقيق الوحدة، ويضاف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعاني الفلسطينيون من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، وهذه الظروف الصعبة يمكن أن تؤدي إلى تصاعد التوترات وتعكر العلاقات بين الفصائل، في وقت يواجه الفلسطينيون تحديات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والذي يواصل بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتنفيذ سياسات الاحتلال الدموية والتمييزية والاعتقالات الجماعية والإبقاء على عملاء الاحتلال في السلطة، وهذه السياسات تؤثر على محاولات تحقيق الوحدة والمصالحة بين الفلسطينيين، وهذه بعض المعوقات الرئيسية التي تعترض تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، ويجب التوصل إلى تفاهم وحوار بناء لتجاوز هذه المشكلات والعمل نحو تحقيق الوحدة وتوحيد الصف الفلسطيني في مواجهة التحديات المشتركة.
ويُعَدُّ تعاون السلطة مع الاحتلال الإسرائيلي والاتفاقات الأمنية بينهما من أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، وهذا التعاون والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" يُعتَبر مصدرًا للتوتر والاحتقان بين الفصائل الفلسطينية وقد يؤثر بشكل سلبي على الجهود الرامية لتحقيق الوحدة الوطنية، وإن التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وتل أبيب ينصب في الأساس على تبادل المعلومات والتنسيق الأمني لمواجهة المقاومين ضد الاحتلال، ويرى البعض أن هذا التعاون يخدم مصالح العدو بحماية أمنه، ويضع السلطة الفلسطينية في مواجهة أبناء الضفة الغربية.
الختام، يمكن القول إن التعاون الفلسطيني الإسرائيلي يخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي، ويضر بالمصالح الوطنية الفلسطينية، وتشير هذه الانتقادات إلى ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، والعمل على بناء مؤسسات قوية ومستقلة لدعم الشعب الفلسطيني وتحقيق حقوقه، ويعتبر الفلسطينيون موقف السلطة الفلسطينية أن هذا التعاون يعتبر خيانة للقضية الفلسطينية وأنه يساعد على استمرار الاحتلال وقمع المقاومة الفلسطينية، وتؤكد هذه الفصائل على أن التعاون الأمني يؤدي إلى مصادقة ودعم الاحتلال ويعطي الاحتلال غطاء دوليا لأفعاله ضد الفلسطينيين، وبشكل عام، فإن هذه التنسيقات والاتفاقات تزيد من التوتر بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وتجعل من الصعب تحقيق التوافق والوحدة بينها في مواجهة القضايا الوطنية المهمة، لذلك، يظل التعاون مع الاحتلال والاتفاقات الأمنية محط انتقاد وجدل داخل الساحة الفلسطينية، التي تعيش انقساناً كبيراً نتيجة لذلك، وإنّ نجاح أي اجتماع مرهون بمدى رغبة السلطة على مواجهة الاحتلال وجرائمه.