الوقت- تشهد الجزائر فترةً من التوتر الدبلوماسي بينها وبين فرنسا بعد أن وصفت فرانس 24 بـ "الحثالة"، حيث إن هذا النوع من التصريحات يأتي في سياق تصاعد التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا في الفترة الأخيرة، وهو أمر ليس غريبًا في العلاقات الدولية، حيث قد يتصاعد الخلاف بين دولتين بسبب قضايا سياسية أو اقتصادية أو إعلامية، ويأتي ذلك الخلاف على خلفية وصف وكالة الأنباء الجزائرية "المؤسسة العمومية للإذاعة والتلفزيون" (ENTV) القناة الفرنسية بألفاظ مسيئة، فالإعلام يلعب دورًا حيويًا في شكل وجهة نظر الناس وفهمهم للأحداث الجارية في العالم، وعندما تعتبر إحدى الجهات الإعلامية أن تغطية قناة أخرى للأحداث غير موضوعية أو مسيئة فإنها قد تتجاوز حدود النقد والانتقاد البناء وتلجأ إلى الانتقاد الحاد والتصريحات المسيئة.
حرب إعلامية
لا شك أنه من المهم أن تحترم وسائل الإعلام الأخرى حرية الصحافة وحقها في تغطية الأحداث بحياد وموضوعية، لكن على الوسائل الإعلامية عدم الانجرار نحو التحيز أو ترويج الأفكار المسيئة، حتى لو كانت هذه الأفكار متبادلة بين بلدان أو جهات إعلامية، وقد يكون الحل الأمثل لهذه التوترات هو التحاور البناء بين الجانبين، حيث يمكن أن تؤدي الحوارات المفتوحة والصريحة إلى فهم أفضل للمواقف والآراء وتجنب الصدامات والخلافات، ويمكن للدول أن تتوصل إلى اتفاقيات بشأن المعايير الإعلامية وتعزيز العمل الصحفي المهني والموضوعي.
ورغم أن الصحافة الحرة تعتبر أحد أهم ركائز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلى الدول أن تعزز حرية الصحافة وتحمي المصورين والصحفيين في ممارسة عملهم دون قيود أو تهديدات، كما يجب أن يكون للدول احترام كبير لحرية الصحافة والإعلام وتشجيع التحلي بالحوار المفتوح والبناء في حل الخلافات والتوترات الدبلوماسية، مع التأكيد على أن العداء الإعلامي ليس السبيل للتوصل إلى حلول، وفي الإطار نفسه لا يجب أن تكون وسائل الإعلام مجرد صوت سياسيّ خداع ومؤذ للدول، وأن تحول شعارات الكلمة الحرة إلى إبر تغرز في كرامات الشعوب.
وفي هذا الصدد، شنّت وكالة الأنباء الجزائرية هجومًا عنيفًا على "فرانس 24" بسبب تغطيتها لحرائق الغابات، حيث اندلعت مواجهة قوية بين وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية وقناة "فرانس 24"، ووجهت الوكالة انتقادات حادة ووصفتها القناة بالحثالة، وجاء هذا الهجوم بعد تغطية القناة للحرائق الأخيرة التي اجتاحت الغابات في الجزائر، وقد اتهمت الوكالة "فرانس 24" بعدم احترام أخلاقيات المهنة وعدم التزامها بالقواعد الأساسية للإعلام، وفي مقال نُشِرَ تحت عنوان "فرانس 24.. القناة الحثالة"، هاجمت الوكالة القناة الفرنسية بكلمات حادة، مشيرة إلى أنها استهدفت الجزائر ونثرت السموم ضدها، وأدانت الوكالة "فرانس 24" بشدة على عدم احترامها للقواعد الأخلاقية للمهنة من خلال تجاوزها للضوابط الإعلامية وتقديم تغطية مشوهة للأحداث.
من جهة أخرى، أكدت الوكالة أن الحرائق العنيفة التي اجتاحت الجزائر كانت نتيجة لظروف جوية قاسية، ولكن "فرانس 24" لم تأخذ هذا في اعتبارها وتواصلت في بث أخبار مسيئة للجزائر، وطالبت القناة بوقف انتشار أكاذيبها المفتوحة حول الجزائر وتحذيرها من استمرار سياستها التحريفية، وتناولت الوكالة الجزائرية أيضًا تجاهل القناة لجهود الجزائر في مكافحة الحرائق، مشيرة إلى أن "فرانس 24" أغفلت بشكل كبير الجهود البطولية التي بذلها الشعب الجزائري لإخماد النيران ومساعدة المتضررين، وختمت الوكالة الجزائرية مقالها بتأكيد أن الجالية الأفريقية في فرنسا تعاني من تجاوزات القناة وأن القناة تعمل كوسيلة لنشر سياسة الرئاسة الفرنسية، ما يزيد من عدم رغبة الأفارقة في الاعتماد عليها لمعرفة الأخبار والتحليلات الموضوعية، ويذكر أن السلطات الجزائرية عبرت عن غضبها من التغطية السلبية لقناة "فرانس 24" للحرائق في الجزائر واعتبرتها تحريفًا للحقائق، وجاء هذا الرد الحاد من وكالة الأنباء الجزائرية كتعبير عن رفضها لتلك الطريقة المغلوطة لتصوير الأحداث.
الخلافات والمصالح الفرنسية - الجزائرية
من وجهة نظر الجزائر، تاريخ العلاقات مع فرنسا معقد ومحمل بالكثير من التوترات والخلافات، حيث تمتد العلاقات بين البلدين إلى فترة استعمار فرنسي طويلة استمرت لأكثر من 130 عامًا، ما أثر بشكل كبير على تشكيل الهوية الوطنية الجزائرية والتركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد، وتعود أبرز الخلافات بين الجزائر وفرنسا إلى فترة الاستعمار، حيث عانت الجزائر من أوجه قمع واستغلال اقتصادي وثقافي على يد الاستعمار الفرنسي.
بعد استعادة الاستقلال في عام 1962، استمر توترالعلاقات بين البلدين، وتتأثر العلاقات بسبب قضايا عديدة، منها التاريخ المشترك، حيث تختلف الجزائر وفرنسا في تفسير بعض الأحداث التاريخية الحساسة، مثل مجازر سطيف وغرداية وغيرها، ما يؤثر على التفاهم المشترك ويثير الجدل والانقسام بين البلدين، إضافة إلى ذاكرة الحرب، وإلى الآن ما زالت آثار الحرب الأهلية الجزائرية (1954-1962) حاضرة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، ويطالب الجزائريون بالاعتراف بجرائم الاستعمار وتقديم اعتذار رسمي عن الممارسات القمعية التي تعرضوا لها أثناء الحرب، ناهيك عن الهجرة حيث تشهد قضية الهجرة بين البلدين اختلافات في النظرة والتعاطي، وتسعى الجزائر لحماية حقوق المهاجرين الجزائريين في فرنسا، بينما تعمل فرنسا على معالجة قضايا الهجرة غير الشرعية ومكافحة الهجرة غير النظامية.
الشأن الليبي ملف مهم في العلاقات بينهما، وتختلف الجزائر وفرنسا في التدخل في الشأن الليبي وتعاملهما مع الأزمة الليبية، ما أدى إلى اختلاف في الآراء والمصالح المشتركة، وتسعى الجزائر إلى تعزيز علاقاتها مع فرنسا على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، ولكنها تعتبر أن التعامل مع بعض القضايا الحساسة ما زال يشكل تحديًا، ويعد تجاوز هذه الخلافات والتوصل إلى تفاهم متبادل أمرًا مهمًا لتحسين العلاقات بين البلدين وتعزيز التعاون في مختلف المجالات بما يعود بالنفع على الشعبين والمنطقة بأكملها، وبالطبع! هناك بعض التفاصيل الأخرى حول العلاقات الجزائرية الفرنسية كالتعاون الاقتصادي، حيث تحظى الجزائر وفرنسا بعلاقات اقتصادية مهمة، وفرنسا تعتبر واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للجزائر، فيما تستورد الجزائر الكثير من السلع والمعدات من فرنسا، في حين تصدر فرنسا بضائع وخدمات مختلفة إلى الجزائر، وهذا يعكس أهمية الجزائر كسوق مهم للشركات الفرنسية، وكذلك دور فرنسا في تزويد الجزائر بالمنتجات التي تحتاجها.
من ناحية أخرى تشكل العلاقات الثقافية على العلاقات بين البلدين، وتمتلك الثقافة الفرنسية تأثيرًا قويًا في الجزائر نظرًا للتاريخ المشترك بين البلدين، وإن اللغة الفرنسية ما زالت لغة من أشهر اللغات المستخدمة في الجزائر، والأدب والفنون الفرنسية يحظى بجمهور كبير هناك، ومع ذلك، تسعى الجزائر إلى تعزيز الثقافة الجزائرية الأصيلة والحفاظ على التراث الثقافي الخاص بها، وإن الهجرة والجالية الجزائرية في فرنسا ايضا عامل مهم، حيث يوجد عدد كبير من الجالية الجزائرية في فرنسا، وهم يشكلون جزءًا كبيرًا من المجتمع المهاجر هناك، وتعتبر الجزائر قضايا الجالية الجزائرية مهمة جدًا وتسعى إلى حماية حقوقهم وتوفير الدعم لهم، وخاصة فيما يتعلق بالقانون والعمل والتعليم.
أيضاً، تعمل الجزائر وفرنسا معًا في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وتعتبر الجزائر شريكًا مهمًا لفرنسا في محاربة التهديدات الأمنية في المنطقة، وتبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب، ناهيك عن السياسة الدبلوماسية، حيث تسعى الجزائر إلى تعزيز دورها في المنطقة وتحقيق التوازن الإقليمي، وتعتبر فرنسا شريكًا مهمًا في هذا الصدد، ومع ذلك، يظل هناك اختلاف في التفاهم والتعاطي بين البلدين في بعض القضايا الإقليمية والدولية، ومن الجدير بالذكر أن العلاقات بين الدول تعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل والمصالح، وقد تتغير مع مرور الوقت وتطور الأحداث السياسية والاقتصادية.