الوقت- على الرغم من الجرائم البشعة التي يرتكبها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين إلا أن خبراءه لا ينفكون عن التخطيط الاستراتيجي للسيطرة على ثروات الشرق والتحكم بها وبتصديرها للغرب، والأخطر من ذلك أن قائدة الإرهاب العالمي، الولايات المتحدة، تدعم دولة الاحتلال، فيما تؤدي العديد من الدول العربية والإسلامية دور المساعد في إخراج المخططات الصهيونية إلى حيز التنفيذ.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر سياسية إسرائيلية رفيعة المستوى، النقاب عن خطة سرية لكيان الاحتلال تلقى دعما أمريكيا، تهدف إلى ربط العديد من الدول الخليجیة برا بدولة الاحتلال، حيث يجري الإعداد لربط تلك الدول بميناء حيفا.
إضافة إلى ذلك، كشف عن وثيقة سرية تم إعدادها في وزارة الخارجية وجاء فيها: (اتفاقات التطبيع) أدت لتغيير الواقع السياسي في الشرق الأوسط وفتحت مسارا لطرق مواصلات جديدة، مشروع ارتباطات برية إقليمي بين الدول الخليجية والكيان الإسرائيلي، يغير اللعبة التي سترفع مستوى التجارة العالمية في الشرق الأوسط، تحسن مكانة الكيان كمركز لنقل البضائع من الشرق الأقصى إلى العالم الغربي، وستبرز دور الولايات المتحدة في المنطقة، وفق ما أكدته المصادر التي سربت الوثيقة لصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية.
الصحيفة أوضحت أيضا، نقلا عن ذات المصادر، أن تل أبيب وواشنطن تدفعان بخطة سرية لربط طريق بري بين الإمارات، والسعودية، والأردن، والكيان الإسرائيلي، يتجه من الخليج الفارسي مباشرة الى موانئ الكيان، لغرض تصدير البضائع من الشرق إلى أوروبا عبر الكيان.
وأشارت إلى أن ذلك سيتيح الربط البري للشاحنات نقل البضائع، في ظل اختصار كبير لكلفة النقل واختصار المدة الزمنية، مقارنة بالوضع اليوم.
وحسب الدراسة التي أُجريت في خارجية الاحتلال والإدارة الأمريكية، يدور الحديث عن اختصار الزمن من عدة أسابيع إلى يومين أو ثلاثة أيام، وتوفير حتى 20 بالمئة في تكلفة الإرسال، اليوم تصل الشاحنات التي تخرج من الإمارات إلى ميناء حيفا عبر جسر اللنبي، أي عبر الحدود مع الأردن، لكن يتعين عليها أن تجتاز إجراءات بيروقراطية تتضمن استبدال السائق، لوحات الترخيص وانتظار طويل، هناك طريق آخر وباهظ الثمن لإرسال البضائع بالسفن عبر قناة السويس ومنها لموانئ أوروبا، وهذا أيضا باهظ الثمن جدا”، على ما نقلته الصحيفة عن المصادر.
وشددت الصحيفة على أن الفكرة، هي السماح بوصول شاحنة واحدة وسائق واحد من دبي إلى ميناء حيفا، مثلاً، دون استبدال السائقين والشاحنات في المعابر بين الدول، وعرضت وزارة الخارجية الإسرائيلية الخطة على المبعوث الأمريكي الخاص عاموس هوكشتاين، وحسب موظفين إسرائيليين كبار، “تحمست واشنطن للخطة، وبدأت بالدفع بها قدما مع الدول ذات الصلة وهي، الإمارات، السعودية، الأردن“.
وأضافت: “يدور الحديث عن مشروع بنية تحتية يتجاوز الحدود، يبدأ في الإمارات، يمر عبر السعودية وينتهي بموانئ الكيان الإسرائيلي، ولاحقًا سيوسع أيضًا للبحرين وعُمان“.
ووفقا للصحيفة فإن الكيان الإسرائيلي يعتقد أنه توجد فرصة قيمة جدا لدفع الخطة قدما بسرعة نسبية، بل حتى قبل التطبيع مع السعودية، وذلك لكون جميع الأطراف ستكسب من اختصار زمن وتكلفة الشحن بين الشرق الأقصى والأدنى إلى أوروبا، علما أن إسرائيل تعمل على الخطة بالتوازي أيضا مع الدول الخليجية، لكنها تتمتع بدعم أمريكي كامل”.
وحسب الخطة المتبلورة فإنه “في مرحلة متأخرة سيستخدم الرابط البري لأغراض السياحة والسفر، والمشروع سيدفع قدما ارتباطات بين إسرائيل ودول المنطقة في مجال المواصلات، والبنى التحتية، والمعلومات“.
بالتوازي، تواصل واشنطن العمل على خطة لربط الخليج بإسرائيل بسكة حديدية ومنها إلى أوروبا، لكن هذا مشروع سيستغرق سنوات أخرى للتنفيذ، بينما الرابط البري يمكنه أن يدخل إلى العمل في غضون فترة زمنية قصيرة.
وحسب مزاعم وزير خارجية الكيان، إيلي كوهين، فإن وزارة الخارجية تعمل على توسيع دائرة التطبيع وتحقيق مشاريع إقليمية تعزز مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط، واستثمار في مشروع بنية تحتية بهذا الحجم، سيساهم في تقدم التجارة بين الدول وآسيا وأوروبا، ويؤدي إلى ازدهار الدول المشاركة.
وفي الخلاصة أكدت الصحيفة العبرية أن مشروع (الربط البري بالشاحنات) سيوفر “حلاً سهلاً لتحسين التجارة على الأرض، ويوفر منصة لكل المشاركين، الولايات المتحدة، الإمارات، السعودية، الأردن، مثلما أيضًا دول مهتمة أخرى في المنطقة كالبحرين وعُمان“.
شرق أوسط أكثر اندماجًا
في 12 أكتوبر من العام الحالي 2022 أعلن البيت الأبيض عن وثيقة من 48 صفحة، تحدد سياسة الأمن القومي الأمريكي لنهاية إدارة بايدن والتي تقر بتحول كبير في السياسة الدولية، وتدعو الاستراتيجية الجديدةُ إلى وقف التصعيد في الشرق الأوسط، وإلى التكامل الاقتصادي في المنطقة، وقد انتقدت اعتماَد السياسِة الخارجيِة الأمريكيِة على استخدام القوة العسكرية. وترِكز الاستراتيجية على تحديد خطوات لتعزيز مصالح واشنطن، ومساعدة شركائها الإقليميين على إرساء أسس الاستقرار والازدهار.
وتجِدد الاستراتيجية الالتزام "الصارم" بأمن "اسرائيل"، وتتعَّهد بتوسيع وتعميق علاقات "إسرائيل" "المتنامية" مع الدول َالعربية، وتؤكد دعمها لاتفاقات "إبراهام" والحفاظ عليها، وتشير الوثيقة إلى "تلبية حاجات الفلسطينيين إلى دولة آمنة وواقعية "، كما تأكد مبدأ حل الدولتين كأساس للتسوية "الصراع العربي - الإسرائيلي"، مع التأكيد على عدم وجود حل عسكري لأزمات المنطقة، كما تدعو إلى "شرق أوسط أكثر اندماجًا" من شأنه أن يقلِّل على المدى البعيد "مطالب الموارد" من الولايات المتحدة التي تضعها في المنطقة والتي "وفرّت حماية للدول المنتجة للنفط على مدار عقود". إذن، فدور الولايات المتحدة يقوم بحماية الكيان كصاحب اليد العليا في الإقليم؛ ليكون الدولة الإقليمية العظمى.
الحصاد الصهيوني في ظلال التطبيع
1. ارتفعت مؤشّراتُ الاختراقاتِ الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة للمنطقة التي تهدفُ إلى خلقِ أمرٍ واقعٍ لا يمكن رفضُه، يحقّقُ ما تريده "إسرائيل" ويكمل الإجهاز على الحقوق الفلسطينية والعربية. والصفقة تُعدّ فرصةً للتطبيع مع جزءٍ مهمٍّ من العالم العربيّ لتطويع من لا يزال يرفض علنيًّا الاعتراف بشرعيّة المشروع الصهيونيّ والتعامل معه، وتزايد الهجوم التطبيعي بين الدول العربيّة و"إسرائيل"، كترجماتٍ من خلال الزيارات الرسميّة أو الفنيّة أو الرياضيّة أو حتّى السياحيّة، إضافة إلى اللقاءاتِ السريّة وترويج السياسة الإسرائيليّة التي تفضّل التطبيع قبل تحقيق السّلام. فقد بلغ التبادل التجاري بين الإمارات وإسرائيل أرقامًا كبيرةً خلال العامين الماضيين، وسط تأكيد مسؤولي الجانبين رغبتهم في ترسيخ العلاقات الاقتصادية.
وحول ذلك كشف مندوب "إسرائيل" لدى الأمم المتحدة جلعاد أردان، في 26 يوليو، أن التجارة بين دولة الاحتلال والإمارات تجاوزت مليار دولار، في النصف الأول من العام الحالي. وكان مدير معهد "السلام لاتفاقيات أبراهام"، آشر فريدمان، أكّدَ أنّ التجارة بين "إسرائيل" ودولٍ عربيّة، بينها الإمارات والبحرين، شهدت زيادةً قياسيّةً خلالَ عامٍ واحد، في ظلِّ الاتفاقيّاتِ الاقتصاديّةِ الكثيرة التي أبرمت منذ التطبيع بين الطرفين.
متابعةُ عمليّة التطبيع وحجم التجارة العربية "الإسرائيلية" تكشف عن مدى التناغم الرسمي مع الرؤية الأمريكيّة، المتمثلة بأولوية التطبيع على السّلام، حيث تشير الأرقام بأن حجم التجارة بين الدول الخليجية و"إسرائيل" وصل إلى حوالي مليار دولار، عن طريق طرف ثالث ( الأردن أو تركيا وأحيانًا الاتحاد الأوروبي). وبلغت الصادرات "الإسرائيلية" للدول العربية نسبة (10%) من مجمل صادراتها.
يفسّر الانفتاح التجاري، حجم التعاطي الرجعي العربي مع مؤتمر البحرين، على الرغم من كل الضجيج الذي صاحبه، رغم أن نظام البحرين يؤدّي دورًا محوريًّا في عملية التطبيع، واستخدمت اختبارًا إن كان بمقدور دول على قائمة الانتظار يمكنها القيام بخطوة التطبيع رسميًّا، دون وجود حركاتٍ مناهضةٍ داخلها، بعد أن استنكره قطاعٌ كبيرٌ من الشعب العربي في الدول الخليجية المناصر للقضية الفلسطينية.
2. مسارعة بعض الأنظمة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، رغم قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وموضوع ضم الجولان، وهذا يؤكّد أنّ بعض النظامِ العربي يعتقدُ أنّ شرعيته تأتي من إدارة ترامب، هو نظامٌ بشكلٍ أو بآخر مناهضٌ للمصالح العربيّة، دون إغفال أشكال التطبيع الأخرى التي تبدأ من تفعيل استراتيجية «التلاعب بالوعي» التي تُستخدم فيها وسائل القوة الناعمة لتحقيق الاختراق والسيطرة واحتلال العقل وصولًا إلى قتل ثقافة المقاومة، لترسيخ ثقافة الهزيمة وما يعكس عقدة الشرعية أو متلازمة القلق الوجودي لدى الكيان، حيث إن الجدار نفسي أكثر منه أمني، وكما أوصى شيمون بيرز بـ (الحدود الآمنة ليست بديلا للعمق الآمن)، وأنها تبدأ من لقاح العبقرية اليهودية مع المال العربي، وحلمه في شرق أَوْسَط جديد تقودُه تل أبيب.
3. بدأ الكيانُ الصهيونيُّ يستقوي بالإقليمي على الفلسطيني، بهدف تجديد اتفاق أوسلو، إلى "أوسلو عربي" جماعي بتنسيق أمني عربي – إسرائيلي، والذي يتم تعريفه في نطاق الاستراتيجية الأمريكية بـ "ميثاق الشرق الأوسط"، أي عقد اجتماعي عصري للمنطقة، لمواجهة ما أسمته بالتحديات الجيو- سياسية والتحديات التنموية، وحتماً سيمر من مدخل زعزعة أمن وَاستقرار دول المنطقة لتسهيل تقسيمها، بما يتيح المجال لإجراء إصلاح عميق للدول في المنطقة كما تدعي، وتشترط الاستراتيجية الأمريكية "الجديدة"! إنشاء صندوق التنمية لإعادة الإعمار والإصلاح، وعلى الدول الإقليميّة النفطية تمويل هذا الصندوق.
4. استراتيجيّةٌ معاكسةٌ أو السلام المعكوس "الحل الخارجي بغطاء داخلي" التي تتوافق مع إرادة أمريكية تشن هجومًا لتصفية قضية اللاجئين، كونها الركيزة الأساسية في الصراع، التي بدأت باعتبار تأجيل البت بها في اتفاقات أوسلو، يعني الاستعداد من قبل فريق أوسلو للتنازل عن هذه القضية وأن ما يهمها فقط هو حلٌّ رمزي، وتعويضٌ لمن لا يمكنه العودة. وقد استخدمتها الولايات المتحدة من خلال الضغط على الدول المضيفة للاجئين بضرورة تحمل مسؤوليتها إزاء اللاجئين على أراضيها واستيعابهم في نطاق الحلول التنموية المدفوعة الأجر وتوطينهم في مكان الإقامة، وتبرأة دولة "إسرائيل" من المسؤولية وأنها ليست وحدها معنية بحل هذه المشكلة، حين اتهمها رئيس وزراء العدو: "أن الأونروا قامت بتخليد قضية اللاجئين لا حلها" وحلها تعني بمفهومه "تصفيتها". ثم ذهبت إلى شيطنة إدارتها واتهامها بالفساد بهدف ضرب مصداقيتها وحقيقة دورها التشغيلي للاجئين الفلسطينيين وليبرر الدعوة إلى تجفيف موارد الأونروا مؤسّسةً راعيةً للاجئين والضغط على باقي الدول المانحة لوقف الدعم لها، وبدعوتها إلى تغيير هيكليتها ووظيفتها وإعادة تعريف من هو اللاجئ، واختزال العدد بمن ولد في فلسطين فقط وليس أترابهم وأحفادهم كما هو التعريف الأممي حسب الأمم المتحدة، بما يعني شطب المسجلين كلاجئين من سجلاتها وسحب الاعتراف بحقهم الشرعي بالعودة. علما أن مؤسسة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تأسست بفعل القرار الأممي 194 القاضي بتحقيق حق العودة للفلسطينيين، التي دعت وزير خارجية الولايات المتحدة أن يصف الأونروا "الضمادة" التي وضعت على جرح قديم وحان الوقت لنزعها، وكذلك الضغط الاقتصادي على الدولة المضيفة لإجبارها على نزع صفة اللاجئ عن الفلسطينيين المقيمين فيها.
إذا صحت الأنباء وفي الواقع يبدو أنها صحيحة فيبدو أن الأنظمة المطبعة لم تكف عن تصرفاتها مع القضية الفلسطينية والكيان الاسرائيلي وسياسة الدعم المفتوح للكيان ما زالت مستمرة بالعلن والسر وما خفي أعظم.