الوقت- لأكثر من عقدين، هيمن رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا وزعيم حزب العدالة والتنمية على المشهد السياسي في تركيا. أحزاب المعارضة التي دخلت المشهد كقوة بديلة لم تفعل شيئاً، وبدوا ضعفاء لتحدي حكومة أردوغان وإحداث تغييرات سياسية.
في الأجواء السياسية لتركيا هذه الأيام، لم ترد أنباء عن مواقف وإعلانات لوجهات نظر قادة أحزاب المعارضة لأردوغان، وكأنهم لم يتجاوزا صدمة الهزيمة في الانتخابات حتى الآن. ولا أنباء عن ائتلاف من 6 أحزاب معارضة، بينما أردوغان منشغل بالسفر وإلقاء المحاضرات بأمان رغم الأزمة الاقتصادية.
كان حل تحالف الأمة واختفائه من أهم رغبات الحزب الحاكم في تركيا، والآن تحققت هذه الرغبة دون أن تكلف حكومة أردوغان شيئا.
يرى المراقبون والمحللون السياسيون في تركيا أن أحزاب أردوغان المعارضة تواجه هذه العقبات من أجل الوصول إلى السلطة وتغيير الوضع السياسي في البلاد:
أ) القيادة
لا تملك أحزاب المعارضة أمام أردوغان زعيمًا قويًا يمكن أن ينتصر بسهولة على أردوغان، على الرغم من أنه من غير المحتمل أن يتولى رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، مثل هذا المنصب في المستقبل. في الوقت الحالي، لم يوافق كمال كيليجدار أوغلو على ترك المقعد القيادي لحزب الجمهورية الشعبية. كما أن ميرال آكشنر جالسة بقوة في قيادة حزب الخير، وقادة مثل باباجان، داود أوغلو، أويسال وكاراملا أوغلو غير قادرين على إدارة وقيادة تيار سياسي-اجتماعي ضخم، على الأقل في الجو الحالي.
ب) وسائل الإعلام
التحدي الرئيسي الآخر لأحزاب المعارضة في تركيا هو تقييد حرية التعبير في وسائل الإعلام والسيطرة السياسية التي يمارسها الحزب الحاكم، حيث سقطت جميع وسائل الإعلام تقريبًا في أيدي فريق أردوغان، وخلقت هذه البيئة الإعلامية موقفًا غير متكافئ لأحزاب المعارضة في سعيها إلى التغيير، ما يجعل من الصعب نقل رسائلهم بشكل فعال وكسب التأييد الشعبي.
ج) الفضاء ثنائي القطب
شهدت تركيا الاستقطاب والانقسام في أسوأ حالاته في السنوات الأخيرة، وأصبح النقاش السياسي عدائيًا بشكل متزايد. هذا الجو يجعل من الصعب على أحزاب المعارضة تشكيل تحالفات واسعة وتغيير الأجواء.
د) المنافسة الانتخابية غير العادلة
وقد أعربت أحزاب المعارضة مرارًا عن مخاوفها بشأن العملية الانتخابية غير العادلة، بما في ذلك التشويه وترهيب الناخبين وتحيز المجلس الأعلى للانتخابات. حيث تقوض هذه الإجراءات العملية الديمقراطية وتحد من فرص أحزاب المعارضة في الحصول على مقاعد مهمة في البرلمان.
هـ) الانقسام الفكري والتجزئة التنظيمية
واجهت أحزاب أردوغان المعارضة في تركيا التشرذم وانعدام الوحدة. غالبًا ما تتنافس الأحزاب المتعددة ذات الأيديولوجيات المختلفة مع بعضها البعض، ما يضعف نفوذها الجماعي.
و) الموارد المالية المحدودة
النشاط السياسي والحزبي في تركيا مكلف جدا، غالبًا ما تواجه أحزاب المعارضة قيودًا مالية مقارنة بحزب العدالة والتنمية، الذي يتمتع بإمكانية الوصول إلى موارد كبيرة، ما يحد من قدرتها على القيام بحملات فعالة، وحشد المؤيدين، والتنافس بصورة متكافئة.
ماذا ستكون نتائج انتخابات العام المقبل؟
بعد انتهاء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، انقسم الائتلاف الوطني ولم يكن لديه عملياً خطة متماسكة للانتخابات المحلية العام المقبل، مع تحقيق أكبر عدد من مجالس البلديات والمقاطعات والمحافظات (مجلس المدينة أو اتحاد المدينة) فهذا يلعب دوراً مهماً في مصير الأحزاب السياسية، والحزب الذي لا يملك نفوذاً محلياً وإقليمياً ولم يخدم الأهالي في المجال البلدي لن يحصل بسهولة على أصوات البرلمان والرئاسة.
بالطبع، هذا لا يعني أن عمل الأحزاب المعارضة لأردوغان قد انتهى وهم يجرون ذيول الهزيمة. حيث يعتقد بعض المراقبين السياسيين في تركيا أن الاهتمام ببعض النقاط المهمة يمكن أن يغير الوضع الحالي.
فإن أخذ مسألة التغيير السكاني يمكن أن يغير بعض المعادلات، حيث إن سكان تركيا من الشباب ويتزايد عددهم في المناطق الحضرية. الأجيال الشابة منخرطة في السياسة ولديها توقعات مختلفة من قادتها. أحزاب المعارضة التي يمكنها الاستفادة بشكل فعال من هذه التغييرات الديموغرافية وتقديم وجهات نظر جديدة لديها فرصة أفضل لكسب الدعم.
القضية التالية هي الاقتصاد، حيث أصبحت المخاوف الاقتصادية في تركيا متغيرًا مهمًا. واجه الاقتصاد التركي تحديات مثل التضخم والبطالة في السنوات الأخيرة، ونتيجة لذلك يمكن للمعارضة التركيز على هذه القضية مرة أخرى في المراحل المقبلة وتقديم وثيقة وحل شامل.
بالطبع، وفقًا لبعض معارضي أردوغان، فإن العوامل والمعايير الخارجية لا تخلو أيضًا من التأثير، ولا سيما في وضع لا يزال فيه أردوغان بعيدًا عن الغرب، ويسعى الخصوم إلى استخدام عامل الديناميكيات الدولية.
وحسبهم، فإن علاقة تركيا بالمجتمع الدولي وموقعها العالمي سيؤثران على المشهد السياسي. حيث يمكن أن تؤثر الضغوط الخارجية والتطورات الدبلوماسية والديناميكيات الإقليمية على البيئة السياسية المحلية وتخلق فرصًا لأحزاب المعارضة، ومع ذلك، فإن الاختبار العملي الأكثر أهمية في المستقبل هو الانتخابات البلدية التركية في عام 2024 ، وإذا هُزمت المعارضة في هذه المنافسة أيضًا، ستنخفض فرصهم في إدارة نشاط سياسي واجتماعي قوي وفعال.