الوقت- رغم مرور شهر على اندلاع الأزمة السودانية، فإن نيران الحرب التي اشتعلت بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، لم تنطفئ جذوتها، وسط محاولات كل من طرفي الصراع، لإجهاض آمال الآخر في تحقيق انتصار أو اختراق، يدفعه لفرض شروطه في المفاوضات. ومع استمرار القتال في العاصمة السودانية الخرطوم، وتعنت موقفي طرفي الأزمة في التوصل إلى حلول سلمية لإعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 15 أبريل الماضي، دخلت دول إقليمية وإفريقية في محاولات جادة، لتبريد الأزمة.
إحدى تلك المحاولات، كانت المفاوضات التي انطلقت قبل أيام في مدينة جدة السعودية، وختمت أولى مراحلها بتوقيع اتفاق يهدف إلى تحسين تدفق المساعدات الإنسانية، وبدء استعادة خدمات المياه والكهرباء. ورغم أن محاولات التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار تعثرت، فإن مفاوضات جدة ما زالت مستمرة، ما يمنح آمالًا بإمكانية العبور إليه. تلك الآمال تعززت، بعد دعوة المملكة العربية السعودية رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان إلى حضور القمة العربية، التي لن تغيب عن أجندتها الأزمة السودانية، وتداعياتها، وسيناريوهاتها.
تهدئة الأزمة
يقول الباحث والمحلل المختص في الشأن السوداني محمد عبدالكريم، إن ما توصل إليه اتفاق جدة في مرحلته الأولى، يمكن أن يكون مؤشرًا لنجاح الوساطة السعودية في التهدئة، على المدى المتوسط أو القريب، مشيرًا إلى أن بداية أي وقف إطلاق النار في الصراعات، تتمثل في إقرار اتفاق يسمح بالإغاثة الإنسانية بالوصول، ما يخفض حدة القتال. ورغم ذلك، فإن عبدالكريم يرى ضرورة عدم استباق الأحداث، وانتظار البيان الثاني المقرر في أعقاب انتهاء الجولة الثانية من المباحثات، مؤكدًا أن إعلان جدة اقتصر على الجانب الإنساني.
وأشار إلى أن هناك عاملًا آخر قد يؤثر في الأزمة السودانية، يتمثل في دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، لحضور القمة العربية المرتقبة في جدة، مؤكدًا أن تلك الدعوة التي قد تبدو عادية، يمكن أن تكون مؤشرًا لدخول السعودية بشكل أكبر في جهود الوساطة، لضمان عدم انفلات الأمور في السودان أكثر مما هي عليه، إلى جانب حماية المؤسسات الوطنية وقيامها بدورها، وفي مقدمتها الجيش السوداني.
وأكد المحلل المختص في الشأن السوداني، أن الوساطة السعودية بالتنسيق مع مصر، لكن الأخيرة ليست حاضرة في المشهد مراعاة لبعض الحساسيات، وخاصة أن الطرف الآخر للصراع لا يقبل الجانب المصري. وحسب المحلل، فإن إعلان جدة تضمن الإشارة إلى عودة الخدمات الأساسية، التي زعم أن قوات الدعم السريع تعرقلها، مؤكدًا أنه حال تطبيق الإعلان، ستفقد الأخيرة جزءًا كبيرًا من قوتها خلال الفترة المقبلة، على حد قوله.
سيناريو معقد
سيناريو آخر أشار إليه الباحث المتخصص في الشأن الأمني والإقليمي إبراهيم عرفات، قائلًا، إن تطوير الهدنة الإنسانية إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، سيناريو معقد التطبيق، تقف في طريقه عقبات عدة، أبرزها الموقف الصفري لكلا الطرفين تجاه الآخر، إذ أعلنا أنهما لن يقبلا بعضهما في العملية السياسية المستقبلية للبلاد. هذا الموقف، أحد أبرز عقبات نجاح جهود السعودية في إقرار وقف لإطلاق النار، تمهيدًا للدخول في عملية سياسية بمشاركة بقية القوى، حسب الباحث المتخصص في الشأن الأمني والإقليمي.
ويرى عرفات أن الجانبين وافقا على الهدنة الإنسانية، كمناورة لكسب الوقت، لإعادة ترتيب أوضاعهما الميدانية من ناحية، وتعزيز تأييدهما الشعبي لتحركاتهما من ناحية أخرى. ورغم ذلك فإنه ثمة عوامل أخرى من شأنها تعقيد الأزمة، أبرزها التدخلات الخارجية (إقليميًا ودوليًا) في الصراع، التي تفتقد محفزات تدفع الطرفين لقبول وقف إطلاق النار، إذ إن الولايات المتحدة لوحت بالعقوبات الاقتصادية على طرفي الصراع، حال تمسك أي منهما بموقفه.
في المقابل، تفتقد القوى الدولية عوامل الضغط على طرفي الصراع، ما قد يرجئ تعزيز ودفع العملية السياسية الانتقالية بشكل فعال، حسب الباحث المتخصص في الشأن الأمني والإقليمي. وأوضح أن تعقد المشهد الداخلي وتفاقمه، ربما يدفع قوى إقليمية أخرى، إلى الوساطة، وخاصة من دول الجوار التي ستتأثر بشكل مباشر بهذا الصراع، بشرط عدم عرقلة القوى الدولية لجهودها، أو استخدام الأحداث في السودان، ورقة لإدارة صراعات إقليمية.
"بيان خجول"؟
يقول وزير خارجية السودان الأسبق إبراهيم طه أيوب "للأسف سينعقد مؤتمر القمة العربية وستأخذ المسألة السودانية جانباً هامشياً وسط تفاقم الأزمات في المنطقة، إذ تتصدر القضية الفلسطينية والاعتداءات الإسرائيلية أجندة النقاش، فضلاً عن عودة سوريا إلى حضن العرب، وعودة العلاقات السعودية - الإيرانية، إضافة إلى تطورات الأحداث في بعض دول المنطقة مثل تركيا والعراق. وقبل كل ذلك الموقف الماثل في الحرب اليمنية وانعكاسات التقارب السعودى - الإيراني على ذلك، بالتالي فإن الأوضاع في السودان وليبيا لن تجد حظها من اهتمام القادة العرب، الذين أوكلوا مهمة إيجاد حل القوى الخارجية".
وتوقع طه أن "يتجه القادة العرب إلى إصدار بيان خجول يدعو إلى وقف إطلاق النار والدعوة إلى نجاح المساعي السعودية الأمريكية في هذا الاتجاه". ونوه بأن "لدى الرياض وواشنطن أوراق ضغط كثيرة فيما يتصل بالحرب الدائرة في البلاد، ويقيني أن الدولتين قادرتان على إرغام القوتين المتصارعتين على القبول بالأمر الواقع والرضوخ إلى النداءات الدولية والإقليمية التي تنادي بعدم التصعيد، وتجنيب المنطقة ويلات نزاع قد يمتد إلى القارة بأسرها. في المقابل، أرى أن حصر إيجاد الحلول السريعة لها في الدولتين يبعد شبح تدويل الأزمة السودانية، وهذا يتطلب بالضرورة السعي إلى ممارسة مزيد من الضغوط على طرفي النزاع للقبول بالجنوح إلى السلام الدائم".
واستبعد وزير خارجية السودان الأسبق "أن يتمكن قائد الجيش عبدالفتاح البرهان من المشاركة في أعمال القمة، لغيابه شبه التام عن الحياة السياسية والعسكرية في الفترة الأخيرة. وفي تقديريه، لن يقبل المشاركة في القمة لكي يجنب نفسه التعرض لمزيد من الضغوط من الأشقاء لإيقاف الحرب التي لم يشعل فتيلها، ولم يكن يود إطالتها، إذ يتحكم في كل ذلك أشخاص من خارج المؤسسة العسكرية"، على حد قوله.
تشجيع التسوية
من جهته، يوضح الكاتب السوداني عثمان ميرغني قائلاً "أعتقد أن أهم حدث في قمة جدة التي تعقد بعد مرور سبعة أشهر من القمة السابقة في الجزائر، هو عودة سوريا إلى حضن الجامعة العربية، لكن فيما يتصل بالشأن السوداني فقد تتجه القمة إلى تشجيع وتحفيز طرفي الصراع (الجيش السوداني وقوات الدعم السريع) نحو التسوية وفق المفاوضات الجارية في المدينة نفسها برعاية سعودية - أميركية، فضلاً عن تقديم مساعدات لإعادة بناء البنى التحتية في العاصمة الخرطوم التي دمرتها الحرب، إضافة إلى توجيه الطرفين للمضي قدماً في هذه المفاوضات بوتيرة سريعة وللتوصل إلى اتفاق نهائي".
وأشار ميرغني إلى أنه يتوقع أن "يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في وقت قريب من خلال وضع آلية للمراقبة والتحقق من أي تجاوزات تحدث من أي طرف، ومن ثم تبدأ المحادثات العسكرية - العسكرية التي تتناول القضايا المشتركة، وأهمها كيفية دمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، يليها إطلاق عملية سياسية جديدة بمشاركة المكون المدني"
استمرار المفاوضات
وكان قد استأنف طرفا الصراع في السودان الأحد في جدة المحادثات بينهما حول كيفية تنفيذ خطط إيصال المساعدات الإنسانية وسحب القوات من المناطق المدنية، وذلك كمرحلة تالية للاتفاق المبدئي الذي وقع في 11 مايو (أيار)، وتعهد فيه الجانبان بالامتناع عن أي هجمات قد تلحق الضرر بالسكان المدنيين، فضلاً عن التزامهما السماح لجميع المدنيين في البلاد بمغادرة مناطق الأعمال القتالية والمناطق المحاصرة، والتزام حماية العاملين في القطاع الصحي والمؤسسات العامة في السودان. ومنذ اندلاع الاشتباكات بشكل مفاجئ في 15 أبريل، لم يبد أي من الجانبين استعداداً يذكر لإنهاء القتال الذي أودى بحياة كثيرين، وقد يزج بالسودان في أتون حرب أهلية شاملة، في حين ظل الجانبان يصدران بيانات متواصلة يتبادلان خلالها الاتهامات بإيذاء المدنيين وغض الطرف عن الحاجات الإنسانية للسكان. في وقت تسبب الصراع في شل الاقتصاد السوداني وخنق حركة التجارة، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الكبيرة.