الوقت- رغم أن التطورات السياسية في العراق خلال الأشهر والأسابيع الماضية كانت ولا تزال ذات أجواء شبه هادئة ومنخفضة التوتر، إلا أن بعض المحللين والمراقبين السياسيين يعتبرونها هدوءًا قبل العاصفة، وخاصة قبل فصل الصيف والذي يرافقه عادة ظهور تحديات عديدة للحكومات في توفير الكهرباء والمياه التي يحتاجها الناس، لكن في غضون ذلك، هناك قضية أخرى ركز عليها المحللون السياسيون في تقدير احتمالية حدوث توتر مفاجئ، ألا وهي التحركات الداخلية للتيار الصدري في الأشهر القليلة المتبقية حتى الانتخابات البرلمانية وإمكانية عودة هذه الحركة إلى العملية السياسية والسيناريوهات المحتملة لها.
وبينما لا توجد أخبار موثوقة وتوجيه واضح من الصدريين لتحديد خطة هذا التيار حول المرحلة المقبلة ومصيرهم السياسي، يعتقد المراقبون، مستشهدين ببعض الأدلة، أن الصدريين مثل الخلايا النائمة في البداية، إنهم يعدون لمرحلة جديدة بل يبحثون عن فرصة للاستفادة من زلات الحكومة الجديدة؛ على وجه الخصوص، حولت قرارات الصدر المفاجئة والمتقلبة إلى رجل لا يمكن التنبؤ به ومفاجئًا دائمًا في المشهد السياسي العراقي.
ولأول مرة منذ 2005 تشكلت حكومة في العراق دون مشاركة التيار الصدري، أصدر مقتدى الصدر، زعيم هذا التيار، بيانًا في آب / أغسطس 2022، أعلن فيه تقاعده من جميع الأنشطة السياسية بعد اعتصام أنصاره في البرلمان وأعمال العنف في المنطقة الخضراء. جاء ذلك فيما نجح التيار الصدري في الفوز بـ 73 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية لعام 2021 وفاز بأكبر عدد من النواب في البرلمان.
الآن، بعد أشهر قليلة من الوضع الهامشي للتيار الصدري في التطورات في العراق، لفتت أحداث عديدة داخل هذا التيار الانتباه مرة أخرى إلى التيار الصدري، وفي أحد أهم الأحداث وآخرها، قال خطيب الجمعة بمسجد الكوفة، هادي الدنياوي، الأسبوع الماضي: إن الطبقة السياسية العليا ضلت طريقها بإصدار قوانين تخدم مصالحها الحزبية والفئوية والشخصية، والويل إذا غضب السيد"، كما حذر الدنياوي من "تجاهل" القوى السياسية لمواقف التيار الصدري، وأكد أنه "يراقب عن كثب الأحداث في الساحة السياسية".
والمفاجأة الثانية تتعلق بظهور حركة اجتماعية جديدة تسمى "الرفض" معظم أعضائها من أنصار وأعضاء التيار الصدري.
انطلقت "الرفض" من قبل مجموعة من النشطاء العراقيين الشباب، وفي أقل من 24 ساعة انضم إليها مئات من أنصار التيار الصدري، مرددين هتافات مماثلة للمواقف المعتادة للتيار الصدري ضد الفساد وعدم المساواة، وبشكل غير مباشر، استهدفت القوى المنافسة للتيار الصدري في إطار التنسيق الشيعي، تشكل نشاط هذه المجموعة الجديدة حول قضية عدم الرضا عن القائمة الجديدة للرواتب والأجور من قبل الحكومة وقد يمتد نشاطها إلى الاحتجاجات ضد الائتلاف السياسي الحاكم وحكومة السوداني، ولم يصدر التيار الصدري بعد أي تأكيد لقبول جماعة "الرفض" رغم أن الغالبية العظمى من أعضائها من أنصار التيار.
في الوقت نفسه، لم يقم مقتدى الصدر مؤخرًا بدعوة أي من السياسيين من خارج التيار الصدري إلى ذكرى اغتيال والده آية الله محمد صادق الصدر، وفي الاجتماعات الداخلية للتيار، وتشير تعليمات ممن يُعرف بـ "بوزير القائد"، أعيد توزيعها وكلها من وجهة نظر المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي إلى أن" الحركة على أعتاب مهمة جديدة وقد تعود إلى الشأن السياسي ".
وحسب صحيفة "عكاظ" السعودية، اعتبرت مصادر مقربة من الصدر أن الغرض من تقديم هذه الوثيقة هو إعادة بناء هيكل التيار الصدري ليكون مستعدًا لأي أنشطة سياسية واحتجاجية مستقبلية.
في غضون ذلك، ينظر بعض المحللين إلى ان تصرفات الصدر تأتي من أجل تسوية الفوضى الداخلية التي تعيشها هذه الحركة التي اتجهت نحو التشرذم، ويعتقد المحلل السياسي أحمد المياحي أن "هناك الكثير من الضغوط من جانب بعض قادة التيار على الصدر للعودة إلى العملية السياسية بأي ثمن، وهذا ما لا يريده الصدر الآن"، وحسب هذا المحلل السياسي العراقي، "يبدو أن التيار الصدري في حالة من انعدام الوزن السياسي بعد قرار الصدر بإغلاق جميع مكاتب ووكالات هذا التيار.
وحسب المياحي، فإن خطبة إمام جماعة الكوفة الأخيرة هي تحذير لأتباع التيار الصدري وبعض السياسيين من هذا التيار بأنهم بعد التأكد من أن الصدر لن يشارك في الانتخابات المقبلة " قد ترغب في الانفصال عن الحركة وخلق كتلة سياسية جديدة للمشاركة في الانتخابات ".
وبناءً على هذه الحجة، فإن جزءًا من قلق الصدر يتعلق بإمكانية نجاح حكومة السوداني والإطار التنسيقي وحتى المستقلين في استقطاب جزء من القوى والهيئة الاجتماعية من ناخبي التيار. على وجه الخصوص، بعد أشهر قليلة من إعلان حكومة مصطفى الكاظمي عن تنفيذ مشروع "مدينة الصدر الجديدة" في منطقة الصدر ببغداد بميزانية ضخمة تقدر بنحو 25 مليار دينار في عام 2021 والتي تتجه موازنتها وتنفيذها الآن لحكومة السوداني، ومن المفهوم أن البعض داخل التيار الصدري يعتبر هذا العمل منسجما مع الاستغلال الانتخابي.
الصدر من أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في بغداد، ويقدر عدد سكانها بثلاثة ملايين نسمة، وهي نسبة كبيرة من إجمالي سكان العاصمة البالغ عددهم نحو 8,750 آلاف نسمة، يتضمن مشروع "مدينة الصدر الجديدة" بناء 90 ألف وحدة سكنية، وقد نتج عن ذلك رغبة كبيرة لدى الشركات العالمية للاستثمار في هذا القطاع.
يقول عصام الأسدي، المحلل السياسي والعضو السابق في التيار الصدري: "إن حكومة محمد شياع السوداني تنوي استقطاب الشارع وليس فقط جماهير الحراك من خلال العديد من المشاريع الخدمية".
إضافة إلى ذلك، هناك سبب لقلق الصدر من الانقسامات الداخلية، وهو ظهور مجموعة من أنصار الصدر أطلقوا على أنفسهم اسم "أهل القضية" والذين يقولون إن الصدر هو حضرة الإمام صاحب الزمان، الأمر الذي أغضب الكثيرين من شيعة العراق وحتى الصدر نفسه كان ضدهم، وعلى إثر ذلك اعتقلت القوات الأمنية عددًا كبيرًا منهم.
واللافت في تصريحات ومقاطع الفيديو أن أنصار هذه المجموعة أكدوا أنهم سيجتمعون ويجلسون أمام منزل الصدر في النجف لإقناعه بالتخلي عن العزلة السياسية والعودة إلى "الإصلاحات".
وفور الإفراج عن هذه الملفات المسجلة قرر الصدر إنهاء الاعتكاف في مسجد الكوفة التاريخي ووقف الأنشطة الدينية المختلفة للحركة لمدة عام.
ووصف الصدر في بيانه تلك الجماعة بـ "الفاسدة" وقال: "إذا كنت إصلاحيًا للعراق ولا أستطيع إصلاح التيار الصدري، فهذه خطيئة إذا استمريت في قيادة التيار الصدري".
في غضون ذلك، حتى إغلاق المكاتب لم يقنع بعض أنصار الصدر والمحللين السياسيين باستمرار عزل الصدر، كما قال أحد القادة البارزين في التيار الصدري لـ "العربي الجديد" شريطة عدم الكشف عن هويته: حيث اضاف ان "اغلاق مراكز التيار لا يعني ان الصدريين لن يشاركوا في الانتخابات المحلية أو النيابية المقبلة".
كما قال احسان الشمري رئيس مركز الفكر السياسي في بغداد في حديث مع العربي الجديد: "ان تجميد التيار الصدري على يد مقتدى الصدر قرار له جانب ديني وعقائدي أكثر منه سياسي والصدر يريد اعادة بناء الحركة ". من وجهة نظر أيديولوجية، يهدف هذا الإصلاح الداخلي إلى ترسيخ القاعدة الشعبية للحركة وتقوية الصلة بين الصدر وأنصاره.
لكن على عكس الآراء التي ترى أن الصدر مستعد للدخول في المجال السياسي، يعتقد جاسم محمد البياتي، أحد قادة الإطار التنسيقي، أن: الصدر قريب من الشارع والقوى السياسية ويمكنه إرسال رسائله مباشرة وبشكل علني وليس بشكل غير مباشر. ما قاله خطيب جمعة في الكوفة لا يعني بالضرورة أن الصدر يوافق عليه.
أخيرًا، في صراع التحليلات والتفسيرات المختلفة لكلمات الصدر وأنصاره، يبدو أن ما لا يمكن إنكاره هو أن أفعال وأقوال الصدر، باعتباره الوجه الأكثر تأثيرًا في التطورات المعاصرة في العراق، ويمكن أن يظل مؤثراً على الأرض حتى مع انسحابه الرسمي من عالم السياسة.