الوقت- نفت حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” قرب التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى مع الكيان الإسرائيلي وذلك في تصريحات لزاهر جبارين، عضو المكتب السياسي لحماس، نشرها الموقع الإلكتروني للحركة.
وتأتي تلك التصريحات ردا على ما كشف عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، عن قرب التوصل لصفقة تبادل أسرى مع “حماس”.
وقال جبارين: “حكومة الاحتلال تكذب ولا يوجد أي تقدم في ملف تبادل الأسرى”.
وأضاف: “حكومات الاحتلال المتعاقبة تكذب على عوائل الجنود الأسرى بشأن صفقة تبادل أسرى ولا صحة لأكاذيب نتنياهو التي يلجأ لها عقب كل أزمة يتعرض لها”.
وتابع إن “الاحتلال يُماطل في ملف التبادل، ولا يزال غير مستعد لدفع ثمن حريتهم".
ولفت إلى أن “ما يعيق عقد صفقة التبادل هو تردد الاحتلال وعدم جهوزيته لاتخاذ القرار بعقدها ودفع الثمن”.
وأوضح جبارين أن “هناك إطارا عاما وثمنا لأي صفقة تبادل أسرى ونتنياهو والحكومات المتعاقبة لا يريدون دفعه، وقبل سنوات كان هناك تقدم في الصفقة، لكن عدم جهوزية الاحتلال لدفع الثمن تراجعت”.
وأشار إلى أن “أبواب حركة حماس مفتوحة لكل من يستطيع أن يقدم جهدا في هذا الملف والعديد من الوسطاء طرقوا أبوابنا، ومنهم السويسريون و النرويجيون والألمان والأتراك والقطريون والمصريون، والوساطة المصرية هي أساسية في هذا الملف”.
نتنياهو يلعب بمشاعر أهالي جنوده الأسرى
كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن "تقدماً" طرأ على الجهود الهادفة إلى إنهاء ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى حركة "حماس".
وذكرت قناة "12" الإسرائيلية، الليلة الماضية، أن نتنياهو قال، خلال جلسة الحكومة الأسبوعية التي عقدت أمس الأحد، إن المفاوضات السرية غير المباشرة التي تجرى مع حركة "حماس" بشأن ملف الأسرى "أحرزت تقدماً".
وأضاف: "نحن قريبون من النجاح في التوصل إلى اتفاق بشأن الأسرى أكثر من الفشل في تحقيق هذا الهدف".
ولفتت القناة إلى أن نتنياهو لمّح إلى مساهمة عدد من الوسطاء و"ليس فقط المصريين" في الجهود الهادفة للتوصل إلى صفقة بشأن ملف الأسرى.
وحسب القناة، فقد حذر نتنياهو من أن الضغوط التي تمارسها عائلات الأسرى الإسرائيليين على حكومته "تضرّ بفرص نجاح هذه المفاوضات".
وزعمت القناة أنه بالاستناد إلى المعلومات التي لدى إسرائيل، فإن حركة "حماس" باتت مستعدة لإبداء مرونة بشأن عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب بالإفراج عنهم، ونوعيتهم، "لكن ليس بالمستوى الذي يمكن أن تقبله إسرائيل".
وأشارت القناة إلى أن نتنياهو كشف عن هذا التطور بعدما وجّه وزراء انتقادات لقرار الحكومة، الأسبوع الماضي، إعادة جثامين بعض الشهداء الفلسطينيين المحتجزة لدى الاحتلال.
ولفتت القناة إلى أن وزيرة الاستيطان والمهام الاستراتيجية أوريت ستروك، القيادية في حركة "الصهيونية الدينية" التي يقودها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تساءلت عن عدم ربط مسألة إعادة جثامين الشهداء بملف الأسرى الإسرائيليين لدى حركة "حماس".
وأضافت القناة إن وزير الأمن يوآف غالانت أوضح، خلال الجلسة، أنه "قد تبين أن الاحتفاظ بجثامين الشهداء لا يساهم في إحداث تقدم على صعيد التوصل إلى تسوية بشأن ملف الأسرى لدى حركة حماس".
ذر الرماد في العيون
تصريحات نتنياهو "ما هي إلا محاولة لذر الرماد في العيون، وفقاعات إعلامية للتغطية على فشل حكومته في إنهاء هذه القضية والتهرب من دفع استحقاقاتها ومواصلة مسلسل خداع عائلات الجنود الأسرى، وتضليل الجمهور الإسرائيلي عامة منذ قرابة تسع سنوات".
عدم إقدام نتنياهو على تعيين مسؤول جديد لملف الجنود الأسرى منذ استقالة "يارون بلوم" في أكتوبر الماضي يؤكد هذا الأمر كما أن هناك عوامل لا تزال قائمة منذ سنوات، تحول دون إتمام "صفقة تبادل أسرى" جديدة، أولها تمسك المقاومة الفلسطينية بشروطها ورفضها للربط بين قضية الأسرى والتسهيلات الاقتصادية، أو بمعنى أدق "رفضها للإغراءات الإسرائيلية بترميم غزة وزيادة التسهيلات الاقتصادية مقابل الإفراج عن الجنود الأسرى". و العامل الثاني، يتمثل في الفجوة بين شروط المقاومة وبين شروط "إسرائيل" التي لا تزال تحلم بإمكانية إقناع المقاومة، وتليين موقفها والتعامل مع قضية الأسرى كقضية إنسانية. أما الثالث، فهو استمرار "تعويل حكومة نتنياهو على عامل الزمن بأنه كفيل بطي هذه القضية، كما حدث مع قضية الجندي رون أراد". والعامل الرابع أي صفقة تبادل بحاجة لحكومة مستقرة قادرة على اتخاذ هذا القرار، "لكن الناظر لحكومة نتنياهو يرى أنها عرجاء شبه مشلولة غير قادرة على اتخاذ قرارات أو تمرير قوانين. وقد تجلى ذلك باضطرارها لتأجيل التعديلات القانونية، وعدم تطبيق قرار المحكمة بإخلاء الخان الأحمر والمصادقة على قانون التجنيد".
كما أن "طابع الحكومة اليميني والصراع بين اليمين الوسط ويمين اليمين يشكل عائقًا رئيسيا أمام إمكانية المصادقة على صفقة تبادل أسرى جديدة". فيما السبب السادس الذي يعيق "الصفقة"، هو "غياب الدور الرئيسي لعائلات الجنود الأسرى واكتفائهم بترديد الاسطوانة المشروخة بتحميل المستوى السياسي والعسكري المسؤولية عن عدم إعادتهم لعائلاتهم، لكن الأهم هو استمرار عائلة الضابط هدار غولدن بموقفها الداعي لتغيير المعادلة وتحويل قضية أسر الجنود من إنجاز للمقاومة إلى عبء عليها".
وأشار إلى تراجع اهتمام الشارع "الإسرائيلي" بقضية الجنود الأسرى واعتبار أن القضية الرئيسية التي يجب أن تعمل الحكومة على معالجتها هي ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة؛ وذلك بناء على استطلاع الرأي الذي أظهر أن 74% من الجمهور يعتبرون أن الأوضاع الاقتصادية السيئة هي الأهم. كما أن حالة "كي الوعي" التي أحدثتها "صفقة شاليط" على الكيان بجميع تصنيفاته السياسية والاجتماعية وشعوره بمرارة الهزيمة أمام غزة؛ بعد فشله في الإفراج عن الجندي "جلعاد شاليط" بالقوة العسكرية أو بالقدرات الأمنية. أما العامل التاسع، "التوصل إلى صفقة تبادل أسرى جديدة مع المقاومة يساهم في زيادة تآكل قوة ردع "إسرائيل" واعتراف مرة أخرى بالفشل أمام حماس، وما يترتب عليه من زيادة شعبيتها في الشارع الفلسطيني وزيادة قناعته بالمقاومة كحل الأمثل لانتزاع الحقوق.
معارك بلا رصاص
مع حلول يوم 23 من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام، يحيي الفلسطينيون ذكرى أكبر عملية تبادل أسرى، التي وقعت عام 1983، وأُفرِج بموجبها عن 4600 أسير مقابل 6 جنود إسرائيليين. وفي يوم إتمام الصفقة التي قادت مفاوضاتها حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، شهد ميناء طرابلس (شمال لبنان) حركة غير عادية، حين نُقِل الجنود الإسرائيليون الأسرى إلى الميناء، ثم حُمِلوا في زوارق إلى سفينة فرنسية تبعد 8 كيلومترات عن شواطئ طرابلس، حيث تسلَّمهم الإسرائيليون من مندوبي الصليب الأحمر. وفي هذا الوقت أيضا، شهد جنوب لبنان عملية مماثلة، إذ أطلقت قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي سراح 3600 أسير نُقِلوا إلى الداخل اللبناني، فيما اختار نحو 1024 أسيرا أن يُنقلوا إلى الجزائر.
على مدار عقود احتلالها للأراضي الفلسطينية، اعتقلت دولة الاحتلال مئات الآلاف من الفلسطينيين، بعضهم اعتُقِل أكثر من مرة، حيث نال الاعتقال من غالبية البيوت الفلسطينية، ولم تبقَ هناك بقعة جغرافية فلسطينية إلا أقام عليها الاحتلال سجنا ومركز توقيف. واعتقل أيضا آلاف المواطنين العرب والمتضامنين من جنسيات أجنبية مختلفة. وبما أن عمليات المقاومة الفلسطينية والعربية أتاحت الفرصة لاحتجاز العشرات من الإسرائيليين، سجَّل الباحثون 36 عملية تبادل أسرى وقعت منذ عام 1949، جلُّها في صفوف الفلسطينيين بطبيعة الحال. وقد وقعت أولى الصفقات الفلسطينية بين منظمة التحرير والاحتلال عام 1968 بعد أن اختطفت حركة "فتح" طائرة إسرائيلية تابعة لشركة "إل عال" وهي في طريقها من روما إلى تل أبيب، حيث أُجبِر الطيَّارون على التوجه إلى الجزائر مع أكثر من 100 راكب.
على مدار السنوات التالية، تتابعت صفقات تبادل الأسرى مختلفة الحجم وصولا إلى العام 2011، الذي شهد صفقة تبادل كبيرة بين إسرائيل وحركة حماس عُرفت باسم صفقة "شاليط"، التي أُطلِق فيها سراح 1027 أسيرا فلسطينيا مقابل رقيب واحد في سلاح المُدرَّعات الإسرائيلية، وما تزال ذاكرة الملايين تحتفظ بمشاهد قوافل مصلحة السجون الإسرائيلية ممتلئة بمئات الأسرى الفلسطينيين الذين نُقلوا إلى مواقع في الضفة الغربية وعلى الحدود الإسرائيلية-المصرية، فيما نُقِل الأسير الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، الذي اعتقلته المقاومة الفلسطينية عام 2006، إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية على الحدود المصرية، ومنها إلى قاعدة جوية في دولة الاحتلال. وقد كان الأمر بمثابة ملحمة طويلة ومؤلمة، فعلى مدار 5 سنوات، هي مدة احتجازه في غزة، عانى سكان القطاع من حصار اقتصادي شديد وعدوان عسكري متكرر بغية تحريره، فيما بذل القادة الإسرائيليون جهودا مُضنية لأجل إعادته، ولم تجد إسرائيل مفرا من الخضوع لصفقة تبادل كبيرة بعد عجزها عن تحرير الجندي المُحتجَز على بعد كيلومترات قليلة من حدودها بعملية عسكرية.
على صعيد صفقات التبادل مع الدول العربية، أُبرِمَت 26 صفقة تبادل عربية مع الاحتلال، بدأتها مصر عام 1949، ثم سوريا ولبنان والأردن، واستطاع جميعهم الإفراج عن آلاف الأسرى. وقد أخذ حزب الله نصيبا مُعتبَرا من تلك الصفقات، ففي عام 2008 أُطلق سراح 5 مُسلَّحين مقابل جثتي جنديَّين إسرائيليَّين احتجزهما الحزب، وفي عام 2004 أطلَق الاحتلال سراح نحو 400 أسير مقابل عقيد سابق في الجيش الإسرائيلي مع جثث 3 جنود، ثم أتت "عملية الوعد الصادق" الشهيرة عام 2006 لتصبح من أهم العمليات التي أفضت إلى صفقة تبادل عام 2008، إذ هاجم عناصر الحزب دورية عسكرية إسرائيلية وأسروا جنديَّين بهدف مبادلتهما بأسرى محتجزين، أبرزهم القيادي الراحل في الحزب "سمير القنطار".
إبعاد حماس عن المعركة مع الكيان
يبدو أن نتنياهو من خلال تصريحاته ومن خلال عمليات الاغتيال التي تستمر حتى اللحظة ضد فصائل الجهاد الإسلامي هو فقط يحاول أن يبعد حركة حماس عن الصراع الدائر في قطاع غزة ولكن الحركة تعلم ذلك جيداً وتحاول إثبات القضية للشارع العام.