الوقت - ألغت بعثة الاتحاد الأوروبي في إسرائيل الاثنين حفل استقبال دبلوماسي بمناسبة يوم أوروبا بسبب المشاركة المزمعة للوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير.
وقال الوفد على تويتر “للأسف، قررنا هذا العام إلغاء الاستقبال الدبلوماسي، لأننا لا نريد توفير منبر لشخص تتعارض آراؤه مع القيم التي يمثلها الاتحاد الأوروبي”.
وقالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية: “أعلن منظمو حفل (يوم أوروبا) للاتحاد الأوروبي في تل أبيب أنهم ألغوا الاستقبال الدبلوماسي وجميع الخطب، بعد أن أصر بن غفير على إلقاء كلمة في الحفل”.
و”يوم أوروبا” الذي يوافق التاسع من مايو/ أيار كل عام، يأتي لإحياء إعلان وزير الخارجية الفرنسي الراحل روبير شومان عام 1950 تشكيل “الجماعة الأوروبية للفحم والصلب”، التي شكلت النواة الأولى للاتحاد الأوروبي.
وأشارت الصحيفة، إلى أنه في وقت سابق من يوم الإثنين، قبل اتخاذ القرار، “أوصى سفراء الاتحاد الأوروبي بإسرائيل بإلغاء جميع الكلمات بالحفل بعد اجتماع خاص لهم عقدوه ردا على قرار الحكومة الإسرائيلية إرسال وزير الأمن القومي المتطرف كممثل رسمي لها إلى الحدث”.
من جانبه، قال مكتب بن غفير في بيان: “يعتقد الوزير أنه حتى لو لم يؤيد ممثلو الاتحاد آراءه كما نُشر في بيانهم، فهم يفهمون جيدا أن إسرائيل دولة ديمقراطية وفي الديمقراطيات يُسمح أيضا بسماع آراء مختلفة”.
وبن غفير، المولود بالقدس الغربية عام 1976 لأم وأب من يهود العراق، معروف بمواقفه المتطرفة تجاه الفلسطينيين وهو من سكان مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي الخليل بجنوبي الضفة الغربية، حسب صفحته على موقع الكنيست (البرلمان الإسرائيلي).
ووضع انتداب الحكومة الإسرائيلية بن غفير للمشاركة في الاحتفالات "بيوم أوروبا" التي تقام في مقر الاتحاد الأوروبي في تل أبيب حكومة بنيامين نتنياهو أمام صدام ومواجهة محتملة مع الاتحاد الأوروبي، بسبب إلغاء المراسم الدبلوماسية الاحتفالية.
وحمل قرار الحكومة الإسرائيلية انتداب بن غفير للمشاركة في الاحتفالات الأوروبية في طياته رسائل داخلية وأخرى خارجية، هدفت إلى تقليل التوتر مع بن غفير، واحتواء الخلافات الداخلية بالحكومة، وكذلك منح بن غفير واليمين المتطرف بإسرائيل المؤلف للائتلاف الحكومي شرعية أوروبية ودولية.
وتعكس رسائل نتنياهو الداخلية والخارجية صراع المصالح بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل؛ إذ امتنعت أوروبا عن الخروج بموقف حازم ضد ضم أحزاب اليمين المتطرف لحكومة نتنياهو، حيث كان "يوم أوروبا" المناسبة لخروج الاتحاد الأوروبي عن صمته، ويرجح أن يسهم ذلك في دخول دول أوروبية في صدام مباشر مع أحزاب اليمين المتطرف بإسرائيل.
اعتمد الاتحاد الأوروبي سياسة البحث عن شراكة وتعاون مع أحزاب وجهات في الحكومة الإسرائيلية تعد معتدلة، وتجاهل أحزاب اليمين المتطرف ممثلة في حزب "عظمة يهودية" برئاسة بن غفير، وتحالف "الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموترتيش.
وسعيا منهم لرفض احتواء بن غفير وعدم التعاون مع اليمين المتطرف بإسرائيل، أوصى سفراء دول الاتحاد الأوروبي في إسرائيل بإلغاء الكلمات والاحتفالات الدبلوماسية "بيوم أوروبا"، بهدف منع بن غفير من إلقاء كلمة والتحدث خلال المراسم الاحتفالية.
ونقلت صحيفة "هآرتس" عن دبلوماسيين أوروبيين حضروا الاجتماع قولهم إن جميع السفراء -باستثناء سفيري بولندا وهنغاريا- عارضوا مشاركة بن غفير في الاحتفالات بيوم أوروبا.
وطرحت خلال مناقشات سفراء الاتحاد الأوروبي إمكانية تأجيل الاحتفالات الدبلوماسية بضعة أيام، لمنح الحكومة الإسرائيلية فرصة لإرسال ممثل آخر، لكن السفراء يخشون أن يستمر بن غفير في الإصرار على المشاركة.
وأمام هذه المستجدات في العلاقات، تعتقد المحاضرة في برنامج الدراسات الأوروبية بالجامعة العبرية في القدس وجامعة تل أبيب الدكتورة مايا شيوان أن منح نتنياهو صلاحيات واسعة للوزيرين بن غفير وسموتريتش في إدارة النشاط الأمني والأنشطة المدنية في الضفة يوضح ما كان متوقعا بتصاعد المواجهة والصدام بين اليمين المتطرف في إسرائيل والاتحاد الأوروبي.
وأوضحت شيوان أن إصرار الحكومة الإسرائيلية على إيفاد بن غفير للمشاركة في احتفالات "يوم أوروبا" يحمل في طياته رسائل مختلفة، ومنها محاولة إكساب بن غفير وأحزاب اليمين المتطرف شرعية في أوروبا ولدى المجتمع الدولي، الأمر الذي من شأنه التسبب مستقبلا في صدام وتوتر بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي.
وأشارت إلى أن صداما أو فتح جبهة من قبل اليمين المتطرف في إسرائيل ضد الاتحاد الأوروبي على وجه التحديد في الوقت الحاضر يمكن أن يضر المصالح الإسرائيلية، ويخلق تحالفا مضادا واسعا ضد إسرائيل، وذلك بسبب الائتلاف الحكومي الذي يعتمد في الأساس على أحزاب اليمين المتطرف والأحزاب الدينية المتشددة.
لذلك، لا تستبعد أن تكون لهذا الصدام وإقحام بن غفير واليمين الإسرائيلي المتطرف على الاتحاد الأوروبي تداعيات سلبية على مستقبل العلاقات والشراكة والتعاون بين تل أبيب وسفراء الاتحاد الأوروبي، في وقت تهتم فيه البعثة الأوروبية بزيادة الشراكة مع إسرائيل على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة الطاقة، وقدرات إسرائيل في مجالات الطاقة والأمن.
وترى شيوان أن على نتنياهو ووزير الخارجية إيلي كوهين تحمل المسؤولية ومنع بن غفير ومعسكر اليمين المتطرف من أن يصبح بؤرة جديدة للتصعيد وإلحاق المزيد من الضرر في السياسات الخارجية والإقليمية، وخاصة مع الاتحاد الأوروبي.
وبالنظر إلى تركيبة الائتلاف الحالي، تقول شيوان "ستكون لحكومة إسرائيل ووزارة الخارجية معركة احتواء صعبة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعد الشريك الرئيسي لإسرائيل في مجالات الزراعة، والتجارة، والبحث العلمي، والطيران، والأمن، والطاقة".
ورغم التوتر الرسمي الخفي بين حكومة نتنياهو وأوروبا، فإن تقدير موقف صادر عن المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم) -وتناول العلاقات الدبلوماسية الإستراتيجية- يظهر أن هناك تحالفا استراتيجيا بين اليمين المتطرف في إسرائيل وأوروبا.
ووفقا لتقدير الموقف فإن الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل تتناغم بل تتحالف مع اليمين المتطرف في أوروبا التي طالبت سفراء الاتحاد والبرلمان الأوروبي بعدم التدخل في شؤون إسرائيل الداخلية، وخاصة كل ما يتعلق في خطة الإصلاحات القضائية.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن الاتحاد الأوروبي يتصرف بشكل محسوب مع الحكومة الإسرائيلية، بسبب لقاء بعض المصالح والتصادم بين بعضها، سواء في الحرب بأوكرانيا، أو العودة للاتفاق النووي، أو أزمة الطاقة بأوروبا، وعليه رفع صوته في وقت متأخر ضد بن غفير، بسبب سعي نتنياهو لفرضه على أوروبا كوزير يتمتع بشرعية.
وذكر مدير معهد "ميتفيم" نمرود جورون أن الاتحاد الأوروبي وبسبب لقاء وتصادم المصالح حرص على عدم التدخل في حكومة نتنياهو السادسة، وهي الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا التي تشكلت في إسرائيل.
وأوضح جورون أن ما يعكسه نهج بن غفير وسموتريتش -بشطب القضية الفلسطينية- وتثبيت هذه الأيديولوجيا ضمن الاتفاقيات الائتلافية؛ يأتي خلافا لموقف الاتحاد الأوروبي الذي لم يتغير ويدفع نحو إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل.
ويرى أن انتداب حكومة نتنياهو بن غفير للمشاركة بالاحتفالات يحمل دلائل ورسائل سياسية إلى أوروبا على وجه الخصوص، وهي لا تقتصر على قبول بن غفير، وإنما قبول أيضا البنود المضمنة في الاتفاقات الائتلافية للحكومة، وهي الحق في الأرض بأكملها في فلسطين التاريخية للشعب اليهودي، ونواياها لضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية.