الوقت_ في الفترة الماضية، أوضحت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، نقلاً عن منظمين للاحتجاجات، أنّ قرابة 500 ألف متظاهر احتشدوا في عدّة مدن فلسطينيّة محتلة، للتظاهر ضد خطط حكومة بنيامين نتنياهو بشأن ما يُطلق عليها "الإصلاحات القضائية"، في تظاهرة هي الأكبر في تاريخ احتلال فلسطين، في الوقت الذي تتزايد التنبؤات باحتماليّة وقوع حرب أهليّة نتيجة التفكك الكبير داخل المجتمع الإسرائيليّ، على الرغم من كل المساعي لضبط إيقاع الوضع داخل الكيان الصهيونيّ، إلا أنّ الخلافات الداخليّة والغضب المجتمعي يتصاعد يوماً بعد آخر، ناهيك عن التماسك الذي تآكل بشدّة في السنوات الأخيرة بين اليهود داخل المجتمع الإسرائيليّ وخاصة مع وصول المتطرفين لزمام الحكم، وحل محله فجوات حقد داخليّة تغذيها الكراهية الشديدة الخارجة عن نطاق السيطرة، والتي قد تُوصل الكيان قريباً إلى صدام داخليّ عنيف، ربما يتحول فيما بعد إلى حرب أهليّة كارثيّة، حيث إن الكيان الصهيونيّ يقترب عدة خطوات من الحرب الأهليّة، بسبب قدوم نتنياهو الذي كان يخوض في السابق معركة شرسة ضد المتظاهرين والمطالبين بحقوقهم، إضافة إلى الأزمة الاقتصاديّة المتفاقمة، والكره الشديد من الليبراليين الإسرائيليين المهمشين والمحاصرين.
حربٌ أهلية وشيكة
"عدد المحتشدين في شارع كابلان بمدينة تل أبيب (يافا) وحدها تجاوز 250 ألف شخص"، هذا ما قالته الصحيفة العبريّة، فيما يؤكّد بعض المحللين أنّ الكيان الصهيونيّ يفتقر اليوم لشخصيات تضغط على المكابح قبل فوات الأوان ونهاية السرطان الاحتلالي، حيث تطفو المصالح الشخصيّة أو السياسيّة على كل شيء، وهذا ما جاء رئيس الوزراء ورئيس حزب الليكود الصهيونيّ، بنيامين نتنياهو، لأجله، حيث من المتوقع أن تكون نهاية هذا الكيان على يده ويد جماعته المتطرفة، فيما يذهب أغلب المحللين إلى أنّ الكيان أمام طريقين لا ثالث لهما، إما الذهاب نحو تخلخل المجتمع الإسرائيليّ وانعدام استقراره نتيجة الصراعات، أو حدوث حربٍ أهليةٍ بين المعسكرين اليمينيّ الدينيّ المتزمت والحاكم، وبين القوى الديمقراطيّة والليبراليّة، المُكونّة بسوادها الأعظم من اليهود الذين تمّ استجلابهم عن طريق الحركة الصهيونيّة من دول أوروبا.
وعلى هذا الأساس، بيّنت صحيفة "جيروزاليم بوست" أنّ مدناً مثل حيفا سجلت أرقاماً قياسية في عدد المشاركين في المظاهرات مع وصول عدد المحتجين إلى نحو 50 ألف شخص، ما يعني أنّ عبارة "نتنياهو يودي بالكيان إلى الهاويّة"، التي سمعناها كثيراً في مجتمع العدو بات واقعاً، حيث بات رئيس الوزراء الجدي منخرطاً بشكل كامل ولحظي بتدمير الكيان الغاصب من الداخل، ناهيك عن الحرب الشعواء ضد أعدائه السياسيين، فيما تواجه الحكومة المتطرفة معارضة حقيقية تمثل نصف الشارع الإسرائيلي على الأقل، واليوم بتنا نسمع –كما في السابق- مئات آلاف المعارضين الذين يدعونه للتنحي في مظاهراتهم، ولا بد أن شرطة العدو لا تستطيع السيطرة على الاحتجاجات العارمة، في ظل الانقسام الحاد بين المعسكرين المتصارعين، الشيء أفرز كراهية شديدة داخل مجتمعهم، وفقدان ثقة مستوطني الكيان بشكل كامل بمؤسساته.
لذلك، قامت الشرطة التابعة للعدو بوضع الحواجز على الطرق في أنحاء تل أبيب، حيث إن الاحتجاجات كما تقول وسائل الإعلام الإسرائيلية استدعت رداً فورياً من الشرطة في ظل ما حدث من أعمال عنف خلال التظاهرات في الأسابيع الفائتة، وخاصة بعد أن أصبح الخلاف بين الإسرائيليين موضوعاً ساخناً في الكيان، مع استمرار تنافس النسق الكليّ للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة بين اليسار واليمين، بما ينعكس بلا شك على المجتمع الإسرائيليّ المنقسم على ذاته بين مؤيد للتطرف ومعارض له، فجزء من الإسرائيليين يعتبرون نتنياهو المُخلص الذي يحول دون انقراض الكيان الصهيونيّ، وآخرون يعتبرونه خطراً حقيقيّاً على مستقبله.
من ناحية أُخرى، أوضحت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، أن عدد المحتجين في بئر السبع بلغ أكثر من 10 آلاف شخص، ونقلت عن منظمي الاحتجاجات عزمهم تنظيم يوم آخر من المظاهرات الحاشدة، الخميس القادم، تحت شعار "يوم تصعيد المقاومة"، ما يدل على تحول الكيان إلى برميل من الديناميت لا يحتاج سوى شرارة واحدة للانفجار نتيجة الانقسام غير المسبوق داخل المجتمع الإسرائيليّ، إضافة إلى تمسك نتنياهو الشديد بالسلطة لمرات عدذة متجاهلاً ارتفاع الأصوات المطالبة برحيله، رغم إدراكه بما يحل بكيانه نتيجة لذلك، في وقت يعيش الكيان الصهيونيّ مرحلة حاسمة تهدد وجوده بشكل حقيقيّ وباعتراف نخبة الصهاينة في أكثر من مجال، ولذلك يستشعر كثيرون اقتراب الحرب الأهليّة التي ستعيد العدو الصهيونيّ الغاشم إلى ما قبل عام 1948.
تهديدٌ خطير
يسعى منظمو الاحتجاجات إلى تعطيل زيارة مزمعة لرئيس الوزراء الصهيونيّ إلى ألمانيا، الأربعاء، مثلما فعلوا قبل زيارته إلى روما قبل أيام، بعد أن دخلت المظاهرات أسبوعها العاشر، احتجاجاً على خطط الحكومة اليمينية المتطرفة للحد من سلطات المحكمة العليا، والتي يعتبرها منتقدوها تهديداً لاستقلال القضاء، وحسب المعلومات يستعد الائتلاف الحاكم المؤلف من أحزاب اليمين واليمين المتطرف بقيادة نتنياهو، لتسريع العملية التشريعية بدءاً من الأحد المقبل، للدفع بمشروع "الإصلاح" على حد وصف الحكومة.
وكما تقول الوقائع، يبدو القرار رفضاً ضمنيّاً لدعوات إبطاء أو تعليق النظر في المشروع في الكنيست، للسماح بمفاوضات تسوية، واختيار الالتزام الصارم بالجدول الزمني الذي أعلنه مع وزير العدل ياريف ليفين، وينص الجدول الزمني على تبني العناصر الرئيسية في التعديلات قبل نهاية الدورة الشتوية للبرلمان في الثاني من أبريل القادم، ويهدف التعديل الذي يسعى إليه المتشددون إلى الحد بشكل كبير من إمكانية قيام المحكمة العليا بإبطال القوانين، ويعطي "التحالف الحاكم سلطة تعيين القضاة"، على الرغم من دعوة رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي يتسحاق هرتسوج، إلى وقف عملية إقرار مشروع قانون الإصلاح القضائي، واصفاً إياه بأنه "تهديد لأسس الديمقراطية".
وفي ظل تعنت نتنياهو، يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وهذا الموضوع يقُضّ مضاجع صنّاع القرار بالكيان اللقيط الذي قام منذ ولادته على مبدأ التطهير العرقيّ والتاريخيّ من خلال المجازر التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد أصحاب الأرض ومقدساتهم إضافة إلى عمليات بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة كأدلة ثابتة وواضحة على ممارسات الصهيونيّة الاستعماريّة، وإنّ موضوع "نهاية إسرائيل" يطغى بشكل كبير على لسان الكثير من المحللين الإسرائيليين، استناداً إلى أدلة كثيرة أهمها التماسك الداخليّ الذي سيباد عن بكرة أبيه في عهد نتنياهو الحاليّ.
لهذا، تفقد حكومة نتنياهو تفقد شرعيتها (بالنسبة للمستوطنين) وتأخذ الكيان إلى طريق لا عودة منه، وذلك بالنظر إلى أنّ كيان الاحتلال أصبح مستعبداً بشكل كامل لاحتياجات الجماعات الإسرائيليّة المتطرفة، وبالتالي سيدفع الإسرائيليون أثماناً باهظة، وخاصة أنّ مؤسسات الكيان ستصبح بما لا شك فيه مسخرة لخدمة الصهاينة المتطرفين، وقد بات الإسرائيليون بالفعل يشعرون بأنّ الكيان بأسره يعيش دور العبوديّة الكاملة للمتشددين، ما يطرح تساؤلات كثيرة حول مدى تأثير حكومة نتنياهو –راعي التشدد الأول- على مستقبل الكيان الإسرائيليّ المُهدد بالفعل.