الوقت - بعد مرور سبع سنوات على انتهاء العلاقات السياسية بين إيران والسعودية، في الليلة الماضية(الجمعة، 19 آذار/مارس) أعلن الأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، عن الاتفاق بين البلدين.
لطالما كانت العلاقات بين إيران والسعودية مصحوبةً بتحديات، بعد الثورة الإسلامية في إيران، ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق، كانت السعودية، على شكل جامعة الدول العربية، تقدم دائمًا المساعدة لذلك البلد.
لكن هذا لم يمنع إيران من إرسال الحجاج إلى مكة والمدينة. وفي عام 1987، بعد القتل الجماعي للحجاج الإيرانيين في السعودية والهجوم على السفارة السعودية في إيران، قطعت هذه الدولة من جانب واحد علاقاتها مع إيران عام 1988.
وفي عام 1990، أي بعد ثلاث سنوات من مذبحة الحج عام 1987، جرت محادثات بين وزيري خارجية البلدين في مسقط. وبعد هذه المفاوضات، في 27 مارس 1990، تم نشر بيان مشترك حول إعادة العلاقات السياسية بين البلدين بشکل متزامن في طهران والرياض، وفي أبريل 1991 أعيد فتح سفارتي البلدين.
منذ ذلك العام، كانت العلاقات بين البلدين تواجه تحديات، لكنها لم تنقطع. حتى عام 2015، عقب إعدام الشيخ نمر واحتجاج بعض الإيرانيين والهجوم على السفارة السعودية وقنصليتها في مشهد من جهة، وحادثة مطار جدة والاعتداء على الحجاج الإيرانيين من جهة أخرى، وكذلك مجزرة منى وحادثة الرافعة في مكة، تسبب ذلك في قطع البلدين علاقاتهما تمامًا مع بعضهما البعض.
والآن، وبعد سبع سنوات من قطع العلاقات بين البلدين، وقع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني ونظيره السعودي اتفاقيةً في بكين، وتقرر إعادة فتح سفارتي طهران والرياض خلال شهرين في مايو 2023.
وفي هذا الصدد، قال السيد رضا صدر الحسيني، الخبير في شؤون غرب آسيا، حول تاريخ العلاقات بين البلدين: تعدّ العلاقات السياسية والدبلوماسية للدول، من أهم الموضوعات في مجال العلاقات الدولية. وبالطبع، في بعض الأحيان تواجه هذه العلاقات تحديات. والعلاقات السياسية بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية واسعة ولها تاريخ طويل.
وأضاف: من القضايا الجوهرية في العلاقات الإيرانية السعودية، موضوع الحج. ونظراً لكون البلدين مسلمين ووجود بيت الله ومسجد ومرقد الرسول الأکرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن هذه العلاقات تعود إلى سنوات بعيدة. وعلى الرغم من أن هذه العلاقات كان لها دائمًا تحديات، وفي الواقع كان هناك تنافس إقليمي بين البلدين من الفترات الماضية، لكن كبار المسؤولين في البلدين لم يسمحوا قط بقطع العلاقات بين البلدين بشكل كامل.
وفي إشارة إلى مساعدة السعودية للصدام أثناء الحرب المفروضة علی إيران، صرح هذا الخبير في قضايا غرب آسيا: أثناء الحرب المفروضة علی إيران، عندما قدمت السعودية بشكل مباشر مساعدةً كبيرةً للصدام وحزب البعث، لم تنقطع علاقات إيران مع السعودية.
لقد استمرت العلاقات بين إيران والسعودية حتى عام 1987، حتى قتل الحجاج الإيرانيون الأبرياء هناك. ولبعض الوقت، وصلت العلاقات إلى الحد الأدنى، لكن أياً من هذه الأحداث لم يتسبب في قطع طويل الأمد في العلاقات بين البلدين.
في عام 2015، وقع حادث غير مرغوب فيه دون علم وموافقة السلطات الإيرانية، حيث هاجمت مجموعة السفارة السعودية. ورغم أن السلطات الإيرانية لم تؤيد هذا الإجراء، إلا أنه تسبب في قطع العلاقات بين البلدين.
كانت هناك أسباب لهذا التحرك التعسفي، بما في ذلك إعدام آية الله الشيخ نمر، أحد النشطاء الشيعة السعوديين. والسعودية، التي كانت تبحث عن ذريعة للضغط على إيران من خلال نظام الهيمنة، قطعت علاقتها من جانب واحد.
وقال السيد صدر الحسيني: انقطعت العلاقات السياسية بين البلدين لمدة سبع سنوات. بالطبع، كانت المبادرات الإيرانية في هذه السنوات حيث فصلت دبلوماسية الحج عن الدبلوماسية السياسية، وتمكنت من استئناف علاقات الحج وإرسال الحجاج بعد فترة قصيرة من الانقطاع. لكن هذه القضية أحدثت اضطراباً فيما يتعلق بالحج والعمرة وتنقل رجال الأعمال والسياسات المشتركة.
لكن منذ عامين عقدت خمس جولات من المفاوضات في بغداد بمبادرة من إيران والعراق وطلب السعودية، وبوساطة من العراق. وكان تصميم البلدين هو إقامة علاقات سياسية، والتي اكتملت بزيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني إلى الصين والوساطة الصينية للبلدين.
واعتبر صدر الحسيني أن سبب وساطة الصين لإقامة علاقات بين إيران والسعودية، هو قرار دول المنطقة والصين لتقليص النفوذ الأمريكي في المنطقة، وقال: يبدو أن الصين والسعودية قررتا تقليص نفوذ الولايات المتحدة بين الدول الخليجية والدول العربية الحليفة للسعودية.
وأضاف: قبل وساطة الصين، توصل البلدان، السعودية وإيران، إلى استنتاج مفاده بأن تأمين مصالحهما الوطنية والإقليمية هو في إقامة العلاقات وتعميقها. وبناءً على ذلك، فإن رعاية أمريكا لهذه العلاقات ستكون موضع تساؤل بالتأكيد، وهي تظهر تراجع قوة أمريكا ونفوذها في المنطقة، حتى بالنسبة لحلفائها التقليديين، بما في ذلك السعودية.
ووصف صدر الحسيني غياب التواصل بين إيران والسعودية، بأنه السبب الرئيسي لجهود الکيان الصهيوني لكسب المزيد من النفوذ في المنطقة، مضيفاً: المهم الآن هو تأمين المصالح الوطنية والإقليمية والأمن العام في المنطقة، وهو ما يحاول الکيان الصهيوني استغلاله رغم الفجوة في العلاقات بين دولتين مؤثرتين في المنطقة، وهما إيران والسعودية.
وفي الختام، في إشارة إلى الوساطة الصينية والنظام العالمي الجديد، قال: إن المنافسة بين السياديتين وحكومتي الصين والولايات المتحدة، تحولت من المجال الاقتصادي إلى المجال السياسي.
في هندسة القوة العالمية، تحاول الصين خلق تأثيرات سياسية في مجال نفوذ أمريكا، إضافة إلى التأثيرات الاقتصادية. وهذه المسألة مهمة لأن الغرب لم يعد لديه القدرة على إدارة الدول المتحالفة معه.
في النظام العالمي الجديد، يجب على الدول أن تتخلى عن الوهم القائل بأن السبيل الوحيد للتطور والتقدم وتمكين الدول هو مواكبة سياسات الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة.
في الواقع، أظهر هذا الإجراء، الذي تم بوساطة الصين، أن الغرب، وخاصةً الولايات المتحدة، قد تراجع في فرض إرادته على الدول المتحالفة معه. وفي النظام العالمي الجديد، يمكن للدول المستقلة أن تلعب دورًا أكبر وأفضل في النظام العالمي الجديد.