الوقت- بينما تؤكد مصادر لبنانية مطلعة أنه لا يمكن أن نأمل أن يخرج لقاء باريس البلاد من الأزمة، إلا أن الجو الداخلي للبنان غامض للغاية، ولا سيما على مستوى اختيار الرئيس، ولا تزال هذه القضية تدور حول المنافسة غير الرسمية بين جوزيف عون وسليمان فرنجية. وفيما تخطط الجهات الأجنبية الفاعلة في لبنان لعقد لقاء حول هذا البلد الاثنين المقبل في باريس، أعلنت مصادر مطلعة على هذه العملية أنه في ظل غياب مؤشرات إقليمية أو دولية حول قدرة المشاركين في هذا الاجتماع على تحقيق تقدم في القضية اللبنانية، لا يمكننا أن نتوقع الكثير من الاجتماع المذكور.
وحسب هذه المصادر، في ظل وضع يعيش فيه لبنان في فراغ رئاسي منذ فترة طويلة لم تتم دعوة أي ممثل من هذا البلد لحضور اجتماع باريس، الذي سيعقد بحضور ممثلين عن فرنسا وأمريكا والسعودية وقطر ومصر. وفي بيان الخارجية الفرنسية حول لقاء باريس، تم التأكيد على أن هذا اللقاء هو محاولة لتشجيع السياسيين اللبنانيين على إيجاد مخرج من الأزمة التي وقع فيها هذا البلد. لكن الوضع صعب للغاية وربما مستحيل الوصول إلى أي حل في الخارج لهذه الأزمة السياسية في لبنان. وفي هذا الصدد، أفادت مصادر مطلعة أنه لا يبدو أن الحاضرين في قمة باريس، ولا سيما الرياض وواشنطن، لديهم أي نية لاتخاذ أي إجراء لدفع القضية الرئاسية اللبنانية.
محاولة السعودية المتجددة لفرض شروطها على لبنان من خلال لقاء باريس
وحسب هذا التقرير، حاولت فرنسا، خلال الفترة الأخيرة، تشجيع السعودية على الدخول مباشرة في القضية السياسية للبنان، ولا سيما موضوع انتخاب رئيس لهذا البلد، لكن السعوديين وضعوا شروطا تعكس المطالب نفسها السابقة. وفيما يتعلق بالقضية اللبنانية، فإن شروط الرياض هذه هي في الواقع مزيج من البيان السعودي الفرنسي الأمريكي المشترك (الذي عقد قبل بضعة أشهر في اجتماع جدة حول لبنان)، مع "مبادرة دول الخليج الفارسي". وهذه الشروط تتركز في الواقع على المطالب الخارجية من لبنان وتتماشى مع الجهود المبذولة لتحقيق الأهداف السابقة للسعودية وحلفائها في لبنان ولا علاقة لها بتلبية احتياجات هذا البلد أو حل أزمته السياسية. وعشية قمة باريس، تتركز جهود لبنان الداخلية على خلق بيئة تواكب التطورات الإقليمية.
وفي هذا السياق، قرر "وليد جنبلاط" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي التخلي عن استخدام الخيارات والأوراق المحترقة في عملية التصويت لانتخاب رئيس الجمهورية، وأعلن للمرة الأولى "جوزيف عون" قائد الجيش اللبناني كأحد أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية، وقال إنه "الخيار المنشود للفصيل المنتسب إلى الحزب التقدمي الاشتراكي". وعلى الرغم من حقيقة أن تصرف وليد جنبلاط تسبب في تقديم جوزيف عون، المدعوم من جهات أجنبية بما في ذلك السعودية، كخيار جاد لرئاسة لبنان، إلا أنه لا تزال هناك الكثير من الشكوك في هذا المجال وليس من الممكن التحدث عن الفرصة الكبيرة لجوزيف عون للوصول إلى رئاسة هذا البلد. ويأتي دعم جنبلاط لجوزيف عون، فيما لا يزال سليمان فرنجية زعيم حركة «المردة» منافسًا جادًا لقائد الجيش في السباق الرئاسي وله أنصار بارزون مثل حركة أمل وحزب الله.
من ناحية أخرى، صرحت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا في مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية أننا ملتزمون بالوفاء بالتزاماتنا مع شركائنا في منطقة الخليج الفارسي، وخاصة المملكة العربية السعودية، وتعزيز تفاهمنا معهم في المنطقة. إضافة إلى ذلك، فإن الدعاية التي تقوم بها مصادر مقربة من السعودية وخاصة "وليد البخاري" سفير هذا البلد في لبنان بشأن قمة باريس تظهر أن البيان الذي سيصدر في ختام هذه القمة هو خارج إطار البيان الذي قدمته الدول المشاركة في اجتماع جدة بالفعل.
إن التزام لبنان بكل متطلبات مؤتمر الطائف، والتزام لبنان بسياسة التباعد والحياد (في الشؤون الإقليمية) في الكلام والعمل، وتحديد إطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 بشأن نزع سلاح حزب الله، تؤكد أن أبرز شروط هذه "المبادرة" مخالفة لمبدأ سيادة واستقلال هذا البلد. هذا فيما يتوقع أن يرفع اللاعبون الأجانب في لبنان، وخاصة السعودية، سقف شروطهم أمام لبنان في اجتماع باريس.
وأكدت مصادر مطلعة أن الحاضرين في قمة باريس سيكونون أكثر تركيزا على الحديث عن الخطط التي يتعين على لبنان القيام بها للتعامل مع أزماته السياسية والاقتصادية. ولا سيما الإصلاحات التي ستحصل على موافقة صندوق النقد الدولي لإمكانية تقديم مساعدات مالية للبنان. اما «جبران باسیل» رئیس التيار الوطني الحر و سمیر جعجع، كل لأسباب منفصلة، حتى الآن ، هم لا يؤيدون فرنجية ولا جوزيف عون ، وفي الوقت نفسه ، لم يقدموا الخيار الثالث كمرشحهم الجاد لرئاسة لبنان المقبلة.
المنافسة غير الرسمية بين جوزيف عون وسليمان فرنجية في قضية الرئاسة اللبنانية
من جهة أخرى، لم تتخذ الدول الخمس المشاركة في قمة باريس بعد موقفا يعبر عن دعم جاد لخيار الترشح للرئاسة اللبنانية وتفعيل المناقشات حول هذا الخيار. ومع ذلك، لا تزال قضية الرئاسة اللبنانية تدور حول منافسة المرشحين الرئيسيين، وهما جوزيف عون وسليمان فرنجية، وكلاهما لديهما نقاط قوة ونقاط ضعف في هذا المجال، لكن لا أحد منهما قادر على النجاح في ظل غياب التوافق وانعدام اتفاق اغلبية الاحزاب اللبنانية الداخلية وانعدام الدعم الخارج. بمعنى آخر، يتمتع كل من عون وفرنجية بفرص متساوية تقريباً لتولي منصب رئيس لبنان.
وفي غضون ذلك، فإن حزب الله، باعتباره أحد المكونات السياسية المهمة في لبنان، يتمسك بمبدأ التفاوض والحوار، وعلى الرغم من أنه لا يرغب في دعم جوزيف عون، إلا أنه لا يعترض عليه أيضًا ويؤكد أنه لن يفعل، وذلك لانهم يريدون انتخاب الرئيس خارج اطار الاتفاق في لبنان. السيد "حسن نصرالله" الأمين العام لـ "حزب الله" أوضح وشدد على موقف هذا الحزب الواضح من رئيس لبنان المستقبلي، وقال إنه "يجب أن يكون هذا الرئيس من لا يطعن المقاومة في الظهر". حزب الله، الذي حاول دائمًا إقامة علاقة إيجابية وفعالة مع الجيش اللبناني في مبدأ الدفاع عن سيادة البلاد، كان له موقف إيجابي في التعامل مع جوزيف عون كقائد للجيش في السنوات الأخيرة ويقدر علاقاته معه.
كما أن حزب الله يعرف جيداً أن معادلات الجيش تختلف عن البيئة السياسية، ورغم أن جوزيف عون في الجيش اللبناني كانت تربطه علاقات حميمة مع جهات خارجية مثل الولايات المتحدة، فإن دخل القصر الرئاسي اللبناني سيخسر نفوذه في الجيش وينبغي اعتباره بمثابة مسؤول سياسي. لكن رغم كل هذا، إذا أراد حزب الله اختيار شخص واحد بين المرشحين الرئيسيين لرئاسة لبنان، فسيكون بالتأكيد سليمان فرنجية. وكما قيل، ينوي وليد جنبلاط دعم جوزيف عون في السباق الرئاسي بلبنان، لكن موقفه (جنبلاط) يظهر أنه إذا حصل سليمان فرنجية على دعم الأغلبية، فإن الحزب التقدمي الاشتراكي لن يعارضه. وتحديداً خلال الفترة الأخيرة حاول وليد جنبلاط أن ينفصل عن شركائه في 14 آذار وعن أشخاص مثل سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، ولديه تفاعل إيجابي مع حزب الله. إلا أن جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وسمير جعجع ولأسباب منفصلة حتى الآن لا يدعمان فرنجية ولا جوزيف عون، وفي نفس الوقت لم يقدموا الخيار الثالث كمرشحهم المفضل للحزب لرئاسة لبنان المستقبلية.