الوقت- دخل قرار وقف إطلاق النار في اليمن حيّز التنفيذ، ليدخل معه مصير العدوان السعودي على اليمن في نفق مجهول، بإنتظار نتائج المشاورات بين الاطراف اليمنية في سويسرا. مبادرة وقف إطلاق النار التي ستبقى نافذة، على الأقل، لمدّة سبعة أيام بدءًا من الخامس عشر من ديسمبر حتى الواحد و العشرين من ديسمبر 2015م، و في حال نجاح أطراف الحوار في جنيف التي بدأت مشاوراتها اليوم بالتوصّل إلى "إتفاق مبدئي"، فهذا يعني سريان وقف إطلاق النار بشكل نهائي.
الجيش و اللجان الشعبية في اليمن أنهت رحلة ما قبل وقف إطلاق النار بجملة من الرسائل البالستية كان أصعبها "رسالة توشكا" التي أودت بحياة العميد الركن "عبدالله السهيان" قائد العمليات السعودية الخاصة في اليمن، و العقيد الركن سلطان محمد بن هويدن الكتبي قائد القوات الاماراتية في اليمن، إضافة الى عدد من جنود التحالف من مختلف الجنسيات. في المقابل، و كعادتها عمدت الرياض إلى "فش خلقها" عبر جملة من المجازر في العديد من المحافظات اليمنية.
يُرجح العديد من الخبراء أن تتجدّد الهدنة في اليمن، و لو لم يكن التجديد نهائياً، لأن الرياض بحاجة اليوم و أكثر من أي وقت مضى لجردة حسابات، تارةً بسبب ضربة التوشكا، و آخرى بسبب الرسائل البالستية التي تعدّ أولى الخيارات الإسترتيجية الجديدة، رغم أنها عُزّزت بإستراتيجيات أخرى كالبحر و الداخل السعودي. فالجيش و اللجان الشعبية أتقنت جيّداً إستخدام هذه الورقة التي إعتبرت "رسالة الساعات الأخيرة"، و ربّما "الساعات الأولى" في المرحلة اللاحقة من إنتهاء الهدنة، و مزاولة السعودية لعدوانها.
و أما السعودية، التي ظهرت عليها علامات الإرتباك الضعف بعد ضربة شعب الجن بباب المندب، حاولت أن تظهر العكس عبر تأجيل قرار بدء الهدنة من نتصف الليل إلى صباح الثلاثاء، و من ثم إلى الساعة الـ12 ظهراً من اليوم نفسه، و لاحقاً إلى إنتهاك الهدنة في أكثر من جبهة، تارةً عبر القصف من الطائرات و البوارج، و أخرى عبر محاولة مرتزقتها التقدّم على أكثر من محور، إلا أن "رجال الميدان" من الجيش و اللجان الشعبية و اجهت الإنتهاكات بحزم. و هذا إن دل على شيئ فإنه يؤكد عجز الرياض في الرد ميدانياً، لذلك تلجأ إلى أسلوب المماطلة التي يُظهرها للعالم، طرفاً ممسكاً بزمام الأمور في اليمن، لا العكس.
لا ندري ما الذي تربو إليه الرياض حالياً، خاصةً أنها تدرك جيداً أن لحركة أنصار الله و حلفائها اليد العليا في المفاوضات، كما في الميدان. فرغم تأجيلها للمفاوضات الحالية أكثر من شهرين علّها تنجح في السيطرة على محافظة تعز و باب المندب، إلا أن حسابات حقل محمد بن سلمان السعودي، لم تطابق حسابات البيدر اليمني حيث لم يتمكن التحالف العربي رغم التعزيزات الكبيرة من السيطرة على المحافظة الإستراتيجية بسبب المقاومة الشديدة، لا بل على العكس تماماً بات الجيش و اللجان الشعبية على مقربة من قاعدة العند الجوية، فضلاً عن تكبيد المرتزقة و قوات هادي خسائر بالمئات كان آخرها صاروخ "التوشكا" في باب المندب.
لم تقتصر إستراتيجية أنصار الله الميدانية، على التوشكا و الجنوب اليمني، بل تؤكد التقارير العسكرية أن الإستراتيجية الثالثة هي التوغّل في العمق السعودي و السيطرة على بلدات و قرى عديدة في منطقتي جيزان و نجران، مما دفع بوزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف لتعزيز القوات الأمنية المتخصصة في حرب العصابات في الجنوب السعودي.
هذا عن رجال الميدان، و أما عن رجال السياسة في سويسرا، فلا تقل مهمتهم خطورةً، و رغم أن العناوين النهائية لا بد من أن تحتكم للميدان، و لكن هذا لا يلغي أن يسطّروا بطولات "توشكا سياسية" على شاكلة "توشكا الميدان"، خاصةً أن السعودية التي تنتهك الهدنة الميدانية، ستفعل أكثر من ذلك على الطاولة السياسية، وبمؤازرة العديد من الأطراف الدولية.
لم تثمر كافّة الجولات السياسية السابقة إلى ما يصبو إليه أبناء الشعب اليمني، كما أن "رجال السياسة" في حركة أنصار الله و حلفائهم، و اللذين لا تقل بطولاتهم أهميةً عن إخوتهم في الميدان، يدافعون بشراسة عن حقوق هذا الشعب المظلوم، الذي يدفع تكاليف العيش بعزّة و كرامة. اليوم، ما ننتظره من ممثلي الشعب اليمني على طاولة المفاوضات، لا يقل عن ما شاهدنا في بباب المندب، و إخوانهم في الميدان رهن إشارتهم للإنتقال إلى المرحلة الجديدة في الخيارات الإستراتيجية. مرحلة ما بعد "التوشكا"، و ربّما ما بعد ما بعد "التوشكا".