الوقت- بعد الإنتصارات الساحقة التي حققها الجيش السوري خلال الأسابيع الماضية على الجماعات الإرهابية في شمال البلاد، و التي تهدف إلى تغيير المعادلات الميدانية و السياسية التي تسعى من خلالها الأطراف الإقليمية الداعمة للإرهابيين و في مقدمتها السعودية و تركيا و قطر إلى إسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، لاحت مؤخراً بوادر لإعلان تشكيل "إمارة وهّابية" في شمال سوريا مركزها أدلب بقيادة ما يسمى "جبهة النصرة".
و يهدف هذا الإعلان إلى تهيئة الأرضية السياسية لقيام هذه الإمارة بعد إخفاق تركيا بإقامة منطقة عازلة في شمال سوريا و فشل تنظيم "داعش" الإرهابي في تحقيق أهداف الدول الداعمة له في هذه المنطقة، رغم نجاحه بإقامة علاقات تجارية معها من خلال سرقة النفط السوري و تهريبه ليباع في الأسواق العالمية بالتعاون و التنسيق مع الحكومة التركية.
و يسعى حُماة الإرهابيين إلى تهيئة الظروف المواتية لإنشاء "إمارة النصرة" بخطوات تدريجية بينها ظهور زعيم "جبهة النصرة" المدعو "أبو محمد الجولاني" أمام وسائل الإعلام ليعلن عن هذه الإمارة المزعومة، إضافة إلى تشجيع العناصر الإرهابية الوافدة من آسيا الوسطى و القوقاز لترك تنظيم "داعش" و الإلتحاق بهذه الإمارة لتنفيذ عمليات عسكرية ضد الجيش السوري.
و تواجه هذه الإمارة عدّة عقبات رئيسية تحول دون تشكيلها بينها تواصل عمليات الجيش السوري و تحقيقه إنتصارات مهمة و متتالية لاسيّما في ریف حلب الجنوبي و ریف اللاذقیه الشمالي في إطار خطة إستراتيجية تهدف إلى إحكام قبضة الجيش على هذه المناطق التي تتعرض لتهديدات الجماعات الإرهابية بين الحين و الآخر.
و في ظل هذه الإنتصارات لم يبقَ أمام الجماعات المسلحة سوى خيارين؛ إمّا مواصلة القتال ضد القوات السورية و هو خيار يصفه الكثير من المراقبين بأنه أشبه بإنتحار جماعي، أو الدخول في مفاوضات مع القيادة العسكرية السورية للتوصل إلى هدنة. و يتوقع أن توافق القيادة السورية على ذلك لأنه سيتيح لها الفرصة لتطهير مناطق أخرى في حمص و حماة و غيرها من العناصر الإرهابية.
و تجدر الإشارة إلى أن الانشقاقات لازالت مستمرة في صفوف التنظيمات الإرهابية و قد تصاعدت وتيرتها في الآونة الاخيرة ما أدى إلى إندلاع إشتباكات أسفرت عن مقتل و جرح الكثير من العناصر الإرهابية.
و يعتقد الخبراء العسكريون إن العمليات المتواصلة التي ينفذها الجيش السوري في شمال البلاد والتي تمكن خلالها من إغلاق و تحصين أجزاء واسعة من الحدود مع تركيا تهدف بالدرجة الأولى إلى منع الجماعات الإرهابية من إقامة ما يسمى"إمارة النصرة" التي خططت لها السعودية و قطر و تركيا في إطار مؤامرة غربية تقودها واشنطن تهدف إلى تقسيم سوريا من جهة و التضييق على قوى المقاومة من جهة أخرى، خدمة للكيان الإسرائيلي و المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة.
ختاماً لابد من التأكيد على أن النجاحات الباهرة التي حققها الجيش السوري خلال الأسابيع الماضية عززت الموقف السياسي للقيادة السورية و وضعت حدّاً للمؤامرات التي حاكتها أمريكا و أعوانها الغربيين و الإقليميين الذين سعوا طيلة السنوات الخمس الماضية لإسقاط حكومة الرئيس بشار الأسد، ولكن ذهبت جميع محاولاتهم أدراج الرياح بفضل صمود الشعب السوري و قواته المسلحة و دعم الدول الحليفة لسوريا و في مقدمتها إيران و روسيا، و لم يبق أمام واشنطن وحلفائها سوى الإذعان لمنطق العقل و القبول بالحل السلمي لإنهاء هذه الأزمة و فسح المجال للشعب السوري كي يحقق آماله وتطلعات المشروعة في إعادة الأمن و الإستقرار إلى بلاده التي ضحّى بالغالي و النفيس من أجل حفظ كيانها و وحدتها و سيادتها.