الوقت - بعدما قرر النائب الأوروبي السابق، الإيطالي بيار أنطونيو بانزيري وهو زعيم عصابة النفوذ والذي لازمه في الفترة الأخيرة مصطلح (التائب ) أن يمثل ويعترف أمام القضاء البلجيكي، عملت خمسة أجهزة استخبارات أوروبية على تفكيك “عصابة النفوذ” التي كانت تعمل لدول عربية مثل قطر والمغرب ، ويجري التركيز كثيرا على المغرب بعد قرار زعيم “عصابة النفوذ” بانزيري الاعتراف أمام القضاء البلجيكي للحصول على حكم مخفف.
وتنشر الصحافة الأوروبية منذ ما يزيد على شهر تقارير حول تورط دول عربية شراء ذمم مسؤولين من البرلمان الأوروبي على رأسهم إيفا كايلي نائبة رئيس البرلمان، وآخر التقارير الوافية بالمعلومات هي التي نشرتها المجلة الألمانية الشهيرة “ذي شبيغل” في عدد الأخير. وتقول المجلة “حصلت دير شبيغل على مئات الوثائق من التحقيق في فضيحة الفساد التي تجتاح البرلمان الأوروبي. إنها توفر نظرة عميقة على الترويج للنفوذ على نطاق واسع لحفنة من أعضاء البرلمان الأوروبي وتظهر أنه قد يكون هناك المزيد في المستقبل”. وتؤكد المجلة مشاركة خمسة أجهزة استخبارات أوروبية في التحقيق، ويعتقد أنها الفرنسية والإسبانية والإيطالية والهولندية والبلجيكية.
وتركز المجلة كثيرا على المغرب، وترى أن الملف انفجر مع قطر، التي كانت ترغب فقط في تحسين صورتها جراء الوفيات إبان بناء الملاعب التي احتضنت المونديال، ويبرز التحقيق الإعلامي أن الدور المغربي والأهداف التي كان يسعى وراءها أكبر بكثير.
وكان بانزيري، الشخصية المحورية، قد أكد للقضاء البلجيكي الذي يحقق في هذا الملف بأنه مستعد للاعتراف بكل شيء وخاصة علاقاته مع المغرب وقطر، وهذا من شأنه التسبب في أزمة كبيرة مع الدولة والرباط. وتشير التحقيقات أن “عصابة النفوذ” قد تكون تلقت أموالا من دول عربية أخرى وهي موريتانيا والعربية السعودية.
وبينما لا تعتبر الاتهامات ضد موريتانيا والسعودية ثابتة، تبقى الاتهامات ضد المغرب وقطر مؤكدة وباعتراف المتورطين. ومن ضمن العقوبات التي يدرسها الأوروبيون حاليا وخاصة ضد المغرب تقليص حجم البعثة الدبلوماسية وفرض عقوبات قد تستهدف تقليص التعاون الاستخباراتي وعقوبات على أفراد.
ومن جراء تداعيات هذه الفضيحة، إدانة البرلمان الأوروبي للمغرب يوم الخميس الماضي بسبب الخروقات التي استهدفت صحفيين بتهم جنسية يعتقد أنها مزيفة. وفرض عقوبات على المسؤولين المغاربة، يكون المغرب قد خسر سنوات طويلة من تشييد اللوبي وسط أوروبا.
وقرر بانزيري، الرقم واحد في فضيحة فساد البرلمان الأوروبي التي تورط فيها نظام المخزن المغربي، إفراغ خزانة أسراره، بعد اتفاقه مع العدالة البلجيكية على التعاون مقابل تخفيف العقوبات التي يُتوقع تسليطها عليه بسبب الفساد السياسي. وبعد ما يقارب الشهر من وجوده في السجن في بلجيكا، وافق النائب الأوروبي السابق، أنطونيو بانزيري، على التعاون مع المحققين في العدالة البلجيكية فيما عرف بـ”موروكو غيث”، حيث تعهد بكشف جميع أفراد الشبكة التي كان يتعامل معها، والجهات التي سلمت له الأموال، وكذا الدول التي كانت شبكته تعمل لمصلحتها داخل البرلمان الأوروبي، عندما كان نائبا لرئيس لجنة حقوق الإنسان في الهيئة التشريعية الأوروبية، مقابل أحكام مخففة.
وقبض على النائب الأوروبي السابق متلبسا برشوة، هي عبارة عن أموال ناهزت المليون يورو، حصل على بعضها من السفير المغربي في بولندا، عبد الرحيم عثمون، وذلك استنادا إلى كاميرات ثبتتها مصالح الأمن البلجيكية في “الفيلا” التي يقيم فيها برفقة عائلته في بروكسل، وهي الفضيحة التي جرّت معه إلى العدالة زوجته وابنته أيضا.
وقالت النيابة العامة البلجيكية إن النائب الأوروبي السابق “يتعهد بإبلاغ المحققين والعدالة بتفاصيل العمليات المالية التي تورط فيها، وكذا الجهات المستفيدة” من هذا المخطط الإجرامي، فيما قالت النيابة العامة البلجيكية إن تصريحات بانزيري ينتظر أن تكون “جوهرية وكاشفة وصادقة وكاملة” بشأن تورطه في فضيحة الفساد التي هزت عرش البرلمان الأوروبي.
وتنص “المذكرة” التي وقعها بانزيري، برفقة محاميه والمدعي العام الفيدرالي البلجيكي، على أنه يجب على عضو البرلمان الأوروبي السابق إبلاغ كل من المحققين والعدالة البلجيكية بكل خيوط الفضيحة مثل “طريقة العمل”، والاتفاقيات المالية مع الدول المتورطة والعمولات التي كان طرفا فيها، على أن تكون العقوبة التي يتلقاها بانزيري نافذة، لكنها لا تتعدى سنة واحدة وغرامة مالية ومصادرة جميع الممتلكات المكتسبة التي تقدر قيمتها حاليا بنحو مليون يورو. كما يتعهد بانزيري أيضًا، وفق ما جاء في بيان النيابة العامة البلجيكية، بتقديم معلومات عن “المستفيدين من العمولات التي صرفت والمزايا المقدمة”، وكذا قائمة الأشخاص المعروفين والذين لم يتم التعرف عليهم من أعضاء الشبكة التي ينتمي إليها في إطار التحقيق، الذي يضعه على رأس منظمة إجرامية والمشاركة تنشط في إطار غسيل الأموال والفساد السياسي.
ويعتبر الاتفاق المبرم بين بانزيري والعدالة البلجيكية، الثاني من نوعه في تاريخ القضاء البلجيكي، وهو إجراء يساعد المحققين إلى الوصول إلى الأطراف المتورطة في هذه الفضيحة، ما يعني أن نظام المخزن بات على فوهة بركان العدالة البلجيكية، وفي مرمى المؤسسات السياسية للاتحاد الأوروبي.
وفي وقت سابق، كشفت وسائل إعلام أوروبية مختلفة عن مصادر في العدالة البلجيكية، أن التحقيقات أفضت إلى تورط جهات رسمية مغربية، ممثلة في المخابرات العسكرية الخارجة (المديرية العامة للدراسات والتوثيق) في توريط نواب أوروبيين في فضائح فساد سياسي، مقابل الدفاع عن مصالح نظام المخزن في البرلمان الأوروبي، كما تحدثت تلك التقارير عن إصدار العدالة البلجيكية مذكرة توقيف دولية بحق الرجل الأول في المخابرات المخزنية، محمد ياسين المنصوري، وأحد أعوانه يدعى محمد بلحرش، في إطار التحقيق في هذه الفضيحة.
وقررت محكمة بلجيكية، وفق الإعلام المحلي، رفع الحصانة البرلمانية عن عضوين في البرلمان الأوروبي، لمتابعتها بتهم تتعلق بالمشاركة في شبكة فساد، تعمل لفائدة النظام المغربي.
وحسب المصادر، فإن الأمر يتعلّق بالنائب البلجيكي مارك تاباريلا، والإيطالي أمدريا كوزولينو، وكلاهما على علاقة مع بيار أنتونيو بانزيري، العضو السابق في البرلمان الأوروبي، المتّهم هو الآخر في القضية نفسها.
ونقل موقع “أر تي بي أف” البلجيكي عن أحد الشهود في القضية، وهي البرتغالية آنا غوميز، التي انتخبت في البرلمان الأوروبي لمدة 15 سنة، أن بانزيري “كان يعمل لصالح المغرب، للتأثير على السياسات الأوروبية”.
وقالت غوميز في شهادتها للموقع “في كل مكان، كان هذا النائب الإيطالي (بانزيني) يعمل على عرقلة أي مبادرة (في البرلمان الأوروبي) تمسّ بالمصالح المغربية، سواء تعلّقت تلك المبادرات بمسائل حقوق الإنسان، أو بقضية الصحراء الغربية”.
وتابعت البرتغالية“لقد تلقّيت منه ومن أعضاء آخرين في البرلمان الأوروبي، دعوات مغرية لزيارة المغرب، لقد كانت رحلات مدفوعة بالكامل من النظام المغربي، لكنني لم أقبل أيّا منها، لأنني كنت أعلم بأنها تهدف إلى اغرائنا”.