الوقت_ مؤخراً، تحدثت وسائل إعلام عربية عن بدء هجرة مقاتلين أجانب من الجماعات المتشددة من محافظة إدلب السوريّة والواقعة على الحدود مع تركيا وغيرها من المناطق الخاضعة للسيطرة التركيّة والمتعاونين معها شمال وغرب سوريا، نحو أوكرانيا لقتال الجيش الروسي هناك، وأفادت بأنّ معظم الذين ينتقلون الى شرق أوروبا هم من مقاتلي المجموعات الشيشانية والقوقاز ومقاتلين من الاوزبك والطاجيك ومجموعة من المقاتلين الالبان، وينتمي الغالبية العظمى من هؤلاء المقاتلين الى صفوف ما تعرف حاليّاً بـ “هيئة تحرير الشام” أي “جبهة النصرة” المرتبطة بتنظيم القاعدة ويتزعمها “أبو محمد الجولاني”، فيما تشير تقارير أُخرى إلى أنّ مناطق سيطرة الجماعات المتطرفة في الشمال السوري أعلنت عن مغادرة عشرات من المقاتلين الأجانب منذ مطلع العام الحاليّ، ويعتبر هؤلاء المقاتلين حسب تتبع تفاصيل المعارك في السنوات الفائتة في سورية الأكثر شراسة وخبرة في فنون القتال وحرب الشوارع.
بعد أن كانت محافظة إدلب السوريّة ساحة مفتوحة أمام مختلف التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها تنظيم القاعدة المتطرف لمدّة طويلة، باتت الجماعات الإرهابيّة فيها تشكل خطراً حقيقيّاً على سوريا وأمنها القوميّ وعلى الدول المجاورة بشكل كامل، لكن الأوضاع الحاليّة والتغيرات العسكريّة والسياسيّة رفعت من نسبة قيام الجماعات المتشدّدة والمحظورة دوليّاً بإرسال الإرهابيين الأكثر خطورة إلى أوكرانيا، وخاصة أنّ هذه المحافظة المرهونة بيد الإرهاب تعتبر مقراً كبيراً للتنظيمات الإرهابيّة بمختلف مشاربها، حيث يتحدث ما يسمى "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أنّ عدد المغادرين بلغ أكثر من 170 غادروا الأراضي السورية على دفعات منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجميعهم من القوقاز والشيشانيين، اتجهوا نحو إحدى الدول الأوروبية بناء على ضغوطات وطلب من قبل جبهة النصرة.
وووفقاً لتقارير إعلاميّة، إنّ أكثر من 10 آلاف مقاتل يعملون في صفوف الجماعات الإرهابيّة في محافظة إدلب التي تسيطر ما تُسمى "هيئة تحرير الشام" على أجزاء كبيرة منها، وقد انشقت بشكل رسميّ عن تنظيم القاعدة الإرهابيّ، إلا أنها لا تزال تعتبر في كثير من الدول بمثابة الفرع السوريّ للتنظيم، فيما يضم ما يعرف بـ "الحزب الإسلاميّ التركستانيّ" في صفوفه بسورية ما يزيد على 1500 مقاتل، مقابل نحو 1000 مقاتل لتنظيم "حراس الدين"، مع غياب أيّ معلومات أو بيانات دقيقة عن أعداد مقاتلي تنظيم "داعش" الإرهابيّ والتي تُقّدر بالمئات، وتضم إدلب أيضاً ميليشيات تدعي انفصالها عن تنظيم القاعدة، تعدادها 55 ألف مقاتل تقريباً، والجماعة الأقوى بينهم هي "الجبهة الوطنية للتحرير"، بما يصل إلى 50 ألف شخص، وهي عبارة عن تحالف "جماعات إسلاميّة معتدلة" حسب زعمهم.
وفي الوقت الذي باتت فيه إدلب بوابة لتصدير المقاتلين المتشددين عقب حرب مستمرة منذ 12 عاماً في سوريا، من غير المعروف حتى تاريخ كتابة هذا التقرير آلية انتقال المقاتلين الخطرين والذين تصنفهم دول العالم إرهابيين من ادلب شمال سورية الى شرق أوروبا، وما اذا كانت جهات استخبارية أمريكية أو غربية تعمل على اشراك هؤلاء المقاتلين في الحرب ضد القوات الروسية بشكل منظم، وتكرار نموذج الحرب السوفيتيّة على أفغانستان، حيث صنعت الاستخبارات الأمريكية في ذلك الحين تنظيم القاعدة بالتشارك مع الاستخبارات السعودية والباكستانية لهزيمة السوفييت في أفغانستان، وبعد أن تحقق ذلك سعت واشنطن للقضاء على التنظيم بشن غزو مباشر لاحتلال البلاد، وملاحقة مقاتلي القاعدة، وبالتالي لا يعرف أحد إن كانت هذه المجموعات تقاتل تحت إمرة الجيش الأوكراني أو بالتنسيق مع حلف الناتو، فقد سبق أن قاتل أقران أولئك المتشددين في ليبيا تحت إمرة الناتو.
وبالاستناد إلى تلك المعلومات، باتت أوكرانيا عنواناً عريضاً مرتبطاً بمعارك بعض مناطق الشرق الأوسط الذي تسيطر عليه الجماعات الإرهابيّة، حيث أشار السلفي المنشق عن إرهابيي تحرير الشام “علي العرجاني” على منصة تلغرام إلى ذلك بالقول: “يغادر جماعة القوقاز والألبان إدلب إلى أوكرانيا، لأنهم وجدوا بأن أوكرانيا أكثر حرية لهم من إدلب، والمعارك فيها حقيقية، ويبدو أنهم يسيرون على فتوى القيادي "أيمن هاروش" القديمة، بأن الخروج نحو ما يطلقون عليها "بلاد الكفار" أفضل من الجلوس في إدلب تحت سلطة زعيمهم أبو محمد الجولاني، وقد انتشر تسجيل مصور يظهر فيه عبد الحكيم الشيشاني (رستم أزيف) زعيم جماعة اجناد القوقاز هو ومجموعته يقاتلون ضد القوات الروسية في مدينة "باخموت" الأوكرانية، ونشرت وسائل اعلام روسية التسجيل المصور مشيرة الى ان الولايات المتحدة بدأت بجلب الجماعات الإرهابية لدعم الجيش الاوكراني.
وعلى هذا الأساس، سادت حالة من الخلافات العارمة بين بعض هذه الجماعات التي تقوم على المقاتلين الأجانب وبين هيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني في شمال سوريا، اذ حاول الجولاني تدجين وضبط هذه المجموعات في سياق التغيرات التي طرأت على نهج الجولاني في محاولة لدخول الفضاء السياسي وإرضاء تركيا من جهة ومغازلة الولايات المتحدة من جهة ثانية لضمان تثبيت سيطرته على إدلب وبعض أرياف الشمال السوري، لكن خواتيم هذا القضية تعني باختصار أنّ سوريا لم تعد القبلة الأهم بالنسبة لإرهابيي العالم بالتزامن مع التقاربات التركيّة - السوريّة، وأنّ الولايات المتحدة ومن يدور في فلكها هم من يحددون وجهة الإرهابيين وفقاً للملف الأهم بالنسبة لهم.