الوقت_في البداية لابد من الإشارة إلى أن موضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني يشكل تهديداً حقيقياً لثوابت الشعوب العربية والإسلامية، حيث إن التطبيع الذي قامت به بعض الأنظمة الخليجية يعتبر خيانة للقضية الفلسطينية، وما لا يخفى على أحد أن التطبيع الذي تم خلال السنوات الاخيرة الماضية، ينصب في مصلحة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا يمكن القول بوضوح إن تطبيع بعض الانظمة العربية مع الكيان الصهيوني هو قضية مخزية، وخيانة كبرى للشعب الفلسطيني، ورغم الهرولة التي قامت بها تلك الأنظمة لكن في الواقع إن الشعوب العربية والإسلامية ترفض التطبيع مع العدو الصهيوني بكل صوره، وهذا بحد ذاته يؤكد أن الأنظمة التي انخرطت في مسار "اتفاقيات أبراهام" التطبيعية أنظمة معزولة شعبياً، ولا تحظى خطواتها تجاه العدو بالحد الأدنى من الشرعية الشعبية، وأنه لو توافرت بيئة ديمقراطية في أنظمتها السياسية، لما أقدمت تلك الأنظمة على إبرام اتفاقيات التطبيع.
الكيان الصهيوني وبعد التطبيع الذي تم مع بعض الانظمة الخليجية راهن كثيراً على استمرار عملية التطبيع حيث كان التفاؤل الصهيوني خلال هذا العام واضحاً على قادة الكيان الصهيوني من خلال استغلال وتحويل مونديال قطر 2022 إلى فرصة للتطبيع و لطالما راهن قادة الكيان الصهيوني على كأس العالم لتسويق التطبيع ، آملين أن تصادق الشعوب العربية على ما وقعته بعض الأنظمة من اتفاقيات تطبيعية، ولكن السحر انقلب على الساحر ، فاعترفت قناة " إسرائيل 24 " أن الأنظمة في واد ، والجماهير في واد آخر !.
اعتراف "إسرائيلي" بـ "فشل مشروع التطبيع"
رغم أن السنوات الأخيرة شهدت نمواً متزايداً في الخيانة والسقوط في مستنقع التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وعلى الرغم من تعدد الدوافع، واختلاف الأسباب التي سعت الأنظمة المطبعة لاستخدامها لتبرير تطبيعها مع كيان الاحتلال والسقوط في خطيئة التطبيع الا أن النتائج كانت عكسية على من قام بالتطبيع حيث أظهرت الشعوب العربية والإسلامية رفضها المطلق للتطبيع مع الصهاينة وهذا ما شهدناه موخراً خلال مونديال قطر 2022 ، حيث صرح الصحفيون «الإسرائيليون» بذهولهم من رفض استجابة الشعوب العربية والإسلامية في المونديال لمقابلات «إسرائيلية» ولو أسئلة أو تصريحا، وخلص صحفي إسرائيلي إلى أن (العرب يرفضون الاستجواب والاستجابة إذا علموا أننا من إسرائيل، بل يحتجون ويبغضون إسرائيل علماً أن حكامهم طبّعوا وقبلوا). ورصد الصحافي «الإسرائيلي» أن الأنظمة العربية طبعت وأن الشعوب العربية لم تطبع، أيّ الشارع شيء، ورأي الحكومة شيء آخر، وكأنّ «إسرائيل» كذبت عليهم الأنظمة بتقرير مزيف عن شعوبها…
نعم هذه هي الحقيقة التي تم رصدها في حوارات ومقالات، التطبيع هو عبارة عن تحقيق علاقات بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني لكسر الرواية المشوهة عن «إسرائيل»، لكن المونديال ومظاهر مناهضة التطبيع ونصرة فلسطين أظهر أنّ الأنظمة العربية، كانت تكذب على الكيان الصهيوني وكان الحكام المطبّعون يقدمون له أماني معسولة، ليكسبوا دعماً وسنداً صهيونياً ويحققوا مصالح أمنية في بلادهم لحماية عروشهم، وكانت الأنظمة العربية تقدّم تقارير خاطئة عن الشعوب العربية وأنها قابلة للتطبيع، لذلك كانت الصدمة كبيرة من المذيعين «الإسرائيليين»، الذين حضروا بشكل منظم في قطر وربما بنشوة فرحة، ليلتقطوا ثمرة صفقة قرن واتفاق أبراهام وقمم واتفاقات، لكنهم صدموا بالفعل.
مونديال قطر 2022 كشف هشاشة التطبيع
راهن الإسرائيليّون على أن مونديال قطر الذي أُقيم في الدوحة مُنذ شهر تقريبًا سيكون مونديال حصاد ثمرة اتّفاقات “سلام أبراهام” مع بعض الدّول الخليجيّة والمغرب والسودان، وتتويجًا للتّطبيع العربي الإسرائيلي ، وتوقيع اتّفافات جديدة لهذا السّلام، لما تبقّى من دُوَلٍ عربيّةٍ، وخاصَّةً السعودية ، ولكن جاءت النتائج مختلفة تماماً حيث كشفت موخرا صحيفة “معاريف” الإسرائيليّة عن تشكيل جمعيّة يهوديّة جديدة اسمها “نُغادر البِلاد سَوِيًّا” وتهدف إلى جمع 10 آلاف إسرائيلي وتسهيل هجرتهم إلى أمريكا،.مجلّة “ذا انترسيبت” الإلكترونيّة المعروفة نشرت تقريراً مطولاً في عددها الأخير عن الرّفض العربي الحاسِم للتّطبيع مع الكيان الصهيوني، وقالت إن إسرائيل مَرفوضةٌ ومَكروهةٌ في مُحيطها العربيّ بعد تظاهر الغالبيّة السّاحقة من المُشجّعين دعمًا للفِلسطينيين ورفع أعلامهم في الملاعب ورفضوا الاعتِراف بوجودِ كيانٍ اسمه إسرائيل.
وفي هذا السياق وفي الوقت الذي رتب صحفيو الاحتلال الصهيوني أوراقهم للمشاركة في السبق التطبيعيّ ، ونقل الحدث الموعود ، كانت الصدمة كبيرة بالسنبة لهم حيث حول المشجعون المونديال إلى حب فلسطين ، وهنا يمكن ذكر بعض الامثلة التي صدمت الصحفيين الصهاينة ففي الوقت الذي ذهبت كبرى صحف الاحتلال " يديعوت أحرانوت " ، والتي تساءلت : لماذا يكرهنا العرب ؟ فأتاها الجواب من فتاة يابانية رفضت لقاء مراسل محتل .. ومن مشجع برازيلي غنى مع الجماعة : أنا دميّ فلسطيني ، ليصبح السؤال الأكثر جدوى : لماذا يكرهنا اليابانيون ، والبرازيليون ؟ .. قبل الصدمة الكبرى ، التي جاءت من مشجع انجليزي هتف لفلسطين على الهواء مباشرة ، ومشجعة ايرلندية توشحت بعلم فلسطين .ولأن البث كان مباشراً لم تستطع قناة كان الاحتلالية حذف هتاف المشجع الانجليزي هاري هاتون " الحرية لفلسطين " بعد فوز انجلترا على السنغال بالثلاثة ، وانتشر المقطع عبر منصات التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم ، وحقّق مئات الآلاف من المشاهدات ، ليعبر هاتون عن سعادته من الردود ، التي قابلت تصريحه للقناة العبرية ! من جهةٍ اخرى ونتيجة لاحتضان الجماهير العربية وغير العربية لعلم فلسطين ، وكوفية الفدائي الفلسطينية ، ذهب متابعون إلى تشبيه المونديال بستاد كبير احتضن مباراة فلسطينية إسرائيلية ، وانتصر فيها الفلسطينيون بنتيجة عريضة ، لأن ما حصل في مونديال قطر هجوم معاكس على التطبيع .
الشعب المغربي من الشعوب المناهضة للتطبيع
الشعب المغربي كما كل الشعوب العربية لطالما كان ولا يزال يناصر شعبنا الفلسطيني في استعادة حقوقه المشروعة في أرضه ودولته المستقلة وعاصمتها القدس، فخلال الفترة الماضية، توالت ردود الفعل المغربية الرافضة والمنددة لهذا التطبيع سواء من ساسة أو مثقفين أو مواطنين وهذا إن دل على شيءٍ فإنما هو دليل واضح على أن مواقف الشعوب العربية ثابتة تجاه القضية الفلسطينية خلافاً للموقف الرسمي في بلادهم. موخراً وفي سياق التقرير الذي نشر على الصحف العبرية فإن أخطر وأهم ما في هذا التّقرير ، هو نشر نتائج استِطلاعات تقول إن 88 بالمِئة من المغاربة ضدّ التّطبيع والاعتِراف بإسرائيل، وفي تونس حواليّ 89 بالمِئة من التّوانسة أيضًا، والشّيء نفسه في قطر، ومن المُفارقة أن جاريد كوشنر مُستشار الرئيس السّابق دونالد ترامب وصِهره ومُهندس اتّفاقات سلام أبراهام وزوجته إيفانكا وأطفالهما الثّلاثة، كانوا يتواجدون في الدوحة وسط الجماهير الكرويّة المُتابعة، ولا نعرف إذا كان قد لمس هذه الحقائق بنفسه وبأُمِّ عينه أم لا؟
سيناريوهات تهديد خطيرة يوجهها الكيان الصهيوني
إن الكيان الصهيوني يعلم جيداً أنه يواجه تهديدات خطيرة تهدد بقاءه وإن هذه التهديدات بعضها داخلية وبعضها خارجية. أما بالنسبة للتهديدات الداخلية فتتمثل بحالة تنامي العمليات ضد كيان الاحتلال الصهيوني في المناطق المحتلة حيث إن العمليات الاخيرة أحدثت رعباً لدى الكيان الصهيوني وأثبتت فشل ما تسمى الاجهزة الامنية التابعة للكيان الصهيوني و من جهةٍ اخرى اخرى فإن رفض الشعوب العربية والإسلامية للتطبيع مع الكيان الصهيوني والذي كان واضحا خلال مونديال قطر 2022 أكد أن تلك الشعوب مازالت تحمل قضية فلسطين قضية مركزية بعكس حكامها، وفي هذا السياق يمكن القول ايضاً إن ترسانة المقاومة العسكرية تمثل قوة وردعا للكيان الصهيوني وخاصة أن حركات المقاومة أعلنت مراراً وتكراراً أن جميع الأرضي المحتلة أصبحت تحت مرمى نيران المقاومة.
في الختام يجب على قادة الاحتلال الصهيوني استيعاب الدرس ، والبحث عن الأسباب الحقيقة لرفض الشعوب العربية والإسلامية في العالم للتطبيع ، فلا غرو أنّ لكرة القدم فوائد كثيرة ، ولعل أهم إنجازات المونديال القطريّ أنّه عزل المطبعين ، ونقل لقادة الاحتلال رسالة واضحة ، ملخصها أنّ هناك استحقاقات كثيرة تسبق التطبيع ، إذا هم أرادوا العيش بسلام في المنطقة العربية ، وأولها التوقف عن ارتكاب المجازر ، وإعادة الحقوق ، التي أقرتها المواثيق الدولية للشعب الفلسطيني.