الوقت - بعد 17 شهراً على شغور منصب رئاسة الجمهورية في لبنان، سطع نجم الزعيم المسيحي سليمان فرنجية، كرئيس توافقي بعد لقائه مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وقد إتفق الجانبان على تولي فرنجية الرئاسة، مقابل تولّي الحريري رئاسة الحكومة.
إلا أن "طفرة أسهم" فرنجية التي كانت تنتظر قدوم الرئيس سعد الحريري إلى بيروت، وموافقة بقيّة الأطراف في كل من 8 و14 آذار لم تدم طويلاً، بل تبيّن أن الأجواء التي أُشيعت قبل أيام حول "سيّد القصر الجديد" مبالغ فيها، خاصّة أن العديد من القوى الأساسيّة في كل من 8 آذار و14 أذار لم تكن على علم بطبخة "الدليفري" التي وضعت على مائدتهما، وبات هناك من يُجبِرُهما على تناولها .
الرئيس الحريري أجّل "رحلة العودة" إلى العاصمة اللبنانية بعد "احتراق الطبخة"، التي حرقت، مرحلياً، طموحاته الرئاسيّة (الحكومة اللبنانية)، إضافةً إلى إستخدام البعض، وحتى من المحسوبين على 14
أذار، إسم فرنجية للتصويب على الحريري بإعتباره وافق على أكثر الشخصيات اللبنانية قرباً من الرئيس السوري بشار الأسد، مما سيؤثر بشكل أساسي على رصيده الشعبي الذي شهد تراجعاً ملحوظاً في السنوات الأخيرة.
الاهداف "الحريريّة"
رغم أن البعض وجد في مبادرة الحريري حركة "بريئة" وشخصية، تهدف للوصول إلى رئاسة الحكومة لمواجهة الأزمة المالية التي يعاني منها، إلا أن هذه المبادرة هدفت بشكل رئيس لإيجاد شرخ حقيقي بين قوى الثامن من أذار، خاصةً أن الحريري يدرك حساسية الوضع بين عون وفرنجية، وضعف الأخير امام الجنرال عون على الساحة المسيحية مقابل إصرار زعيم التيار الوطني الحر على الوصول إلى سدّة الرئاسة، وهذا ما ظهرت تداعياته في كلام رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل الذي أكّد أن "التضحية بالذات من أجل الصالح العام هي واجب، إنما التضحية بالذات من أجل مصالح الآخرين هي تخلٍ عن الناس والقضية والمشروع " ، مشيراً إلى أنّ "مرحلة تقاسم الأدوار ولّت ولن نقبل بالفتات، لأننا أصحاب الحصة الشعبية وما يريد الناس".
الكنيسة المارونية وجدت في المبادرة فرصة ثمينة حيث حاولت الضغط على كافّة الأطراف المسيحية ودعت لـ"درس المبادرة بجدية والتحاور والتشاور بشأنها" بغية وضع حد للشغور الرئاسي المستمر منذ مايو/ أيار 2014، إلا أن المفاجئة التي تفجّرت بوجه الحريري تمثّلت برفض المكونات المسيحية الأكبر في قوى 14 آذار، أي حزب القوات اللبناني وحزب الكتائب، لطبخة "الحريري-فرنجية"، لتصبح بذلك الكرة في ملعب 14 آذار، فحتّى لو وافق الجنرال عون على الرئيس فرنجية، هل بإستطاعة الحريري ترك حلفائه في منتصف الطريق والمضي بالرئاسة والحكومة دونهما؟
قد لا نعلم الرئيس المرتقب للجمهورية اللبنانية، إلا أن ما هو مؤكد أن مبادرة الحريري التي أثرت بشكل أو بآخر على العلاقة بين فرنجية وعون، رغم حرص الطرفين على إصدار المواقف تؤكد ان الخلاف لن يصل الى حد الفراق، وما هو واضح اليوم، وأكثر من الماضي، الخلاف الحقيقي بين الحريري ومسيحيي 14 أذار عموماً، وسمير جعجع على وجه الخصوص حيث تؤكد مصادر مطلعة أن "الخلاف بين "المستقبل" وحليفه حزب "القوات اللبنانية" بلغ مرحلة متقدمة، الى درجة أن أوساط الحزبين أخذت تتحدث بلهجة غير مسبوقة عن تدهور العلاقة بينهم. ولكن يبقى ما هو غير معلوم، كما هو الحال دائماً، موقف رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي يحاول أي يبقى "بيضة القبان" في ميزان السياسة اللبنانية.
هنا يمكن التوقّف عند موقف حزب الله الذي يفوّض العماد ميشال عون في ملف الرئاسة اللبنانية، رغم موافقته على سليمان فرنجية، ولعل هدفاً آخر من أهداف المبادرة الحريرية يتمثّل بإيجاد شرخ بين حزب الله وحلفائه والمسيحيين، فلو وافق على فرنجية ستضطرب علاقاته مع العماد عون، وكذلك العكس، إلا أن رد حزب الله قطع الطريق على أهداف المبادرة الحريرية.
عند الدخول في هويّة الرئيس الجديد، يتبيّن أن حظوظ فرنجية ستتخطى حليفه عون في ظل إصرار العديد من القوى سواء في 8 آذار أو 14 آذار، أو ما بينهما، وليد جنبلاط، على وصول "الجنرال" إلى سدّة الرئاسة. البعض يرى أن إنتخاب فرنجية رئيسا للجمهورية مسألة وقت، الذي يعد عنصراً رئيسياً في العملية، وربّما نشاهد الحريري في بيروت يعلن رسمياً ترشيحه للرئيس(الوزير) فرنجية، إلا أن هذه المبادرة ستكون القشّة التي تقصم ظهر "14 آذار".