الوقت - الحكومة الألمانية، التي كانت تتعامل مع أزمة الطاقة والاحتجاجات المناهضة للحكومة على مستوى البلاد في الأشهر الأخيرة، تحدثت الآن، في حدث غير مسبوق في العقود الماضية، عن احتمال حدوث انقلاب في الجيش.
نشرت وسائل الإعلام، الأربعاء الماضي، خبرًا عن تحييد الانقلاب في ألمانيا. وأعلنت الشرطة الألمانية أنها ألقت القبض على 25 متطرفًا، يشتبه في تخطيطهم للإطاحة بحكومة البلاد من خلال انقلاب عنيف، عبر عملية واسعة النطاق.
وداهم حوالي 3000 شرطي في وقت واحد 130 مكانًا، واعتقلوا مخططي الانقلاب وحيَّدوا عملياتهم. وحسب السلطات الألمانية، فإن المتطرفين کانوا يعتقدون أن بعض القوى الأمنية ستعلن تضامنها معهم، وتقوم بانقلاب.
وأعلن المدعي الفيدرالي الألماني أن المجموعة کانت تخطط لتشكيل حكومة عسكرية مؤقتة وإنشاء نظام جديد في ألمانيا، من خلال التفاوض مع القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، مثل روسيا والولايات المتحدة.
أيضًا، بناءً على المعلومات التي تم الحصول عليها، خطط أعضاء هذه المجموعة لمهاجمة مبنى البوندستاغ(البرلمان الألماني) بمساعدة مجموعة مسلحة صغيرة.
واللافت في الأمر أن العديد من المعتقلين هم موظفون في الجيش الألماني، ما يدل على أن هذه المجموعات تمكنت من التسلل إلى الجيش. ومن بين المعتقلين امرأة روسية، کما اعتقل مواطنان آخران في النمسا وإيطاليا.
وأعلن مكتب المدعي العام الاتحادي في ألمانيا، أن المواطنة الروسية متهمة بالتوسط بين قيادات هذه المجموعة ونواب روس، لكن لا توجد وثيقة تؤكد أن مسؤولي حكومة موسكو يؤيدون تصرفات هذه المرأة.
وفي هذا الصدد، أصدرت السفارة الروسية في برلين أيضًا بيانًا أكدت فيه، أن هذا الحدث شأن ألماني داخلي، وأن المكاتب الدبلوماسية والقنصلية الروسية ليس لديها اتصال بممثلي أي جماعة إرهابية، أو أي كيان آخر غير قانوني.
وذكر المعتقلون في اعترافاتهم الأولى، أنهم مرتبطون بالجماعة المعروفة باسم حركة "مواطني الرايخ". وردَّت وزارة الدفاع الألمانية على اعتقال جندي على صلة بمحاولة الانقلاب في هذا البلد، وقالت "إننا لن نتسامح مع أي تطرف في الجيش، وسنتعامل مع جميع المتورطين في الانقلاب."
وهناك معتقل آخر هو عضو سابق في المظليين، كان من المفترض أن يقود الجناح العسكري لهذه الحركة في المستقبل. وقال مسؤولون ألمان إنه كان يحاول تجنيد الشرطة وقوات النخبة السابقة لإدارة الجيش بعد الانقلاب، وحدد ثكنات يمكن استخدامها بعد الإطاحة بالحكومة، حتی أنهم فكروا في استخدام القوة القسرية لقتل الناس.
تعدّ بداية نشاط أنصار النازية في ألمانيا من أولی شظايا الحرب الأوكرانية، والتي أظهرت نفسها في وقت أبكر مما كان متوقعًا. وفي الأشهر الأخيرة، نزل العديد من الألمان إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم واشمئزازهم من دعم الحكومة لأوكرانيا، والمطالبة بإنهاء المساعدات المالية والتسليحية.
ووفقًا للمعارضين، لم يكن هذا الدعم مفيدًا للغربيين فحسب، بل أدى أيضًا إلى حدوث الأزمة في مجالي الاقتصاد والطاقة في القارة الخضراء، حيث يعيش ملايين الأشخاص في أسوأ الظروف الاقتصادية.
من هم "مواطنو الرايخ"؟
على الرغم من أن العديد من الألمان يعبرون عن براءتهم من الحكومة النازية بقيادة أدولف هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، ولکن لا يزال هناك من يؤمن بمعتقدات النازيين، ويعتبرون ألمانيا النازية أقوى حكومة وفخر بأرضهم.
وفقًا للمراقبين، هناك حركة في ألمانيا غير راضية عن أوضاع البلاد بعد الحرب العالمية الأولى، ولديها شعور بالحنين إلى الماضي البعيد. يُطلق على أعضاء هذه المجموعة اسم "مواطني الرايخ"، ويقدر أن حوالي 20 ألف شخص لديهم ميول فكرية تجاه هذه المجموعة اليمينية المعارضة للنظام.
إن حركة "مواطني الرايخ"، التي يقودها رجل يبلغ من العمر 71 عامًا يُدعى "الأمير هاينريش الثالث عشر"، هي حركة متطرفة صغيرة لا تؤمن بشرعية ألمانيا الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية.
هاينريش الثالث عشر الأمير رويس هو نبيل ألماني، وعضو في عائلة الأمير رويس، ويعيش في فرانكفورت كرائد أعمال عقاري. تجادل حركة مواطني الرايخ بأن دستور ألمانيا قبل الحرب العالمية الثانية لم يتم إلغاؤه بشكل صحيح، لذا فإن تشكيل ألمانيا الغربية السابقة في عام 1949 وألمانيا الموحدة الحالية، لم يكن ذا مصداقية على الإطلاق.
أعضاء هذه الحركة لا يعترفون بالنظام الحالي الحاكم في ألمانيا والحكومة الألمانية الجديدة، ويطالبون بإحياء إمبراطورية "الرايخ الثالث". تروج هذه الجماعات الألمانية المتطرفة لأفكار الرايخ الثالث، ومعتقدات تلك الحقبة ما زالت حيةً بين هذا الطيف من المجتمع الألماني. ويريد بعض الأعضاء الآخرين في هذه المجموعة العودة إلى عهد الرايخ الثاني عام 1871، الذي أسسه المستشار بسمارك والملك فيلهلم الأول.
نهج ألمانيا المتناقض تجاه المعارضة الداخلية والخارجية
ألمانيا التي تواجه الآن بعض المعارضة الداخلية لاتخاذها إجراءات ضد الحكومة، وتحاول التعامل معها بكل قوتها، ولكن في مواجهة مثل هذه الإجراءات المماثلة في دول أخرى، فإنها تظهر رد فعل مختلفًا. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، مواقف سلطات برلين تجاه الاضطرابات في بعض المدن الإيرانية في الأشهر الأخيرة.
ألمانيا، التي تولت قيادة الجبهة الغربية ضد إيران في الأسابيع الأخيرة، لم تدخر جهداً في اتخاذ أي إجراء للإضرار بأمن إيران ومصالحها الوطنية، ووصفت المشاغبين الذين أرادوا التخريب وخلق الفوضى داخل إيران كمتظاهرين سلميين، وطالبت سلطات طهران باحترام حقوق مثيري الشغب.
حتى أن قادة برلين ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، وحاولوا تطبيق قرارات حقوق الإنسان ضد طهران في الأمم المتحدة، وهم يريدون هذه الأيام طرد إيران من "لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة"، إلی جانب دول غربية أخرى.
وفرت ألمانيا قبل شهرين أيضًا ظروفاً لتنظيم احتجاجات مناهضة لإيران في برلين، وتجمع آلاف المعارضين في وسط هذه المدينة ورددوا هتافات مناهضة لإيران.
ويأتي موقف ألمانيا من التطورات الداخلية في إيران، بينما بعض المشاغبين في إيران المدعومين من نفس الغربيين حرموا الإيرانيين من الأمن والسلام بالأسلحة النارية، لكن الأشخاص الذين تم اعتقالهم في ألمانيا هم أولئك الذين لم يتخذوا أي إجراءات علنية ضد الحكومة، واتُهموا بالانقلاب فقط بناءً على افتراضات ومعلومات محتملة، والتي وفقًا للسلطات الحكومية، يجب معاقبتهم بشدة.
مع نوع التعامل الذي شهدناه من برلين، لا بد من القول إنه لو واجهت الحكومة الألمانية اضطرابات کما حدثت في إيران والتي استمرت لمدة ثلاثة أشهر متتالية، لكانت قتلت مئات الأشخاص واعتقلت آلاف الأشخاص بتهمة مسايرة المشاغبين.
يتم استخدام السياسات المتناقضة لما يسمى حقوق الإنسان من قبل ألمانيا والدول الغربية الأخرى تجاه جميع الدول غير المتحالفة مع الغرب، وفي كثير من الأحيان في فنزويلا وتركيا والصين، يُعتبر المعارضون المناهضون للحكومة أشخاصًا مسالمين وتقدميين يسعون إلى نيل حقوقهم، وأي مواجهة معهم تعتبر جريمة حرب ويجب على المجتمع الدولي الرد عليها.
أوروبا تظهر وجهها الحقيقي
بينما يدعي القادة الأوروبيون أن لديهم أفضل ديمقراطية في العالم والتي لن تهتز أبدًا، لكن في السنوات الأخيرة، أرادت بعض الجماعات اليمينية المتطرفة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا تغييرات جذرية في الاتحاد الأوروبي، واعترضت على السياسات السائدة حاليًا في هذه القارة.
قبل شهر في إيطاليا، تجمع آلاف الأشخاص في مدينة روما، وأعربوا عن براءتهم من سياسات حكومة هذا البلد، وأظهروا الولاء لبينيتو موسوليني، الزعيم الفاشي والديكتاتور لهذا البلد خلال الحرب العالمية الثانية.
بعد الحرب العالمية الثانية، وقعت ألمانيا تحت تأثير أمريكا من الناحية السياسية والأمنية، وليس لها سياسة مستقلة في الساحة الدولية، وهذا الأمر أثار تساؤلات حول الديمقراطية المزعومة في هذا البلد.
أصبحت ألمانيا الآن مركزًا لصعود الجماعات المتطرفة، بما في ذلك النازيون الجدد، وظروف هذا البلد هذه الأيام هي نفسها عندما تمكن أدولف هتلر من الاستيلاء على السلطة في هذا البلد بمساعدة أنصاره.
لأنه في ذلك الوقت، الشيء الوحيد الذي ساعد النازيين على الانتصار، كان الأزمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة التي آذت الناس کثيراً، وكان الألمان، الذين عانوا من الإذلال القومي بسبب الضغوط الخارجية، يبحثون عن شخص قوي يمكنه إنقاذهم من هذا الوضع، وإخراجهم من هيمنة بريطانيا وفرنسا.
الآن أيضًا، ربما يعيد التاريخ نفسه لألمانيا وتتمكن الجماعات اليمينية المتطرفة من اجتذاب الرأي العام وتنفيذ خطتهم، من خلال رکوب موجة الضعف الاقتصادي وأزمة الطاقة. والانقلاب الفاشل الحالي يذكرنا بانقلاب بير هول في ميونيخ، والذي فشل في عام 1923، ولكن بعد بضع سنوات، استولى النازيون على السلطة في ألمانيا.
النظام الجديد الذي يستعدّ قادة روسيا لتشكيله بعد الأزمة الأوكرانية لتحدي هيمنة الغرب، ربما يكون صعود اليمين المتطرف في أوروبا جزءًا من هذا اللغز، لنقل السلطة من الغرب إلى الكتلة الشرقية.
إن صعود النازيين في ألمانيا، وأحزاب اليمين المتطرف في إيطاليا وفرنسا، وموجة الاحتجاجات الجديدة في بريطانيا للتخلص من الوضع الحالي، أظهر الطبيعة الحقيقية للدول الغربية التي حاولت لعقود تعليم دروس الدیمقراطية والأخلاق للآخرين.
لذلك، فإن ما يحدث في أوروبا، وخاصةً في ألمانيا، هو نوع من الانسلاخ لسياسات منتهية الصلاحية أو، وفقًا للمراقبين، غيض من فيض النازية الجديدة تحت عناوين وأسماء مختلفة، الأمر الذي قد يغير الوجه السياسي للقارة الأوروبية.