الوقت_ من جديد، ومع تسلم إيتمار بن غفير وزارة الأمن الداخليّ في حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، تعود حالة التوتر والفتور في العلاقات الأردنيّة – الصهيونيّة ما أثار جدلاً كبيراً حول مستقبل العلاقة بينهما، حيث حصل ما خشيته الأردن من ناحية تعيين المسؤول المعروف بعدائه للمصالح الأردنيّة، والأنباء الواردة من العدو الإسرائيلي غربي نهر الأردن يبدو أنها جزء من منظومة أسوأ مستقبليّاً، لدرجة أن البعض وصف غفير بـ "الكابوس السياسي" بالنسبة للمصالح الاردنية والعلاقة مع تل أبيب، وذلك عقب الإعلان عن اتفاق إتلاف بين بنيامين نتنياهو وعضو الكنيست المتطرف المتشدد وخصم الأردنيين ووصايتهم، وهو عضو في الفريق الأمني المصغر ومسؤول عن حرس الحدود في الضفة الغربية، فقد تسلم تلك الحقيبة الوزاريّة المهمة المُستوطِن الصهيوني الذي لا ينفّك عن التحريض ضد الفلسطينيين، ولا يُخفي عنصريته وفاشيته أبداً، حيث يسعى لاستهداف كلّ ما هو عربيّ وفلسطينيّ، وبشكل علنيّ.
الدولة الجارة مع فلسطين في الشرق تشعر بالخطر الحتميّ، هكذا يمكن توصيف تعاطي الأردن مع تسلم ابن غفير حقيبته الوزاريّة، ما يدل على أنّ سفينة العلاقات الحساسة بين الطرفين تسير حاليّاً في بحر عاصف، وخاصة أنّ أزمة الثقة الحادة في العلاقات بين الأردن والكيان العنصريّ ما زالت مستمرة ليومنا هذا، على الرغم من احتواء هذه الأزمة أيضاً بين الجانبين في الفترة الماضية، إلا أنّ الانطباع السلبيّ بقي مسيطراً على علاقاتهما وخاصة مع وصول نتنياهو مجدداً لمنصب رئيس الوزراء في حكومة العدو، عقب تفاقم الأزمات بينهما في السنوات الأخيرة، وهو ما ارتبط في الأساس بانقطاع الاتصالات بين بنيامين نتنياهو والملك الأردنيّ.
وبالتزامن مع هذه المرحلة التي لا شك أنّها ستكون متوترة للغاية بين الكيان الصهيونيّ والأردن، يتركّز مشروع نتنياهو بالتحديد على محاولة تصفية القضية الفلسطينية وإعادة الهجمة نحو الضفة الغربية تحت مشاريع الاحتفاظ بالقدس كاملة ومنع إقامة الدولة الفلسطينية، والعودة إلى جرائم ما تسمى التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة، ما يشكل خطرا محدقاً على المصالح الاردنية الحيوية ويؤدي الى القضاء على ما تبقى من عملية السلام لا بل من اتفاقيات السلام ويهدد المشاريع الأردنية على اعتبار أن مشكلات أهل الضفة الغربية ستصبح متعلقة بعمان.
والدليل الأكبر على القلق الأردنيّ من نتائج تسلم ابن غفير وزارة الأمن القوميّ، راسل الأردن المجتمع الدولي وأبلغ الأمريكيين ونتنياهو نفسه، أنّ خطوة تعيين ابن غفير ستكون "عدائية جداً"، حسب التوصيف الأردنيّ، ولن تؤخذ كذلك باعتبارها مؤثرا على الرغبة في استقرار العلاقات الأردنية مع كيان الاحتلال، وخاصة أن الأردن عملت بقوة خلف الكواليس لإبعاد ابن غافير عن تسوية ائتلافية يعود بموجبها نتنياهو إلى الواجهة، وكان مسار التكيف الأردني مع نتنياهو والاتصال به لتهنئته وتوقيع بعض الاتفاقيات –وفقاً لمراقبين- جزءاً من هدف تكتيكيّ أردنيّ يحاول ابعاد المسؤول العنصري عن المشهد السياسيّ للعدو.
بالمقابل، فشلت كل المساعي الأردنيّة في هذا الخصوص، وتسلم الفاشيّ –كما يصفه الفلسطينيون- حقيبة الامن الداخلي مع صلاحيات واسعة تحت مسمى “وزير الأمن القومي”، وبالتالي تجاوز صلاحيات الوزارة ومهامها وهذا الأمر سينعكس على الواقع المحلي الفلسطينيّ والمستوى الإقليمي والدولي، فلم يكن عبثاً إعطاء المساحة والصلاحيات للمتطرف الإسرائيليّ ايتمار بن غفير، والذي يرغب بتسجيل حقبة دامية بحق الشعب الفلسطيني ومناضليه، فالأخير يدعو لطرد العرب من بلادهم التاريخيّة، وهو زعيم حزب “عوتسما يهوديت” (القوّة اليهوديّة)، وهو حزب يمينيّ-دينيّ متطرف، كما يُعد ابن غفير أحد تلاميذ مئير كهانا، الحاخام العنصريّ الأمريكيّ المولد والذي تمّ منع حزبه (كاخ) في نهاية المطاف من دخول الكنيست، وقد هدد بترحيل الإسرائيليين غير الموالين للكيان، بمن فيهم نائبان عربيان حاليان، وحتى قبل بضع سنوات فقط، كانت لديه صورة معلقة في منزله لـ "باروخ غولدشتاين"، الـ”طبيب المُستوطِن” الذي أجرم في 29 فلسطينيًا في ما تعرف بـ "مجزرة الحرم الإبراهيميّ الشريف" بمدينة الخليل عام 1994.
وبالتالي، إنّ كل ما تستطيع الحكومة الأردنية فعله اليوم، أن تستمر بإصدار بيانات الاستنكار والتنديد وانتظار الخطة الامنية العملية لتأزيم الاوضاع في الضفة الغربية بالنسبة للأردنيين والفلسطينيين على حد سواء، حيث تفاقمت الأزمة بين العدو الصهيونيّ والأردن بشكل كبير منذ استلام رئيس الوزراء الصهيونيّ بنيامين نتنياهو السلطة في المرة السابقة، وما تبع ذلك من أزمات سياسيّة ودبلوماسيّة متلاحقة، أوصلت الأمور الى الحد الذي وصف فيه الملك عبد الله العلاقة مع "إسرائيل" بأنها في "أسوأ حالاتها"، ومن المحتمل جداً أن تتفاقم الأزمة في حال قام العدو بخطوات تغضب الأردن وخاصة فيما يتعلق بملف الضم العدوانيّ.
وفي الوقت الذي تتجه فيه علاقات عمّان وتل أبيب نحو المجهول، يُعد ابن غفير أحدا أسوأ الأنباء بالنسبة للحكومة الأردنيّة ويفرض بالتأكيد تحديّاً من طراز خاص يطال العلاقة مع العدو الذي لا ينظر سوى لمصالحه ومصالح عصاباته الصهيونيّة، فلا شيء مهم بالنسبة للإسرائيليين سوى المحافظة على تمدد سرطانهم المقيت في فلسطين ولو كان ذلك على حساب آلاف الأرواح.
من ناحية أُخرى، إنّ المسؤول الإسرائيليّ الفاشيّ الذي يطالب علنا باعتقال حراس الأوقاف الأردنيين ويدعم الصلوات التلمودية في حرم المسجد الأقصى المبارك ويؤمن بطرد الفلسطينيين الناشطين سيذهب باتجاه تأزيم الأوضاع ولن يهتم بالاستناد لتشدّده الدينيّ العنصريّ لتبعات ذلك، ما يفرض حالات جديدة على المستوى الفلسطيني يخشى الأردن معها العودة لمخاطر زعزعة الأمن والاستقرار، وبالتالي لا يوجد لدى الحكومة الاردنية طريقة واضحة للتعامل مع غفير أحد أعداء المصالح الأردنية والوصاية الهاشميّة.
ختاماً، أوضحت الحكومة الأردنيّة أنّها تعارض بشدّة تسلم ابن غفير وزارة الأمن الداخليّ، لأنها تقرأ المشهد السياسيّ بدقة، وعلى صعيد تثبيت المستوطنات والتوسع في مشاريع إقامة المستوطنات السرطانيّة بصيغة تجعل العودة لخيار الدولتين أو ما يُطلق عليها "عملية السلام" او حتى لخيار الدولة الواحدة، أشبه بالمستحيل، ما يترك تساؤلات كثيرة حول طريقة تعامل الأردن مع هذا التطور الخطير عند العدو الإسرائيليّ، لكنّ المؤكّد هو أنّ وجود ابن غفير في موقع حساس ضمن حكومة يمينية متشددة يقودها نتنياهو، يعتبر من ضمن التحديات الأمنية والسياسية المعقدة بالنسبة للأردن، كما أنّه ربما يصل بالأمور على الساحة الفلسطينيّة إلى مرحلة لا يُحمد عقباها، فالفلسطينيون عقدوا العزم على ضرورة رد الصاع صاعين للمشاريع الإسرائيليّة التي تهدف لإبادتهم في بلادهم.