الوقت- تخطط تركيا مرةً أخرى لمهاجمة المناطق الشمالية من سوريا براً. وأعلن رجب طيب أردوغان، رئيس تركيا وزعيم الحزب الحاكم في هذا البلد، أن السبيل الوحيد للحفاظ على الأمن القومي لبلاده، هو دخول مناطق شمال سوريا براً وتشكيل منطقة شاسعة کمنطقة آمنة أو منطقة عازلة.
وقال أردوغان إن التهديدات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني قد عرّضت أمن تركيا للخطر، ونتيجةً لذلك، لا يوجد خيار آخر سوى الهجوم.
تصريحات أردوغان هي في الواقع جزء من ردود أفعاله على الهجوم الإرهابي على شارع الاستقلال في اسطنبول، والذي فجرت خلاله امرأة قنبلةً، ما أسفر عن مقتل 6 مواطنين. وأعلنت أنقرة أن هذه المرأة أرسلت إلى اسطنبول من قبل قادة تنظيمات حزب العمال الكردستاني.
وأعلن الرئيس التركي: "لا يهمّ، بإمکان الإرهابيين طلب المساعدة من أي شخص، ولکن بالتأكيد سننتقم لكل قطرة دم يسفكها أعداء الإنسانية. وعلى من يدعمون الجماعة الإرهابية والانفصالية بالسلاح والمعدات والتدريب بذريعة سوريا، أن يعيدوا النظر في حساباتهم ومواقفهم بدلاً من مطالبتنا باستمرار بالهدوء وضبط النفس."
من الواضح أن أردوغان يلمِّح في تصريحاته إلى الأمريكيين. لأنه منذ سنوات، كانت المؤسسات التابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا مدعومةً من قبل الولايات المتحدة.
ما هو رد فعل أمريكا وروسيا؟
أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار وأردوغان نفسه بفخر، أنهما لن يطلبا الإذن من أي شخص للحفاظ على أمن بلادهما. لكن الأدلة تظهر أنهما يسعيان للحصول على موافقة واشنطن وموسكو.
يقال إن الوفد السياسي - الأمني لحكومة أردوغان، وعبر التواصل مع المسؤولين الروس، حصل على موافقة بوتين الضمنية لإجراء عملية برية محدودة للجيش التركي في شمال سوريا.
لكن بالنسبة لأمريكا، فإن القضية معقدة. حيث عارض الأمريكيون في البداية تصرفات تركيا، لكن لاحقًا، أعلن أحد المستشارين الأمنيين للبيت الأبيض، أن تركيا لها الحق في اتخاذ إجراءات للحفاظ على أمنها القومي على حدودها الجنوبية.
لكن ردود الفعل اللاحقة للمسؤولين الأمريكيين أشارت إلى أنهم لا يتفقون مع العمليات البرية التركية. لكن يجب أن نذكر أيضًا أن المزاج السائد في العلاقات بين أنقرة وواشنطن قد تغير.
في عهد الرئيس الأمريکي السابق، کان دونالد ترامب يکتب الرسائل شخصيًا إلى أردوغان، ويصفه بأنه ساذج، وفي تغريداته کان يهدد بتدمير الاقتصاد الترکي بفرض عقوبات إذا تم الهجوم علی شمال سوريا.
ولكن الآن هناك حكومة في أمريكا، على الرغم من أنها تعتبر المنظمات التابعة لحزب العمال الكردستاني شركاء محليين، إلا أنها ليست مستعدةً لتهديد وإذلال أحد أعضاء الناتو بسببهم.
طلب أردوغان غير العادي من الرئیس السوري
أحد مطالب أردوغان الذكية هو أن تكون القوات العسكرية السورية موجودةً في كامل الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، وتسيطر على أمن الحدود.
لكن مثل هذه الخطة غير قابلة للتطبيق عملياً، لأنه من الواضح أن بعض هذه المناطق تحتلها القوات الأمريكية. إضافة إلى ذلك، فإن طريقة إنشاء ووجود التنظيمات التابعة لحزب العمال الكردستاني في منطقتي كوباني والحسكة معقدة للغاية أيضًا، وأظهرت الحكومة السورية أنها لا ترى أنه من المناسب الانخراط في صراع مع هذه الجماعات.
ما هو رد فعل حزب العمال الكردستاني؟
كان لمسؤولي حزب العمال الكردستاني نهجان في الأيام الماضية للرد على التهديدات التركية المتكررة:
أ) أولاً، أعلنوا أن لديهم قوة عسكرية عالية ويمكنهم الرد على إجراءات تركيا. وقد أطلقوا صاروخاً باتجاه غازي عنتاب، ما أدی إلی مقتل امرأة وطفل في هذه المحافظة الكردية في تركيا، وتسبب في ردود فعل سلبية كثيرة.
على الرغم من أن قادة قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب، قد زعموا أن لديهم القوة العسكرية والدفاعية لمواجهة تركيا، إلا أن الجميع يعلم أن هذه التصريحات تنطوي علی مبالغة. حيث تتكون قوات حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا في الغالب من المراهقين والشباب من المناطق الريفية، مع القليل من الخبرة والأسلحة العادية، ولا يمكنهم فعل أي شيء.
ب) لجأ قادة حزب العمال الكردستاني إلی أمريكا، وطلبوا من واشنطن كبح جماح تركيا. كما عتبوا علی روسيا وطلبوا من هذا البلد منع هجوم تركيا.
التضخم بلغ ذروته، فلنهاجم
يعتقد بعض المحللين السياسيين الأتراك أن محاولة تنفيذ عملية جديدة في الخارج، غطاء للهروب من عواقب التضخم. ويرون أنه نظرًا لأن الأزمة الاقتصادية ألقت بظلالها على جميع جوانب حياة الشعب التركي، فإن الحرب والجو المليء بالدعاية الملحمية والقومية يمكن أن يجعل الناس ينسون أخبار التضخم والبطالة إلى حد ما.
رد دمشق الذكي لطلبات أنقرة المتكررة
في الأسابيع الأخيرة، طلب الفريق الأمني لحكومة أردوغان من دمشق مرتين تنظيم اجتماع كبير للاجتماع الثنائي للوفود السياسية، وتوجُّه الوفد الدبلوماسي التركي إلى سوريا.
لكن حكومة الأسد أعلنت أنه ليس لديها مثل هذه النية، على الأقل في الوضع الحالي، وتفضل دمشق لقاء الوفد التركي في دولة ثالثة. ولهذا السبب، توسط ديمتري بيسكوف ولافروف، وليس من المستبعد أن يعقد لقاء بين الوفدين التركي والسوري في موسكو في الأسابيع المقبلة.
کما صرح مسؤولون سياسيون وأمنيون مقربون من الرئيس السوري، أنه من المهم لدمشق أن تثبت أنقرة حسن نيتها، وإذا كان أردوغان يريد حقًا تطبيع العلاقات، فعليه أولاً وقبل كل شيء سحب قواته المحتلة من الأراضي السورية، والإعلان رسميًا أنه لن يأوي القوات المسلحة المناهضة للأسد.
ما رأي أصدقاء أردوغان؟
لا شك أن دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية، هو أكثر السياسيين الراديكاليين في المدرسة القومية التركية، والذي لا يخفي عملياً ميوله العنصرية.
في السابق، کان أردوغان وبهجلي علی عداء وکان يعتبر كل منهما الآخر خائناً وعدواً. لكنهما الآن أصبحا صديقين، وفي شراكة متعددة السنوات أطلقا تحالف الرئاسة معًا.
وقبل أيام، أعلن دولت بهجلي أن مصافحة أردوغان مع عبد الفتاح السيسي في قطر كانت خطوةً صحيحةً، ولا بد من مصافحة بشار الأسد قريبًا.
دوغو برينجك، زعيم حزب الوطن الشيوعي، هو سياسي آخر بات صديقًا لأردوغان. إنه يعتبر نفسه مهندس المصالحة بين تركيا وسوريا، وكذلك سبب إعادة اللحمة بين تركيا وروسيا.
كان من المفترض أن يسافر برينجك إلى دمشق بدعوة من بشار الأسد بهدف تطبيع العلاقات. لكن هذه الرحلة تم تأجيلها لمدة شهرين.
ورغم أن دوغو برينجك صديق لأردوغان، إلا أنه لا يتردد في الانتقاد. حيث قال منذ فترة: "أردنا الذهاب إلى دمشق، لكن بعض الرجال الموالين لأمريكا من فريق أردوغان أجلوا السيناريو."
ماذا يقول المعارضون؟
تعتقد أحزاب المعارضة في حكومة أردوغان أن تدخل الحكومة التركية في الملف السوري منذ البداية كان خاطئًا تمامًا، وكان له عواقب وخيمة على الشعبين السوري والتركي.
وفي هذا السياق، أعلن علي باباجان، زعيم حزب الديمقراطية والتقدم، أن على أردوغان أن يقبل بأن قراراته الخاطئة تسببت في إراقة دماء آلاف الأشخاص، وساهمت في تصعيد الأزمة السورية.
بمعنى آخر، يعتقد هو وغيره من المعارضين أنه من الضروري أولاً وقبل كل شيء، أن تعترف الحكومة التي شكلها حزب العدالة والتنمية بأخطائها في سوريا.
والمطلب الثاني لخصوم أردوغان هو أن يكون تطبيع العلاقات مع سوريا في إطار حل عودة اللاجئين. وهم يعتقدون أن وجود 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، هو بحد ذاته مشكلة وطنية وإنسانية كبيرة.
ووعد كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، بأنه في حال فوزه في الانتخابات المقبلة، سيعيد اللاجئين إلى ديارهم باحترام وكرامة.
لكن أوميت أوزداغ، الزعيم المتطرف لحزب ظفر القومي، ليس لطيفًا بقدر كمال كليجدار، حيث أعلن أنه في حكومته، سيتم تحميل اللاجئين في شاحنات باستخدام القوة والأسلحة من قبل الشرطة والدرك، وسيتركونهم عند الحدود.
هل كل شيء من أجل الانتخابات؟
الجو النفسي الذي يحكم المجتمع التركي، هو حيث إن كل عمل للحكومة والحزب الحاكم يعتبر عملاً انتخابيًا له هدف حزبي.
وعلى الرغم من أن الأحزاب المعارضة لأردوغان لعبت دورًا في خلق مثل هذا الجو، إلا أن الحقيقة هي أن العامل الأساسي هو رئيس تركيا، رجب طيب أردوغان، الذي يجعل كل القضايا حزبيةً وسياسيةً.
إن تكثيف وتعميق القطبية الثنائية في البيئة السياسية والاجتماعية، هو أحد تكتيكات أردوغان المعتادة، وهذه السياسة الحزبية جعلت جزءًا مهمًا من المجتمع التركي يعتبر تصرفات وقرارات الحكومة، وخاصةً التدخل الأجنبي والاحتلالي، ليس ضرورةً حيويةً للحفاظ على المصالح الوطنية، بل أداة دعائية حزبية.
وفي الختام يجب القول إنه على الرغم من التصريحات المتكررة لأردوغان ومسؤولي حكومته بشأن تطبيع العلاقات مع دمشق، ولکن لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على حسن النية في نهج تركيا تجاه الحكومة السورية، والإجراءات التدخلية والاحتلالية، إلى جانب دعم أنقرة لـ 200 ألف مسلح ضد بشارالأسد، دليل على حقيقة أن حكومة أردوغان، على الأقل فيما يتعلق بسوريا، لا تؤمن بالسيادة الوطنية لجارتها ولا تحترم حسن الجوار.