الوقت - في الصباح الباكر من يوم الجمعة 24 يونيو 2022، شيء ما أقلق الحي المتاخم لمعبر “باريو تشينو” بالناظور على الحدود الوهمية مع مدينة مليلية المحتلة؛ علا الصراخ والضجيج بعد اقتراب نحو 1700 مهاجر غير نظامي من دول أفريقيا جنوب الصحراء من المعبر واضعين نصب أعينهم اقتحامه والعبور نحو الضفة الأخرى، لكن الأمر لم يكن بتلك السهولة التي كانوا يتخيلونها-أو بعضهم على الأقل-حيث وجدوا أمامهم أعدادا كبيرة من عناصر القوات العمومية التي حاولت منعهم من الاقتراب من المعبر، ليدخلوا معها في اشتباكات استعمل فيها العنف.
الحصيلة بعد يوم من الواقعة، 23 قتيلاً في صفوف المقتحمين و76 إصابة، منها 13 بليغة، عزت السلطات المحلّية بالناظور أسبابها إلى التدافع والسقوط من أعلى السياج الحدودي خلال محاولة الاقتحام، لكنه لم يكن السبب الوحيد، حسب جمعيات ومنظمات حقوقية، أهمها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي قالت في تقرير لها صدر في 20 يوليوز الماضي إن “التدخل العنيف للقوات العمومية والاختناق بالغاز المسيل للدموع أو الإصابة بالحجارة، أدى أيضا إلى ما لا يقل عن 27 وفاة في صفوف المهاجرين”.
وأصبحت قضية حادثة مليلة المأساوية، تحاصر إسبانيا بعدما صرّحت النيابة العامة الإسبانية بأن ما حدث سينتج عنه تحقيق، وهذا يعني نفي رواية الحكومة الإسبانية وقد تؤدي التحقيقات إلى استقالة وزير الداخلية فيرناندو غراندي مارلاسكا.
في المقابل، أغلق المغرب الملف بإصدار عقوبات في حق بعض المهاجرين، بينما لم تطرح الأحزاب الملف في البرلمان، واهتمت به الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فقط.
من جديد معطيات مثيرة كشف عنها تقرير أمين المظالم الإسباني، متحدثا عن أشخاص “سُحقوا” بسبب السياج، وعن قيام الحرس المدني بإلقاء الحجارة على المهاجرين، وعدم تقديم المساعدة لأولئك الذين تمكنوا من عبور “الحدود”.
وحسب نتائج التقرير الذي نقلت “أوروبا بريس” تفاصيله، فإن أمين المظالم الإسباني تطرق لتفاصيل صور نقلتها مروحية الدرك الإسباني تظهر فيها معاملة الأشخاص الذين حاولوا الهجرة بشكل قاس جدا وفي غياب تام لاحترام المقتضيات القانونية والحقوقية اللازمة، على عكس ما أعلنت وزارة الداخلية الإسبانية.
وقال أمين المظالم إنه عند مشاهدة الصور من مروحية الحرس المدني، “يمكن رؤية كيف يتكدس عدد غير محدد من الأشخاص، وفي عدة حالات يتم سحقهم عند أحد المداخل إلى نقطة الحدود”، مؤكدا أن الحرس الإسباني “ألقى الحجارة على المهاجرين واستخدم أيضا الرش ضدهم”.
وعلى وجه التحديد، تحدث أمين المظالم أولاً عن “إلقاء الحجارة من قبل الطرفين”، ثم أشار إلى أحد مقاطع الفيديو التي جمعتها طائرة دون طيار تابعة للحرس المدني يكشف “كيف أن الأشخاص الذين يحاولون الوصول بشكل غير منتظم يلقون بالعصي على العملاء الإسبان وكيف يرشقونهم بالحجارة”.
وفي فيديو آخر “ظهر بعض العملاء الإسبان يبحثون عن الحجارة ويرمونها على الأشخاص الموجودين أعلى السياج”، فيما ظهر في فيديو آخر أنهم “بدؤوا بمحاولة فتح أبواب المركز الحدودي أمام العملاء الإسبان، فيما عميل من الحرس المدني يرشهم بالغاز حتى لا يستمروا في تحطيم الباب”.
وأبرز أمين المظالم وفقًا لمقاطع الفيديو أن “حوالي 470 شخصا دخلوا الأراضي الإسبانية في ذلك اليوم، بينما حددتهم الحكومة في 134″، مؤكدا أن “بعض العملاء المغاربة دخلوا وقام عملاء إسبان بتسليمهم الأشخاص الذين تمكنوا من اعتراضهم للمضي قدما في نقلهم الى المغرب”.
وأفاد التقرير بأنه “في تمام 8:58 صباحا، لوحظ أن هناك عددا كبيرا من الأشخاص على الجسر الواقع بجوار سياج البوابة وأن الاعتقالات تمت”.
وأشارت الوثيقة إلى أنه “بعد دقيقتين فقط، في الساعة 9:00 صباحا، تمت ملاحظة عمليات التسليم العاجلة عبر السياج”، قبل أن تضيف أن “الفاصل الزمني، دقيقتين، يجعل من المستحيل الحفاظ على كون عمليات الرفض قد تمت على الحدود وفقًا للحد الأدنى من المتطلبات القانونية”.
وأوضح أمين المظالم أنه “لم يتم تقديم أي معلومات بخصوص اللحظة التي تم فيها طلب تدخل الخدمات الصحية أو الصليب الأحمر”، لافتا إلى أن الصور التي التقطتها المروحية “تظهر وجود سيارة إسعاف لم يتم تحريكها أو استخدامها في أي وقت”.
وفي مطلع الشهر الجاري، نشرت بي بي سي فيلماً وثائقياً بعنوان “موت على الحدود” تظهر فيه عدة لقطات عن الحادث.
وبعد نشر الفيلم المأساوي، صرّح رئيس النيابة العامة الإسبانية، ألفارو أورتيس أمس الثلاثاء بأن “سقوط عدد كبير من الأشخاص قتلى في مأساة 24 يونيو يتطلب تحقيقاً معمقاً”.
وذكر أن التحقيق جار، إذ سيتم اتخاذ القرار على ضوء ما سيسفر عنه، في إشارة الى محاكمة محتملة.
وعلى صعيد آخر، أكّد محامي الشعب الإسباني، آنخيل غابيلوندو، دخول قوات مغربية الى أراضي مليلة لسحب المهاجرين نحو الأراضي المغربية.
وفي تطور في هذا الملف، تناقش لجنة الحريات المدنية والعدل والداخلية (LIBE) بالبرلمان الأوروبي، الخميس، هذه المأساة.
ورفض فرناندو غراندي مارلاسكا، وزير الداخلية الإسباني، المثول أمام البرلمان الأوربي لتقديم توضيحات بشأن “أحداث مليلية”.
وعزا مارلاسكا سبب رفضه إلى عدم استكمال التحقيقات التي يجريها مكتب المدعي العام وأمين المظالم بإسبانيا، في المقابل، عبر عن استعداده لتقديم التوضيحات والمعطيات اللازمة بعد نهاية التحقيقات الجارية.
ويواجه مارلاسكا انتقادات لاذعة من طرف البرلمانيين الإسبان للمطالبة بمثوله أمام المؤسسة التشريعية للتفاعل مع المعطيات الجديدة حول الأحداث، كما أن البعض طالبه بالاستقالة.
غير أن فرناندو مارلاسكا، رفض استقالته؛ وأضاف، بأنه لا يتنصل من مسؤوليته في إصدار الأوامر للحرس المدني، بضرورة مواجهة أي هجوم عنيف على الحدود الإسبانية بمعايير الشرعية واحترام حقوق الإنسان.