الوقت- من خلال حسابات الربح و الخسارة، ترسم بريطانيا سياساتها الخارجية لا سيما فيما يخص منطقة الشرق الأوسط و تحديداً سوريا. هكذا يمكن إختصار السعي البريطاني للتدخل العسكري في سوريا، تحت حجة الحرب على الإرهاب. فعلى الرغم من الإنتقادات الداخلية و الإختلافات الواضحة على الصعيد الداخلي البريطاني فيما يخص تدخل بريطانيا في الحرب على الإرهاب في سوريا، صوَّت البرلمان لصالح شن القوات البريطانية ضرباتٍ جوية ضد تنظيم داعش. فيما يجري التساؤل حول فعالية هذه الضربات و المغزى الحقيقي منها. فكيف يمكن تحليل ذلك؟ و ما هي الدلالات التي يجب تسليط الضوء عليها؟
على الرغم من أن بريطانيا شنت غاراتٍ على مواقع لداعش في سوريا، فإن الأصوات المنتقدة لذلك في الداخل البريطاني طرحت العديد من التساؤلات حول فعالية خطة كاميرون، لا سيما أثرها الحقيقي على دفع خطر الإرهاب عن بريطانيا. لذلك لا بد من تسليط الضوء على هذه الآراء قبل الخوض في التحليل الخاص، لتكون هذه الآراء بحد ذاتها تساؤلات تدعم التحليل. و هنا نشير إلى التالي:
- أثار تصريح كاميرون بوجود شركاء لبريطانيا على الأراضي السورية، قدَّر عددها بـ 70000 من المعارضة السورية و التي لا تنتمي للجماعات المسلحة بحسب تعبيره، تساؤلات عدة. وهو الأمر الذي دفع رئيس كتلة الحزب الوطني الأسكتلندي في مجلس العموم، إنغس روبرتسون، إلى السؤال عن نسبة المعتدلين بين هؤلاء المقاتلين و عن نسبة المتشددين بينهم. كما أن مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما، جوشوا لانديس، إنتقد فكرة كاميرون بالإعتماد على 70000 من المعارضة، مؤكداً أنها في حال كانت هذه القوات قادرة على مقاتلة كل من الأسد وداعش في نفس الوقت على حد تعبيره، فيجب أن نُدرك أن هؤلاء المسلحين يقاتلون لحماية قراهم و قاداتهم و سيطرتهم في الداخل و هو ما يعتبرونه أولى من قتال داعش أو محاربة النظام السوري.
- الى جانب هذه التصريحات، فقد كان لافتاً، ما قاله رئيس حزب العمال المعارض جريمي كوربن، حول أن الحل في سوريا لا يمكن أن يكون إلا سياسياً و لا بد من إنهاء الحرب في سوريا، و إعطاء الأمل للملايين من اللاجئين لإعادتهم لأوطانهم، وكذلك حماية المواطن البريطاني. مشيراً الى أن الرأي العام في بريطانيا يعارض بشكل متزايد تسرع كاميرون في الإنخراط في الحرب.
بناءاً لما تقدم، يبدو واضحاً أن كاميرون لا يحظى بتأييدٍ كبير لسياسته الخارجية لا سيما فيما يخص مكافحة الإرهاب عبر التدخل العسكري في سوريا. و هنا سنتناول بالتحليل مصلحة بريطانيا في التماشي مع واشنطن عبر شن الغارات في سوريا. و حينما نقول المصلحة البريطانية نعني مصلحة السياسة الحاكمة و ليس الشعب الذي يبدو أنه معارض لذلك، ونقول التالي:
- تسعى بريطانيا لإظهار نفسها كطرفٍ مُحاربٍ للإرهاب، لا سيما أمام شعبها و المجتمع الدولي، ليكون ضربها لداعش في سوريا أمراً رمزياً ليس أكثر.
- من منطق الكسب و الخسارة، تسعى لندن لإحياء سيناريو حليفتها واشنطن، لكن وفق معطيات و ظروف جديدة. و هو الأمر الذي يخدم السياسة الأمريكية لجهة إعادة الزخم للتحالف الدولي الذي تُديره أمريكا. فيما يؤدي ذلك بالنتيجة، لتنويع اللاعبين الدوليين في سوريا، و التخفيف من تفرُّد كلٍ من إيران وروسيا في الحرب على الإرهاب.
- لذلك يُشير المحللون الى أن تعدد الأطراف في سوريا سيُجبر الطرف الروسي على التنسيق مع الجميع، مما يخلق واقعاً جديداً مغايراً للجو الحالي الذي يُظهر فقط الطرف الروسي في الميدان. فيما يؤكد خبراء أن ذلك يبقى رهن التعاطي الروسي و ردة فعله.
إذن من بين كل التحليلات، و بالإضافة الى ما أشار له جيرمي باكسمان، الكاتب الصحفي في جريدة "ديلي تليجراف"، بالقول إن قرار الذهاب إلى محاربة داعش قد يكون صائباً، و لكنه ينطوي على مخاطر لا يجب تجاهلها، الى جانب أن الإختبار الحقيقي لكاميرون لا يقتصر على الإنتصار في المعركة السياسية داخلياً بل أيضاً في كسب الحرب مع تنظيم داعش. لذلك يبدو جلياً أن الحسابات الخاصة بكاميرون تطغى على سياسته الخارجية. كما أن بريطانيا لا يمكن أن تخرج من حضن واشنطن، خصوصاً في الوقت الراهن. فيما يراقب الكثيرون الوضع البريطاني عن كثب، مُشيرين الى أن الأمور قد تغيرت و الناس ستحاسب المسؤولين إن فشلوا في الحرب التي يدعونها ضد الإرهاب.