الوقت- غادر محمد بن زايد، حاكم أبوظبي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى موسكو يوم الثلاثاء الماضي. وتعد هذه أول زيارة يقوم بها بن زايد إلى موسكو منذ توليه رئاسة الإمارات عقب وفاة أخيه غير الشقيق الشيخ خليفة بن زايد قبل عدة أشهر. وذكرت وسائل الإعلام الحكومية الإماراتية إن الغرض من هذه الرحلة جاء تماشيا مع جهود أبو ظبي للتوسط في حرب أوكرانيا، وتخفيف التوتر العسكري، وخلق أرضية لبدء مفاوضات بين موسكو وكييف لتحقيق السلام والأمن. وبعد ثمانية أشهر من بدء العمليات العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، اشتد نطاق الحرب في الأيام الأخيرة بعد سلسلة من التقدم من قبل كييف وحدوث انفجار في جسر استراتيجي يربط شبه جزيرة القرم بالأراضي الروسية، وهو ما تلقي موسكو باللوم فيه على المخابرات الأوكرانية. وضربت الصواريخ الروسية العاصمة الأوكرانية كييف ومدنا أخرى في أنحاء البلاد يوم الاثنين الماضي وهدد بوتين بمزيد من الهجمات في الأيام والأسابيع المقبلة.
ومن ناحية أخرى، فإن اشتداد الصراعات يرجع إلى حقيقة أن الغربيين، وخاصة الحكومة الأمريكية، أطلقوا الكثير من الدعاية السلبية ضد الكرملين في الأيام الأخيرة فيما يتعلق بوقوع حرب نووية بعد تهديد سلطات موسكو باستخدام أسلحة استراتيجية للدفاع عن النفس. ولم تظهر الإمارات العربية المتحدة، مثل معظم دول منطقة الخليج الفارسي، أي رغبة في إدانة العمل العسكري الروسي في أوكرانيا وطرد موسكو من منظمة التعاون البترولي المعروفة باسم "أوبك بلس" بعد بدء الحرب في أوكرانيا. والإمارات نفسها جزء من تحالف (أوبك +)، الذي قرر الأسبوع الماضي خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا، وهو أكبر انخفاض في إمدادات النفط منذ مايو 2020 ويعادل 2 في المئة من إمدادات النفط الخام العالمية.
وتعرض هذا الإجراء الذي اتخذته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك +) وحلفاؤها الأجانب العشرة لانتقادات شديدة من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، لأنهم يطالبون (أوبك +) منذ شهور بتوفير شروط لخفض أسعار الوقود والطاقة. ومن خلال فرض سقف سعري على النفط الروسي، حاولت الدول الأوروبية خفض عائدات النفط وفرض مزيد من الضغط الاقتصادي على موسكو، وخفض أسعار الطاقة من خلال خلق المنافسة بين منتجي النفط. وهذا الإجراء تسبب في رد فعل (أوبك +) التي قامت بخفض سقف الإنتاج لمنع انخفاض الأسعار. ولهذا السبب، تسبب قرار الإمارات والسعودية في "أوبك +" بحدوث مزيد من التوتر في العلاقات بين واشنطن وهذه الدول.
وأشاد الرئيس الروسي لدى استقباله الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في سانت بطرسبرغ، اليوم الثلاثاء، بالعلاقات بين البلدين باعتبارها مهمة للاستقرار الإقليمي والعالمي، كما أشاد بجهود الوساطة الإماراتية التي ساعدت في حل بعض القضايا الإنسانية الحساسة في أوكرانيا، حسب تعبيره. وقال بوتين إنني أدرك رغبتك في المساهمة في تسوية جميع القضايا المتنازع عليها، بما في ذلك الأزمة الحالية في أوكرانيا.
وأشار بوتين إلى دعم آل نهيان لقرار مجموعة أوبك، قائلاً إن قراراتنا وإجراءاتنا ليست موجهة ضد أحد، بل تهدف إلى ضمان الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية لجعل مستهلكي موارد الطاقة وأولئك الذين يتعاملون مع الإنتاج والإمدادات يشعرون بالهدوء والاستقرار والثقة، وللمساعدة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
وبناءً على ذلك، يبدو أن أحد الأهداف الرئيسية لهذه الزيارة، والأكثر أهمية من الوساطة في الحرب الاوكرانية، هو المفاوضات النفطية بين ابن زايد وبوتين بالتنسيق مع السعودية. ومن منظور كبير لمسيرة العلاقات الثنائية، فإن هذا الموضوع هو علامة على جهود الإمارات لتعزيز التعاون العسكري والسياسي والاقتصادي الشامل مع القوى الشرقية، إضافة إلى إعادة بناء دورها التاريخي في غرب آسيا والجغرافيا العربية في العصر الجديد، وتعد روسيا أيضًا واحدة من مراكز القوة في النظام الدولي الجديد في المستقبل وأحد المكونات الرئيسية للمنظمات الإقليمية المتنامية مثل منظمة شنغهاي إلى جانب الصين. ويُعتقد أن دول الخليج الفارسي أصبحت أيضًا أعضاء في هذه المنظمة الاقتصادية الكبيرة. كما اتخذت الإمارات في السنوات الأخيرة خطوات لربط ممرات العبور والاستثمار وتعزيز التجارة مع دول آسيا الوسطى وروسيا، وآخر مثال على ذلك هو مشاركة وزير الطاقة والبنية التحتية لدولة الإمارات في الاجتماع الأخير لمجلس التعاون لدول الخليج الفارسي مع الدول غير الساحلية في تركمانستان.
وفي القضايا الإقليمية المهمة، تعتبر الإمارات وروسيا اللاعبان الأجنبيان الرئيسيان في المشهد السياسي الليبي، اللذان دعما حكومة طبرق في الشرق بقيادة الجنرال حفتر في الحرب الأهلية الليبية. وفي حالة الأزمة السورية، تعتبر الإمارات من أولى الدول في المنطقة العربية والخليج الفارسي لتطبيع علاقاتها مع دمشق، وربما يحاول الروس جعل الإمارات تلعب دور الوساطة لتطبيع العلاقات بين دمشق والدول العربية الأخرى على الخليج الفارسي وخاصة السعودية.
لكن ربما يكون أهم موضوع يهم الإماراتيين بالتشاور مع رؤساء قصر الكرملين هو قضية حرب اليمن. وبعد فترتين من تمديد وقف إطلاق النار لمدة شهرين في اليمن، وبسبب عدم امتثال الجانب السعودي الإماراتي لالتزاماته، رفض أنصار الله قبول تمديد وقف إطلاق النار مرة أخرى وهددوا الآن باستهداف القوات العسكرية والنفطية الحساسة والمراكز الاقتصادية للدول المهاجمة. وهي قضية أثارت قلق السعوديين والإماراتيين بشدة، لكن هذه الدول لا تزال تفتقر إلى العزم اللازم لإنهاء عدوان وحصار اليمن وتحاول الحصول على ضمانات أمنية بكل الطرق الممكنة دون التنازل للجانب اليمني. وفي هذا الموقف، يبدو أنه نظرًا لعلاقات موسكو الوثيقة مع طهران وصنعاء، اعتمدت الرياض وأبو ظبي على دور الروس في تمديد وقف إطلاق النار، وهو أحد محاور المحادثات بين محمد بن زايد وبوتين في هذا المجال.
تظل مصالح الدول الخليجية بما فيها الإمارات مع الصين أكبر بكثير من روسيا، حيث تمثل بكين المستورد الرئيسي للنفط الخليجي، بينما روسيا منتج منافس، ولكن أثبت التنسيق في مجال النفط بين الدول الخليجية وروسيا أنه أفضل بكثير من المنافسة. كما كادت روسيا أن تصبح مصدراً محتملاً للدول الخليجية للأسلحة، ولكن هذه النافذة بدأت تغلق حتى قبل حرب أوكرانيا بسنوات، جراء العقوبات الأمريكية على شراء الأسلحة من روسيا. يجعل هذا التعاون مع روسيا خياراً أقل جاذبية، بالنسبة للدول الخليجية باستثناء ملف التنسيق النفطي، ولكن الإمارات تحديداً لديها علاقات وثيقة مع روسيا أكثر من أي دولة خليجية، حيث تعتبر ساحة مفضلة للسياحة الروسية وأصبحت ملاذاً للرأسمالية الروسية الهاربة من العقوبات الغربية. ويبدو أن الدول الخليجية ما زالت تقاوم للحظات الأخيرة ضغوط الغرب للابتعاد عن روسيا، وأنها حريصة على إبداء الحياد، وتقديم ذلك عبر بوابة إمكانية قيامها بدور وساطة بين الغرب وموسكو.