الوقت- بعد فشل الكيان الإسرائيلي في "فك شيفرة" إنتفاضة السكاكين و العمليات البطولية التي كبّدت الإحتلال منذ بداية شهر أكتوبر الماضي خسائر فادحة على الأصعدة البشرية و الأمنية و العسكرية و الإقتصادية ، يبدو أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحاول إطفاء لهيب "إنتفاضة القدس" عبر فتح صفحات جديدة في ملف الإغتيالات التي تستهدف قادة الفصائل الفلسطينية في الخارج.
لم تكن هذه السياسة بعيدةً عن الموساد الإسرائيلي في يوم من الأيام، سواءً مع المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية أو غيرها، و لعل الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الشهيد فتحي الشقاقي الذي أُغتيل في جزيرة مالطا أو محمود المبحوح الذي اغتيل في أحد فنادق دبي في الإمارات، أحد أبرز ضحايا سياسة الغدر الأمنية الإسرائيلية بحقّ قيادات الفصائل الفلسطينية المقاومة.
التطور الذي برز مؤخراً في هذا السياق، هو ما كشفه موقع "المجد" الأمني عن أن مصادر أمنية فلسطينية تلقت تحذيرًا من جهاز مخابرات عربي (لم يذكر إسم البلد العربي)، حول أعمال يقوم بها الاحتلال لارتكاب "حماقة" ضد قادة المقاومة في الخارج، و حسب المعطيات الأمنية، فإن إسرائيل اتخذت قرارًا باغتيال قادة المقاومة الفلسطينية بالخارج بغض النظر عن إمكانية إفساد هذه العملية للعلاقات مع الدول التي يتواجدون بها. و نبه "المجد الأمني" قادة المقاومة الفلسطينية في الخارج، إلى ضرورة أخذ كافة التدابير و الاحتياطات الأمنية تجنبًا لارتكاب الاحتلال الإسرائيلي أي حماقة .
و ما يعزّز صحة هذه الأنباء، هو ما يروّج له الإعلام الإسرائيل مؤخراً في أوساطه الداخلية لاغتيال قيادات فلسطينية يعتقد أنها" المحرك الأساسي لخلايا المقاومة في الضفة المحتلة"، حيث إتهمت وسائل إعلام إسرائيلية بعض قيادات المقاومة في الخارج بالتحريض على قتل المستوطنين، إضافةً إلى بث تقارير في عن عمليات سابقة نفذها الموساد، فضلاً عن أن رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، دعا الجيش لـ" معالجة جذور الإرهاب الفلسطيني" عبر اغتيال و تصفية قادة حماس و الجهاد الإسلامي.
الإرهاب الإسرائيلي
إن هذه التهديدات الغير مباشرة، سواءً ما نشره موقع "المجد" الأمني أو ما نشاهد عبر الشاشات الإسرائيلية، لن تزيد المقاومة الفلسطينية إلا عزماً و إصراراً على الوقوف بصلابة في مواجه "الإرهاب الإسرائيلي"، وكذلك الدعم اللامتناهي للتحرّك الشعبي الكبير الحاصل في القدس. إلا أنه في حال إنتقال هذه التهديدات إلا العنوان المباشر، أو مرحلة التنفيذ بعبارة أصح، فإن الرد سيكون قويًا جدًا وفق ما أكّد قيادات الفصائل الفلسطينية، كما أن لهيب الضفّة سينتقل، هذه المرّة، نحو غزّة لأن التهدئة هناك ليست مقدّسة.
لا يختلف إثناء على القدرات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية الضخمّة، خاصةً أنها على علاقات قويّة مع العديد من أجهزة الإستخبارات العالمية، إلا أن إطلاق هذه التهديدات في الوقت الراهن يؤكد على ضعف هذا الكيان و عدم قدرته على المواجهة في الداخل، لذلك يسعى لخلط الأوراق في المنطقة، و فتح أبواب "انتقام" جديدة، بعد حالة الإحباط التي تعيشها سلطات الإحتلال إثر تلك الدروس التي تتلقّاها منذ شهرين على أيدي الشباب الفلسطيني الثائر، مما جعلها تفكّر بنقل المعركة إلى الخارج.
من الصعب التنبؤ فعلياً بالقرار الإسرائيلي النهائي في هذا الأمر، فرغم بنك الأهداف الواسع في الخارج وقدرة الموساد على للوصول للأهدف المحدّدة خاصّة في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة، لا يمكن التغافل عن الأثر الخطير لهذه الضربات على معادلة الرعب، لكن قرارت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا تحتكم للمنطق و العقل، و لعل هذا السبب نفسه وراء إشتعال الإنتفاضة الحالية، لذلك تجدر الإشارة إلى النقطتين التاليتين:
أولاً: إن التهديدات الإسرائيلية هي وجه جديد لـ"إرهاب الدولة"، إلا أن الفصائل الفلسطينية المقاومة أكّدت أن أي عملية اغتيال تطال أي قائد فلسطيني سيدفع ثمنها الكيان الإسرائيلي غالياً، لأن الرد على أي حماقة إسرائيلية سيكون قوي جدّاً.
ثانياً: إن الإغتيالات التي تهدف لفتح جبهات قتال جديدة مع الفلسطينين، وإعطاء طابع جديد للمواجهة عبر جذب الأنظار بعيدًا عن القدس والضفّة، لن تؤثر على الإنتفاضة بل ستكون هذه الدماء دافعًا جديداً وقوياً لتصاعد المواجهات مع قوات الاحتلال.
نتنياهو الذي أدخل الكيان الإسرائيلي في نفق مظلم قبل شهرين بسبب قراراته العدوانية، يحاول اليوم الخروج من هذا النفق عبر الدخول في نفق أكثر ظلاماً، فإنتفاضة القدس ستستمرّ حتى تحقيق أهدافها، ودماء أي شهيد مقاوم كفيلة بأن تضع الحكومة الإسرائيلي بين مطرقة الضفّة وسندان غزّة المحاصرة.