الوقت- بينما يحاول الاتحاد الأوروبي خفض مستوى التوترات بين تركيا واليونان بشأن المطالبات الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط، تظهر الحرب الكلامية بين مسؤولي الجانبين أن التوترات قد وصلت إلى مرحلة يوجد فيها احتمال لحدوث صراع عسكري بين البلدين في أي لحظة.
تصاعدت التوترات في الأيام الأخيرة بعد قيام عدد من المقاتلات التركية بطلعات فوق بحر إيجه، وأدى تحرك اليونانيين باعتراض تلك المقاتلات إلى رفع التوترات بين البلدين إلى مرحلة جديدة.
زعمت السلطات التركية أنه في 23 أغسطس / آب، تعقبت اليونان مقاتلات F-16 التركية من خلال نظام رادار S-300 الموجود في جزيرة كريت. وقالت مصادر عسكرية تركية، إن دولة تتعقب الطائرات المقاتلة لحليف الناتو كهدف معاد من خلال الرادار، تعتبر أنها ارتكبت عملاً عدائيًا وفقًا لقواعد الاشتباك لحلف الناتو.
بعد هذه الأحداث، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما لم يقله من قبل ضد اليونان، والذي لم يكن أقل من العمل العسكري. وحذر أردوغان في كلمة من أن اليونان ستدفع ثمنا باهظا إذا استمرت في انتهاك المجال الجوي التركي وتعطيل طائراتها فوق بحر إيجه. وقال أردوغان: لدينا كلمة واحدة لليونان لا تنسوا إزمير!".
إزمير هي مدينة على ساحل بحر إيجه، يسميها الإغريق سميرنا، واحتلت اليونان هذه المدينة في نهاية الحرب العالمية الأولى، ولم تعترف بها تركيا أبدًا كجزء من اليونان حتى استولت القوات التركية على هذه المدينة عام 1922 واستعادتها من اليونان. وأكد أردوغان أيضًا أن هيمنة اليونانيين على جزر بحر إيجه القريبة من تركيا لا تربطهم بأي شكل بأي شكل من الأشكال، وأن تركيا ستفعل كل ما هو ضروري عندما يحين الوقت.
رداً على كلمات أردوغان التهديدية، قالت اليونان إنها ستبلغ حلفاءها وشركاءها بمحتوى التصريحات الاستفزازية لتحديد من يستهدف تماسك حلف الناتو في فترة خطيرة. وفي ظل تصاعد الحرب الكلامية بين الجانبين، صرح الجنرال المتقاعد التركي قراغوش أن الحرب بين تركيا واليونان حتمية ويجب تعزيز القوة الجوية لهذا البلد.
ويأتي ادعاء السلطات التركية في الوقت الذي تتهم فيه سلطات أثينا دائمًا طائرات العدو بالتحليق فوق الجزر اليونانية بالقرب من الحدود التركية ، وأدى الخلاف بين الجارتين إلى تسيير دوريات متكررة. كما تعتبر أنقرة وجود القوات اليونانية في هذه الجزر مخالفًا لمعاهدات السلام الموقعة بعد الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وتدينها. وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في يونيو / حزيران إن أنقرة ستتحدى سيادة اليونان إذا واصلت أثينا إرسال قوات إلى الجزر.
الصراع على موارد الطاقة في البحر الأبيض المتوسط
في العقود الأخيرة، قضايا مثل المياه الإقليمية والمناطق البحرية المتنازع عليها وتسليح الجزر وانتهاك حقوق الأقلية التركية في تراس؛ وتعد المناطق المسلمة في اليونان من الأشياء التي غالبًا ما تسبب التوتر بين أنقرة وأثينا.
على الرغم من أن الاختلافات بين تركيا واليونان لها جذور تاريخية، إلا أن بعض القضايا غذت هذه الاختلافات في السنوات الأخيرة. تركيا، التي هي في أمس الحاجة إلى موارد النفط والغاز لاقتصادها المتنامي، تحاول الحصول على جزء من احتياجاتها من قاع البحر الأبيض المتوسط ، ولهذا الغرض، اصطدمت مع اليونان بشأن هذه الموارد، لأن اليونان كذلك تدعي ملكية هذه الموارد وهذه المشكلة فاقمت مستوى التوتر بين الجانبين.
التوتر بين تركيا واليونان بشأن جزيرة كاستيلوريزو الغنية بالغاز في البحر الأبيض المتوسط هو المكان الذي يركز فيه الخصمان على السيطرة على مواردها الحيوية. تدعي تركيا أن المنطقة المحيطة بهذه الجزيرة الاستراتيجية تنتمي إلى هذا البلد، ولا يمكن اعتبار المطالبة اليونانية أساسًا لتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة. بفضل قوتها العسكرية وسياساتها الطموحة، تمكنت تركيا من استخراج الكثير من الموارد من قاع البحر الأبيض المتوسط وقعره السفلي، وتعتبر أي عمل استفزازي من قبل اليونان تهديدًا سترد عليه بقوة.
كان تسيير الطائرات المقاتلة التركية فوق بحر إيجه أيضًا استعراضًا للقوة أمام أثينا لإظهار أن تركيا مستعدة للدخول في مواجهة عسكرية للدفاع عن موارد الغاز. حتى الآن، رفضت السلطات اليونانية الدخول في توتر جديد مع أنقرة وتحاول حل هذه المشكلة من خلال وساطة أوروبية، لكنها لم تنجح.
يزعم المسؤولون في أنقرة أن اليونان سلحت العديد من الجزر في بحر إيجه منذ عقود، ويعتقدون أن اليونان هددت أمن تركيا بمثل هذا السلوك المثير للتوتر، ويمكن أن تؤدي مثل هذه الهجمات إلى تصعيد التوترات بل عواقب خطيرة على السلام والاستقرار في المنطقة. لهذا السبب، حاولت سلطات أنقرة اتهام جارتها بانتهاكها الواضح للقوانين في هذه الجزر من خلال القنوات الدبلوماسية، حتى لا يتمكن اليونانيون من تقديم مطالبات بشأن حقوقهم البحرية الأخرى في المعاهدات المبرمة بين البلدين.
سبب آخر دفع البلدين إلى المواجهة هو الإجراءات التي ربما اتخذتها اليونان لتعطيل العلاقات بين واشنطن وأنقرة. يزعم المسؤولون الأتراك أن اليونان حاولت إقناع الحكومة الأمريكية بعدم بيع طائرات مقاتلة من طراز F-16، كما علق الكونجرس أيضًا خطة بيع هذه المقاتلات لدعم أثينا، وهي خطوة أثارت غضب قادة أنقرة.
تركيا واليونان عضوان في الناتو وبدلاً من الدفاع عن بعضهما البعض ضد العدو المشترك، اصطف كل منهما ضد الآخر، ما تسبب في قلق أعضاء آخرين في هذه المنظمة العسكرية. تعتبر كل من تركيا واليونان أن بعضهما البعض يمثلان أكبر خطر أمني لهما وأن السيطرة على شرق البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة هي أساس تنافسهما.
بالنظر إلى أن تركيا تمتلك أكبر جيش للناتو بعد الولايات المتحدة وهي في موقع متفوق مقارنة بمنافسها من حيث المعدات وعدد القوات، لم يكن اليونانيون عاطلين عن العمل في السنوات الأخيرة وحاولوا الحصول على أسلحة أكثر حداثة من أجل تعزيز قاعدة دفاعهم، إضافة إلى ترساناتهم. محاولة شراء مقاتلات متطورة من أمريكا لتقوية القوة الجوية وبناء مظلة مضادة للطائرات دون طيار لاعتراض الطائرات التركية دون طيار، والتي يتم توجيهها بشكل أساسي من خلال التقنيات التي صنعها النظام الصهيوني، هي من بين الإجراءات التي وضعتها أثينا على جدول الأعمال في السنوات الأخيرة. من أجل التمكن من الدفاع عن أمن حدودها في حالة نشوب نزاع.
هتاف أردوغان لاستفزاز القوميين
بصرف النظر عن الصراع بين تركيا واليونان حول موارد الغاز في البحر الأبيض المتوسط والجزر المتنازع عليها، فإن تصريحات أردوغان الحادة في الوقت الحالي لها أيضًا فائدة محلية. بالنظر إلى أن الانتخابات الرئاسية في تركيا ستجرى العام المقبل وأن أردوغان يحاول البقاء في السلطة مرة أخرى بأي طريقة ممكنة، لذلك فإن مناورة السلطة الأخيرة ضد أثينا هي لتشجيع الرأي العام داخل تركيا لإظهار أردوغان وطنياً يحاول تأمين المصالح الوطنية.
المواقف التي أظهرها أردوغان في الأشهر الأخيرة فيما يتعلق بالتطورات الإقليمية والعالمية، وخاصة فيما يتعلق بأزمة أوكرانيا، أدت إلى حد ما إلى تحسين شعبيته ومكانته بين الناس، وتستمر هذه السياسة بقوة أكبر في الأشهر التي سبقت الانتخابات، وسيتغلب على المعارضة الداخلية ويتولى الرئاسة للمرة الثالثة على التوالي. نظرًا لأن القوميين الأتراك متحمسون أيضًا لاستعراض أردوغان للقوة ضد المنافسين الأجانب، فإن هذه الإجراءات يمكن أن تقنع القوميين بالتصويت لأردوغان.
تشير الدلائل إلى أنه لا يوجد أفق واضح لتقليل مستوى التوترات بين تركيا واليونان، وبما أنه لا يوجد طرف من الأطراف على استعداد للتراجع عن مطالبهم، فإن التوترات ستزداد يومًا بعد يوم، وكما يتوقع المحللون، على الأرجح في المستقبل، سيؤدي إلى حرب واسعة النطاق في المنطقة.
