الوقت_ دون أيّ نتائج تفضي إلى اتفاق وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب على اليمن التي بدأت عام 2015، انتهت مفاوضات عُمان بين المبعوثين الأمريكي والأممي إلى اليمن، وحركة المقاومة اليمنية "أنصار الله" (الحوثيين)، ما يعني أنّ السعوديّة وحلفاءها لم يكونوا أبداً على استعداد لإيقاف عملياتهم العسكرية، وخروج قوات الاحتلال من البلد الذي يمزقه الصراع منذ بدء العدوان السعودي على الشعب اليمني قبل سبع سنوات، بكل ما يحمله من جرائم ومجازر بشعة لم تستثن الأطفال والنساء والشيوخ وكوارث يندى لها جبين الإنسانية وتجاوزات خطيرة للقوانين الدوليّة ما تسبب بأكبر كارثة إنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة، فيما أعرب المبعوث الأممي مارتن غريفيث عن أسفه لعدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في اليمن.
شروط واضحة
مراراً عبّر الحوثيون عن أنّهم مستعدون لوقف كل عملياتهم العسكرية مقابل وقف العدوان في إشارة إلى العمليات الإجراميّة للتحالف العربيّ بقيادة الرياض، ورفع الحصار وانسحاب القوات الأجنبية من الأراضي اليمنيّة، في ظل استمرار العدوان على اليمن منذ 2015 وتصاعد محاولات القوى المشاركة في العدوان لإخضاع الشعب اليمني لما تريده من إملاءات عبر الاستهداف المباشر لكل مكونات اليمن وارتكاب جرائم إنسانيّة تعامت عنها دول غربيّة وعربية ومنظمات دوليّة كبرى مقابل محسوبيات وصفقات ملطخة بدماء اليمنيين، وترفض حركة أنصار الله الموافقة على أي اتفاق قبل وقف دعم الطيران للقوات الحكومية في مأرب، إضافة إلى رفع الحصار وفتح المطارات، ورفع الوصاية الخارجية، واحترام حسن الجوار، لكن هذا ما لا تريده دول العدوان.
وفي هذا الخصوص، تتواصل جهود المبعوث الأممي جهوده الرامية حسب تصريحاته إلى "رفع القيود المفروضة على موانئ الحديدة، وفتح مطار صنعاء للتخفيف من حدة الوضع الإنساني المتردي"، بما من شأنه "توفير بيئة مواتية لاستئناف عملية سياسية تشمل الجميع، وتنهي النزاع في اليمن بشكل شامل"، فيما لا يبدو أنّ اليمنيين واثقون بالرغبة العربية والدوليّة بإنهاء الغزو على بلادهم، والدليل تصريحاتهم التي رافقت خروقات التحالف بالقول: "سنمضي قدماً في ضرب العمق السعودي وتحرير اليمن"، وهي لن تثنيهم وفقاً لقياديين في الحركة على الإطلاق عن أن يكونوا حاضرين للمعركة الكبيرة، وللانتصار، والأخد بالثأر للشعب اليمني والأمة العربية الإسلامية، وقد بيّنت أنصار الله مؤخراً أنّ "خروقات التحالف السعودي تعتبر وقوداً للجبهات لتبقى حية ومستمرة"، وأنّ "الإجرام يقرّب الانتصار، فكلما نبذوا العهود وخالفوا الاتفاق فإنّهم يقتربون من هزيمتهم"، حيث تأتي تلك التصريحات بعد أن عانى اليمنيون لسنوات طويلة من الظلم والقتل الجماعيّ والتخاذل الدوليّ.
أسباب جليّة
وفقاً للوقائع، فإنّ انسحاب الفريق الموالي لـ«التحالف ضد اليمن» من المناقشات حال دون التوصّل إلى أيّ تفاهمات بين الطرفين، حيث تزامَن انعقاد الجلسة الأولى من الجولة الجديدة مع اندلاع مواجهات بين قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وميليشيات موالية لحزب «الإصلاح» في منطقة ميلات غرب تعز، إثر مهاجمة الأخيرة مواقع الأولى، ووفقاً لمراقبين فإنّ "الهجوم كان مخطَّطاً له مسبقاً ليعيق انطلاق المفاوضات"، رغم أن ما حدث يندرج ضمن الخروقات اليومية المستمرة للهدنة.
وفي الوقت الذي اتهمت الأطراف التابعة للسعودية وتحالفها حركة أنصار الله بالترويج منذ وقتٍ مبكر لفشل المفاوضات، إلا أنّ الحقيقة جاءت على لسان وفد صنعاء العسكري المفاوِض، الذي اتهم وفد الطرف الآخر، بـ«اختلاق العراقيل واستنزاف الوقت وإفشال مساعي السلام». ورفض رئيس الوفد، اللواء عبدالله الرزامي، الحديث عن أي خطوات في الجانب العسكريّ المفاوض، قبل صرف رواتب موظفي الدولة وإدخال السفن المحتجَزة وتوسيع الرحلات الجوية.
"لم تحمل أي جديد، بل كررت العروض القديمة نفسها"، هذا ما ركّزت عليه زيارة المبعوثين الأمريكيّ والأممي إلى مسقط حسب وسائل إعلام، في وقت طالبت فيه حكومة «الإنقاذ» في العاصمة اليمنية الأمم المتحدة بتنفيذ التزاماتها بشأن فتح وجهات جديدة لرحلات مطار صنعاء الدوليّ إلى جانب مصر والأردن، وحل مسألة رواتب الموظفين، ووقف إعاقة سفن الوقود من الوصول إلى ميناء الحديدة، حيث أعادت قوات «التحالف العربيّ»، قبل أيام، احتجاز 4 ناقلات وقود قبالة سواحل الميناء، واقتادتها بالقوّة نحو سواحل جيزان، في خرقٍ وصفته شركة النفط اليمنية بـ«الجسيم».
وبالتالي، إنّ عدم وجود الرغبة من قبل الأطراف التابعة لتحالف الرياض ومن يدور في فلكها، يهدّد بشكل خطير للغاية مساعي مبعوثَي الأمم المتحدة هانس غروندبرغ، والولايات المتحدة تيم ليندركينغ، اللذين يدفعان نحو تنفيذ بنود الهدنة، تمهيداً لفتح النقاش حول المقترَح الأممي المقدَّم إلى أطراف الصراع أواخر تموز المنصرم، والذي يدعو إلى تمديد الاتفاق لستّة أشهر إضافية، وتوسيع بنوده ليشمل بشكل رسميّ قضية رواتب موظفي الدولة، والتي تمّ تأجيل إدراجها مطلع آب الفائت إلى ما بعد التمديد الثالث لوقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في الثاني من نيسان الفائت، بدعوى إفساح المجال أمام الأمم المتحدة لتنفيذ التزاماتها السابقة.
عزيمة حقيقيّة
في الفترة الماضي، أبدى مسؤولو حركة أنصار الله رأيهم فيما يتعلق بالقبول الأخير للهدنة وفق الشروط الراهنة، حيث أكدت حركة أنصار الله أنّه "إذا لم يكن هناك عزيمة حقيقيّة في فك العدوان والحصار فإنّ المعركة ستستمر، نحن لا نأبه بأي تهديد، وإنّ قبولنا بالهدنة جاء لأننا لا نريد الاستمرار في الحرب، لكن إذا استمروا في اعتداءاتهم فلن نقف مكتوفي الأيدي"، في وقت تطالب فيه منظمات كثيرة دوليّاً بوقف التعاون الاستخباراتيّ واللوجستيّ مع الرياض، ووقف بيع الأسلحة لها، وممارسة ضغوط على الحكومة السعوديّة لوقف قصفها الجويّ وانهاء حصارها لليمن إضافة إلى استئناف المساعدات الإنسانيّة لليمنيين.
وبالاستناد إلى أنّ العدوان الذي تشنّه السعوديّة ومن معها على اليمن أظهر ارتكاب أبشع الجرائم بحق اليمنيّين، ناهيك عن أسلوب الحصار الخانق على الشعب اليمنيّ الأعزل الذي يعاني أسوأ ظروف صحيّة واقتصاديّة، دفع مسؤولين يمنيين إلى القول بأنّ الأسلحة التي خيض بها العدوان: "نعرفها ونفهمها ولدينا ما يواجهها"، مشدّدين على أنّ لدى القوات المسلحة اليمنية "أسلحة الردع التي بإمكانها أن تحدد ميزان الردع والانتصار قريباً"، وهذا أيضاً ما قاله قائد حركة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي الذي أكّد، قبل مدّة، أنّه يجب "البقاء على درجة عالية من الجهوزية، والانتباه لكل مخططات الأعداء" في ظل الهدنة القائمة.
ومن الجدير بالذكر، أنّ الأمم المتحدة أعلنت، في الـ 2 من آب/أغسطس، نقلاً عن مبعوثها إلى اليمن هانس غروندبرغ، أنّ الأطراف المتحاربة وافقت على تمديد الهدنة شهرين إضافيَّين، مبينةً أنّ "هذا التمديد يشمل التزاماً بشأن استمرار المفاوضات بُغية التوصل إلى اتفاق هدنة موسَّع في أسرعِ وقتٍ ممكن"، وتتضمّن بنود الهدنة السارية في اليمن، منذ الـ 2 من نيسان/أبريل الماضي، والتي جرى تمديدها أيضاً في الـ 2 من حزيران/يونيو، إيقاف العمليات العسكرية الهجومية براً وبحراً وجواً داخل اليمن وعبر حدوده، وتيسير دخول سفنٍ تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة غرب اليمن، كما تضمنت الهدنة السماح برحلتين جويتين من مطار صنعاء الدولي وإليه أسبوعياً، وعقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات، لتحسين حرية حركة اليمنيين في الداخل.
وحسب ما أظهرت السنوات الماضية، فإنّ اليمنيين باتوا أصحاب تجربة سياسيّة أقوى بكثير عقب الحرب التي خاضوها على كل الجبهات والمحافل، وإنّ معادلات الحرب بأكملها باتت بين أيديهم ضد التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات ومن معهما، لذلك لابدّ أن تُطبق الشروط التي وضعوها لحماية البلاد وشعبها من غطرسة وطمع ودمويّة بعض الدول التي عاشت على دماء المستضعفين، بما من شأنه أن يعدل حسابات تلك الدول تجاه جرائمها الشنيعة بحق الأبرياء، حيث تبدو جماعة "أنصار الله" جادة في رسائلها وشروطها فهي التي أسقطت نظريات ومشاريع محمد بن زايد ومحمد بن سلمان التخريبيّة، خاصة أنّ اليمن يعيش حرباً وحشيّة، وحصاراً خانقاً، وتدميراً ممنهجاً منذ سنوات، ولا يمكن لأيّ لغة في العالم أن تصف المشهد هناك بعد أن كان هذا البلد يوصف بالسعيد يوماً، لكن الآلة العسكريّة لدول العدوان قصفت بنيته التحتية بشكل شبه كامل، واليوم يعول الجميع على شجاعة ومقاومة اليمنيين التي تستند إلى أخلاقهم الإنسانيّة والعربيّة والإسلاميّة في كل الميادين.
في النهاية، إنّ وجود قوات الاحتلال في بلادهم تحت أي مسمى يريد فقط تحويل اليمن إلى "فلسطين ثانية" تحت ستار ما يسمى "التحالف العربيّ" خدمة لأجندة الصهاينة والأمريكيين، وإن تجربة وقف إطلاق النار مع الاحتلالين السعوديّ والإماراتي أكدت وبالبراهين، أنّ الإحتلال مهما تغير اسمه وشكله فإنه لا يلتزم بالعهود والمواثيق كما يقول أبناء اليمن على مواقع التواصل الاجتماعيّ، بل ينتهز فترة الهدوء لتعزيز مواقعه وتثبيتها بما يخدم مصالح واستراتيجية احتلاله، وقد أثبتت تجارب السنوات السبع العجاف التي تسببت فيها أبو ظبي والرياض في اليمن أنّ العدو لا يمكن أن يخرج إلا بالسلاح والقوة، وإنّ تلك العواصم لا تفهم إلا "لغة الصواريخ" وهجمات المقاومين في اليمن على أراضيه التي تنعم بالخير والسلام مقابل إحلال الجحيم والموت والدمار على أراضي الغير.