الوقت - أشرف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، على تكريم قيادات عسكرية سابقة رفيعة في الجيش الجزائري، اثنان منهم زج بهما في السجن، وثالث فر للخارج في فترة رئيس أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح. وأثار هذا القرار موجة تعليقات، بين من رآه حدثا رمزيا يصب في خانة إعادة الاعتبار لهؤلاء، وبين من اعتبره دليلا على تغير في ميزان القوى داخل منظومة الحكم.
وجاء تكريم هذه القيادات العسكرية التي شغلت أعلى المناصب في المؤسسة العسكرية، بمناسبة اليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي الذي يحتفى به سنويا كل يوم 4 آب/أغسطس.
وضمت القائمة، الرئيس ووزير الدفاع الوطني السابق اليامين زروال ووزير الدفاع الوطني سابقا خالد نزار ورئيس دائرة الأمن والاستعلام محمد مدين المدعو “الجنرال توفيق” واللواءين محمد بتشين وحسين بن حديد. وحسب ما أعلنه اللواء الذي نشط الحفل، أمام الرئيس تبون، فإن هؤلاء المكرمين غابوا عن التكريم لظروف صحية.
واللافت في هذه القائمة أنها ضمت مدير المخابرات السابق محمد مدين المدعو توفيق الذي أقيل من منصبه سنة 2015 بعد نحو 20 سنة قضاها في هذا المنصب الحساس، وعاد اسمه للظهور في بداية الحراك الشعبي سنة 2019، حيث اتهمه رئيس أركان الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح بتنظيم اجتماعات مع شقيق الرئيس الراحل ومستشاره السعيد بوتفليقة لتدبير حل غير دستوري للأزمة التي كانت تعيشها الجزائر. وترتب على ذلك اعتقال محمد مدين وإيداعه السجن العسكري، قبل أن تتم تبرئته لاحقا ويطوى هذا الملف مع بداية سنة 2020.
كما يوجد في القائمة الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، وهو أحد الذين برزوا قبل فترة الحراك الشعبي. بتوجيه نقد لاذع لرئيس أركان الجيش الراحل في حواراته مع صحف ومواقع جزائرية. ووجهت لابن حديد تهم إضعاف معنويات الجيش والخروج عن واجب التحفظ وأدخل السجن قبل أن يفرج عنه مع وصول الرئيس تبون للحكم. وسبق لابن حديد أن ظهر في حفل نظمه الجيش قبل فترة، كدليل على إعادة الاعتبار له.
أما الشخصية الثالثة، فهو خالد نزار وزير الدفاع السابق الذي اشتهر خلال الأزمة السياسية التي عرفتها الجزائر بداية التسعينيات إثر فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالدور الأول للانتخابات البرلمانية، التي تم إلغاؤها، بعد تصاعد الأحداث التي انتهت باستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ودخول البلاد في نفق الأزمة الأمنية.
واشتبك نزار هو الآخر مع الفريق الراحل قايد صالح خلال فترة الحراك الشعبي، واضطر لمغادرة البلاد خوفا من الاعتقال وصدر في حقه بعد ذلك حكم غيابي بـ20 سنة سجنا نافذا. وشن نزار في تلك الفترة وهو خارج البلاد عبر سلسلة تغريدات على تويتر هجوما لاذعا على قايد صالح. لكن الرجل القوي في النظام سابقا عاد للبلاد بشكل مثير للجدل في كانون الأول/ديسمبر 2020 مستفيدا من إلغاء الأحكام.
ولم يمر خبر التكريم دون إثارة الجدل على مواقع التواصل. ورأى البعض أن الرئيس تبون في إطار مبادرة لم الشمل التي يطرحها، أراد معالجة الحساسيات التي خلفتها فترة الحراك الشعبي في نفوس كبار الضباط السابقين الذين استشعروا الظلم بدخولهم السجن أو دفعهم لمغادرة البلاد، لكن دون أن يعني ذلك بالضرورة عودة تلك القيادات للعب أدوار في منظومة الحكم فأغلبها تقدم في السن ويعاني المرض.
وهناك في المقابل، من رأى هذا التكريم مؤشرا على عودة الجناح الأمني القوي الذي كان يتزعمه سابقا الجنرال توفيق داخل منظومة الحكم ومحاولة مسح كل آثار فترة الفريق الراحل أحمد قايد صالح الذي يوجد عدد من أبرز الضباط الذين عملوا معه في السجن، مثل قائد المخابرات السابق واسيني بوعزة.
من جانب آخر، حرص الرئيس تبون على تكريم المقدم حمزة شعلال قائد القوة الخاصة في عملية تيقنتورين الشهيرة بداية سنة 2013 التي هاجم فيها إرهابيون قاعدة للغاز بالصحراء الجزائرية التي يشتغل بها أجانب. وقال منشط الحفل عن المقدم حمزة شعلال إنه ورغم إصابته في عملية تيقنتورين إلا أنه رفض الانسحاب حتى يتم القضاء نهائيا على الإرهابيين.
وفي كلمة له بالمناسبة، قال الفريق أول سعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بعد أن أثنى مطولا على قرارات و”إنجازات” الرئيس تبون، إن “الجهود المبذولة طوال مسيرة الجزائر المستقلة، والتي لطالما شكلت مصدرا لفخر واعتزاز الأمة قاطبة، تدعونا اليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الأولى لليوم الوطني للجيش الوطني الشعبي، إلى تكريم مجموعة من رجال الجزائر البررة، هو تكريم لكل الذين قدموا تضحيات جليلة في سبيل الوطن وخدموه بكل شرف وإخلاص”.