الوقت- بينما ظلت الضفة الغربية خارج قائمة أولويات المشاكل الأمنية للنظام الصهيوني لسنوات، ظهرت في الأشهر الأخيرة بوادر انتفاضة مسلحة، وعادت للظهور وبدأت بالانتشار، وهذا الامر أرعب الصهاينة من التطورات المستقبلية في هذه المنطقة. وبعد أن أدت موجة عمليات المقاومة في الأشهر الماضية إلى تكثيف إجراءات النظام الأمنية والعمليات العسكرية في مدينة جنين ومخيم هذه المدينة، وصل الآن الكفاح المسلح للفلسطينيين في الضفة الغربية إلى مدينة نابلس، وهذا الامر جعل الصهاينة يخافون بشدة من توسع الانتفاضات الشعبية في الاراضي المحتلة، وذلك لان هذه الانتفاضات انتقلت إلى مناطق أخرى من الضفة الغربية وحتى المناطق التي تواجد فيها الفلسطينيون عام 1948.
ووصل الوضع إلى درجة أن القوات الصهيونية تقوم بعمليات في الضفة الغربية بشكل شبه يومي منذ نهاية آذار / مارس، وكثفت اعتقال المطلوبين الفلسطينيين. وفي الجولة الأخيرة من العمليات العسكرية الإجرامية الصهيونية في الضفة الغربية، قتلت قوات الاحتلال، يوم الاثنين الماضي، شابين فلسطينيين وأصابت ثمانية آخرين بقصفها للمنطقة القديمة في مدينة نابلس. ومع هذا الوصف، فإن السؤال المطروح هو، في أي اتجاه سيذهب الوضع في الضفة الغربية في المستقبل، وكيف هي مخاوف الصهاينة من التطورات في الضفة الغربية؟
طريقان أمام فتح بعد "محمود عباس"
ما لا شك فيه أن الإغلاقات التي أطلقها النظام في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة هي أكثر من مجرد علامة على القوة والسيطرة على الأوضاع في هذه المنطقة، فهي تظهر قلق الصهاينة من بوادر عاصفة يمكن أن تؤثر على الأوضاع في الضفة الغربية في المستقبل غير البعيد. وفي هذا الصدد، صرح المحلل الصهيوني يوآف ليمور في صحيفة "إسرائيل إليوم" بأن الزيادة الحادة في العمليات الفلسطينية ضد الجيش الصهيوني في العديد من مناطق الضفة الغربية منذ بداية عام 2022، أثارت قلقًا شديدًا لهذا النظام، وخاصة أن هناك خلافات في عملية انتخاب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى، حذرت يوني بن مناحم، الرئيس التنفيذي السابق للإذاعة الصهيونية، من زيادة أعداد المسلحين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية، وخاصة في جنين، وفقدان السيطرة على شمال الضفة الغربية. إن التحذيرات والمخاوف المتزايدة من قبل المسؤولين والمحللين في النظام الصهيوني حول مستقبل منظمة فتح والسلطة الفلسطينية، وخاصة قضية خلافة محمود عباس البالغ من العمر 77 عامًا، هي أن عملية التفاوض والتسوية في الضفة الغربية تتلاشى تدريجياً وتفسح المجال لحل المقاومة المسلحة في الضفة الغربية، وهي ضد الاحتلال وتدير ظهرها للاتفاقيات الغادرة مع الصهاينة والتي لم تجلب أي نفع للفلسطينيين ولم تجلب للفلسطينيين سوى الخسائر والتهجير وضياع مساحات شاسعة.
اليوم، حركة فتح ليست فقط غير محبوبة بين الفلسطينيين الساخطين في الضفة الغربية بسبب انتهاج نهج تسوية وسرقة الفرص التاريخية للأمة الفلسطينية لنيل حريتها واستقلالها، ولكن أيضًا معارضة الطابع الإداري وأيديولوجية فتح في عهد محمود عباس، كان سبباً في نمو الهيكل التنظيمي لهذه الحركة، وخاصة في جيل الشباب، بشكل كبير. عندما انطلقت هذه الحركة في منتصف الستينيات، كانت حركة فتح في ذلك الوقت حركة تحرر وطني جمعت كل الأيديولوجيات الاجتماعية والسياسية والطبقية حول النضال من أجل نيل حرية وحقوق الأمة الفلسطينية. وعليه، فإن من يؤمن بقضية فلسطين ويواجه احتلال العدو الصهيوني، حتى من دون انتماء إلى فتح، يرى نفسه تحت خيمة نضال حركة فتح. لذلك، اليوم، جزء كبير من الجسم التنظيمي لفتح، انسجم مع غيره من الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية، يريد نهضة أيديولوجية ونضالات في فتح، وهم يحبون التسوية والسلوك المحافظ للقادة المعتادين الذين لديهم صراعات شخصية مع الحركة.
إن أولئك الذين يؤمنون بالعمل السياسي والتفاوض في منظمة التحرير الفلسطينية، والذين عانوا من اليأس الشديد وخيبة الأمل منذ بدء عملية تطبيع العلاقات بين النظام الصهيوني والدول العربية، تلقوا الضربة القاضية بملاحظة نتائج رحلة بايدن إلى المنطقة، حيث ثبت أن بايدن مشابه أيضًا لجميع الحكومات الأمريكية السابقة ويلتزم بجميع قرارات وإجراءات إدارة ترامب. لقد قام بايدن باغلاق القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية ولن يعيد فتح مكتب منظمة فتح في واشنطن ولن يحذف اسم منظمة التحرير من قائمة الإرهاب.
حقيقة دفعت الكاتب اليساري الإسرائيلي جدعون ليفي إلى القول بسخرية عن الماء البارد الذي سكبه بايدن على الأمل الأخير لرؤساء منظمة التحرير الفلسطينية، حيث قال: "لقد قام الرئيس بايدن من مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس الشرقية بالتوقيع على وثيقة الموت واختار حل الدولتين". لذلك، أثناء الاصطفاف مع سكان الضفة الغربية، يزداد صوت الاحتجاج لهذا الجزء من الهيئة التنظيمية لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية بشكل تدريجي. إن القادة الحاليين لمنظمة التحرير الفلسطينية، على الأقل بالنسبة في حقبة ما بعد محمود عباس، يجب عليهم الاختيار بين الاستمرار في المسار الحالي وكنتيجة للاستيعاب في التطورات الفلسطينية في المستقبل القريب، أو إجراء تغييرات جذرية في العلاقات مع النظام ومراجعة العروض والاتفاقيات السابقة تجاه الصهاينة. وقد أدى ذلك إلى شعور الصهاينة بالتهديد الشديد من التطورات المستقبلية في فتح والضفة الغربية بشكل عام، وقاموا بإعداد أنفسهم لمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة.
قد أدى تصعيد العمليات الاستشهادية الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة وتوسيع القدرات العسكرية للمقاومة في غزة إلى خلق حالة من الخوف والذعر في الأراضي المحتلة، وزادت مسيرة العلم الفلسطيني الأخيرة من مخاوف الصهاينة. ولهذا فهم قلقون من توحد الفلسطينيين. ولقد حاول الصهاينة دائمًا منع الفلسطينيين من التوحد من خلال خلق شقاق بين الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية، ولكن هذه الجهود باءت بالفشل، وفي العامين الماضيين ازداد التماسك بين غزة والضفة الغربية والقدس بسبب تنامي نفوذ المقاومة، وقد رأينا بوضوح مثالاً واضحاً على ذلك في معركة سيف القدس التي تصاعدت فيها مقاومة غزة دعماً للقدس والضفة الغربية.
ويحاول النظام الصهيوني القضاء على قضية فلسطين والمثل الأعلى لتحرير القدس من المستوى الوطني كليًا، وتطبيع العلاقات مع الأنظمة العربية وزيادة نفوذها في الشرق الأوسط، والقضاء على قضية القدس وفلسطين على المستوى الدولي. لذلك فإن مواجهة العلم الفلسطيني مطروح أيضا على جدول الأعمال الصهيونية، لأن العلم هو الرمز الرئيسي لتطلعات الدولة الفلسطينية الكبرى، وطالما أنه يرفرف فسيكون كابوسا مروعا للصهاينة.