الوقت - بينما تحاول الولايات المتحدة عزل روسيا وإيران في العالم من خلال بناء تحالفات وفرض عقوبات إقليمية ودولية، تعمل طهران وموسكو أيضًا على إفشال جميع جهود الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال التعاون الثنائي والاستراتيجي.
بعد التعاون الاستراتيجي بين إيران وروسيا، تم التوصل إلى اتفاق مبدئي لاستثمار شركات النفط الروسية الكبرى، بما في ذلك شركة غازبروم الروسية، في إيران.
وفي هذا الصدد، توجه مسؤولون كبار في شركة غازبروم إلى طهران في الأيام الماضية، وأثناء المفاوضات مع كبار مسؤولي النفط الإيرانيين، اكتملت مناقشات الخبراء وتم إعداد نص المذكرة، التي وقعها مسؤولون من الجانبين يوم الثلاثاء الماضي بالتزامن مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران.
تشمل هذه الاتفاقية استثمار روسيا في أول عمليات حفر في حقل بارس الشمالي، تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع حقل كيش الغازي، مشروع تعزيز الضغط في حقل فارس الجنوبي والاستثمار في مشاريع الغاز الطبيعي المسال، إنشاء خطوط أنابيب تصدير الغاز ومبادلة الغاز والمنتجات البترولية والتعاون العلمي والتكنولوجي، تصدير العوامل الحفازة وإنتاج معدات حساسة لصناعة النفط.
في الوقت الحالي، تم تنفيذ 4 مليارات دولار من العقود مع مختلف الشركات الروسية للاستثمار في إيران، ومع الاتفاقيات الجديدة، ستصل قيمة الاستثمارات إلى 40 مليار دولار، ما يعني زيادةً بمقدار عشرة أضعاف في مستوى التعاون في مجال الطاقة.
وحسب هذا الحجم من الاستثمارات، سيزداد إنتاج إيران من النفط والغاز في المستقبل بمشاركة الروس. ووفق المسؤولين الإيرانيين، يعدّ هذا أكبر مبلغ غير مسبوق من الاستثمار الأجنبي في تاريخ صناعة النفط، والذي تم توقيعه مع أحد عمالقة الطاقة في العالم.
وفقًا للاتفاقية الأخيرة، سيتم إجراء جزء من استثمارات الشركات الروسية في حقل بارس الجنوبي، حيث كان من المفترض أن تستثمر شركة توتال الفرنسية في وقت سابق.
على الرغم من توقيع شركة توتال اتفاقيات مع إيران لتطوير حقل بارس الجنوبي بعد توقيع الاتفاقية النووية بين إيران و5 + 1، لكنها بعد فترة وجيزة خرقت التزاماتها وخرجت من إيران، بحجة العقوبات الأمريكية.
في مايو 2018، وبعد أسبوع واحد من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، أعلنت شركة توتال من خلال نشر بيان أنه إذا لم تستطع الشركة الحصول على إعفاء من العقوبات من الولايات المتحدة، فإنها ستنسحب من مشروع تطوير المرحلة الـ 11 من حقل بارس الجنوبي للغاز. ولهذا السبب، تخلت عن التزاماتها وتركت صناعة النفط والغاز الإيرانية ربما إلى الأبد.
تم التوقيع على الاتفاقية الأخيرة بين إيران وروسيا بعد توقيع "وثيقة تعاون لمدة 20 عاما" بين البلدين في كانون الثاني/يناير من العام الماضي، خلال زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي لروسيا، ومن المحاور الرئيسية لهذه الاتفاقية تحسين مستوى التعاون بين البلدين في المجالات الاقتصادية والنفطية.
القوة التكنولوجية لشركات الغاز الروسية
بالنظر إلى أن روسيا تمتلك أكبر احتياطيات الغاز في العالم، فإن الشركات الروسية هي الرائدة بين جميع الدول في مشاريع الغاز في العالم.
أكملت شركة غازبروم التي تُعرف بأنها أكبر شركة غاز في العالم، مشاريع كبيرة في العالم في العقود الأخيرة، ولن تواجه أي مشاكل في تنفيذ مشاريع في إيران.
تعتبر المشاريع الكبيرة مثل "نورد ستريم"، وهي مجموعة من خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي البحري في أوروبا، والتي تمر تحت بحر البلطيق وتوصل الغاز من روسيا إلى ألمانيا، بطول 1223 كم، من المشاريع الضخمة في مجال الغاز والتي تم بناؤها بتكاليف باهظة.
حتى في السنوات الأخيرة، تم استخدام نورد ستريم 2 لزيادة القدرة على نقل الغاز الروسي إلى ألمانيا، ولكن مؤخرًا، بسبب العقوبات الأمريكية نتيجة الأزمة الأوكرانية، توقف النقل من خط الأنابيب هذا.
وإضافة إلى المشاركة في مشاريع نقل الغاز إلى أوروبا، لعبت الشركات الروسية أيضًا دورًا فعالاً في نقل هذه الاحتياطيات الاستراتيجية إلى الصين.
وفقًا للاتفاقيات المبرمة بين السلطات الصينية والروسية، سيتم نقل غاز سيبيريا إلى الصين عبر خط أنابيب. هذا العقد الكبير، الذي تبلغ قيمته أكثر من 400 مليار دولار، قدّمه الصينيون باعتباره مشروع القرن. لذلك، فإن الشركات الروسية التي لديها مثل هذا السجل الرائع في مجال الطاقة، ستنجح أيضًا في صناعة النفط والغاز الإيرانية.
التعاون الاستراتيجي بين طهران وموسكو
توقيع عقود نفط وغاز كبيرة بين إيران وروسيا، سيؤدي إلى تطوير العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة.
ونظرًا لأن إيران وروسيا لديهما 70 تريليون متر مكعب من احتياطيات الغاز، والتي تشمل 30٪ من احتياطيات العالم، فإنهما تلعبان دورًا مهمًا في أسواق الطاقة. ويمكن أن تساعد هذه القضية في الحفاظ على التعاون وتطويره، في وقت تخضع فيه الدولتان لعقوبات من الغرب.
على عكس سجل شركات مثل توتال في عدم الوفاء بالالتزامات، أوفت الشركات الروسية في هذا المجال بالتزاماتها في الماضي، ويقال إن العقود الجديدة ستنفذ قريباً ويمكن أن تساعد بشكل كبير في زيادة إنتاج منتجات النفط والغاز، وتطوير البنية التحتية لمنشآت الطاقة الإيرانية.
وتأتي الزيادة في تبادلات الطاقة بين طهران وموسكو في حين تم توقيع قانون التجارة الحرة بين إيران والاتحاد الأوراسي مؤخرًا، ومن المتوقع أن تزيد التبادلات الاقتصادية بين الجانبين بنسبة 75٪.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة استخدمت دائمًا العقوبات الاقتصادية لمعاقبة الدول غير المتحالفة معها، نظرًا لهيمنة الدولار على العالم، لذلك يمكن لإيران وروسيا وبسبب القدرات التي لديهما في مجال الطاقة، استخدام هذه الأداة للضغط على الغربيين.
كما تسببت العقوبات الغربية ضد روسيا في مزيد من الضرر للأوروبيين أنفسهم، وقد صرحت السلطات الأوروبية مرارًا وتكرارًا أنها لا تستطيع البقاء دون النفط والغاز الروسيين، ولا يوجد بديل لهما حاليًا.
حاولت روسيا في الأشهر الأخيرة جلب الدول التي لديها احتياطيات من النفط والغاز إليها وخلق أزمة الطاقة للغربيين، وقد نجحت حتى الآن في هذا المجال.
من جهة أخری، تحاول أمريكا قطع وصول روسيا إلى عائدات الطاقة من خلال حظر النفط والغاز الروسي، لكن التطورات التي حدثت في الأشهر القليلة الماضية تظهر أن روسيا، على عكس تصورات الغربيين، ليس فقط لم تتضرر في هذا المجال، بل من خلال تصدير نفطها إلى الدول الآسيوية والاتفاقيات مع حلفاء مثل إيران، تمكنت من تحييد تأثير هذه العقوبات.
وحتى وفقًا للإحصاءات المعلنة، في غضون 5 أشهر منذ الحرب في أوكرانيا، ربح الروس أكثر من 200 مليار دولار من خلال بيع النفط فقط، الأمر الذي يعتبر فريدًا من نوعه.
إن زيادة التعاون بين طهران وموسكو في الأشهر الأخيرة يتماشى مع سياسة "التحول شرقاً"، المدرجة على جدول أعمال الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الجانبين كانت على مستوى جيد في العقود الأربعة الماضية، إلا أنها لم تكن على مستوى الجودة والظروف الحالية، وهو ما يظهر أن الجانبين اقتربا من مستوى العلاقات الاستراتيجية.
کما تقف إيران وروسيا على جبهة واحدة في الحرب ضد الإرهاب المدعوم من الغرب في المنطقة وضد السياسة الأحادية للولايات المتحدة، وبإزالة الدولار من التبادلات الثنائية، تحاولان إنهاء هيمنة الدولار على التبادلات العالمية.
وبما أن "ممر الشمال - الجنوب" قد تم إطلاقه مؤخرًا، سيعمل طريق العبور هذا على تعزيز العلاقات التجارية بين البلدين في وقت اشتدت فيه العقوبات الغربية ضد البلدين.
وبالنظر إلی إغلاق الطرق الروسية المؤدية إلى أوروبا، سيلعب ممر الشمال - الجنوب دورًا مهمًا في المستقبل في نقل البضائع الروسية عبر هذا الطريق، ويمكن أن يؤدي إلى ازدهار اقتصادي في إيران.
كما دعت روسيا والصين إيران مؤخرًا للانضمام إلى المجموعة الاقتصادية "بريكس"، وسيؤدي وجود البلدين في هذه المنظمة الدولية الفعالة إلى زيادة تعزيز التفاعلات الاقتصادية.
تُظهر الاتفاقات الإيرانية الأخيرة في مجالي الاقتصاد والطاقة أن جهود الغرب لعزلها باءت بالفشل، ومع تطور التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف مع الدول الأخرى، فإن العقوبات الأمريكية أيضًا لن تفعل شيئًا.