الوقت_ عقب السنوات الطويلة التي مرت على القطيعة بين "حماس" ودمشق منذ اندلاع الحرب على سوريا، أفاد الإعلام الغربيّ بأنّ سياسة حماس الجديدة المتمثلة في تحسين العلاقات مع المقاومة اللبنانيّة "حزب الله" والحكومة السورية وخاصة بعد التغييرات في قيادتها، بعد أن تخلى بعض قياديي الحركة السابقين عن قلب العروبة النابض التي قدمت كل ما بوسعها وأكثر عن مبادئها وعانت ما عانته منذ أكثر من عقد لهذا السبب، وانخدعوا بالدعم التركيّ والقطريّ المشكوك بأمره منذ البداية، وقد انضمت حماس إلى صفوف مؤيدي الجماعات المتمردة في سوريا، ما ينعكس بشكل إيجابيّ كبير على دور "محور المقاومة" في التصدي للمحتلين والصهاينة في المنطقة.
بعد أن فشلت بعض الدول في إحراق سوريا عبر كل المجالات وتفتيت المنطقة ووضعها تحت إمرة الغزاة والمحتلين، وجعلها ساحة مفتوحة أمام مختلف التنظيمات الإرهابيّة وعلى رأسها تنظيمات داعش والنصرة والقاعدة المتطرفون، تعود حركة المقاومة الإسلاميّة في فلسطين "حماس" إلى بوابة دمشق بعد أن أغلق الأتراك كل السبل أمامها بسبب تنامي العلاقات الإسرائيليّة – التركيّة، وهذا يعني سير صائب في طريق مقاومة العصابات الصهيونيّة التي أمعنت في احتلالها وجبروتها.
وبلا شك إنّ نهج حماس الجديد ينبع من الانتصارات الكبيرة التي حققتها سوريا في الميدان العسكريّ بعد دحر الجيش السوريّ المجموعات الإرهابيّة المسلحة في أغلب المناطق السورية وسيطرته على معظم مساحة البلاد، وعودة بعض الدول العربيّة وحتى الأوروبيّة التي قاطعت وحاربت دمشق لسنوات طويلة إلى العاصمة السوريّة عبر الطريق الدبلوماسيّ، وهذه العودة التي أكدتها عدة وكالات أنباء خلال حزيران 2022 من بينها رويترز والفرنسية والأناضول، تأتي بعد أكثر من عقد من الزمن، من مغادرة الحركة للعاصمة السورية الداعمة للمقاومة الفلسطينيّة، على خلفية ضغط "إخوانيّ" كما يقول البعض فُرض عليها بعد اندلاع الحرب على سوريا عام 2011.
"عقدنا لقاءات على مستويات قيادية عُليا لتحقيق المصالحة، وإن قراراً بالإجماع اتُّخذ لإعادة العلاقة مع سوريا"، هذا ما قاله مسؤولان بحركة حماس لم يُكشف عن هويتهما لوكالة رويترز الدوليّة، كما أوضح مسؤول رفيع المستوى في الحركة فضّل عدم الكشف عن هُويته، لوكالة فرانس برس الفرنسية، أنّ الاتصالات مع سوريا في تحسُّن وفي طريق عودتها بالكامل إلى ما كانت عليه سابقاً، مشيراً إلى زيارات عديدة أجراها قادة حماس للأراضي السوريّة.
إذن، إنّ حركة حماس وسوريا، بدأتا مرحلة جديدة من العلاقة ستُكتب فصولها على ما يبدو في المرحلة المقبلة، حيث تتحدث مصادر فلسطينيّة عن وجود تطور جوهريّ على صعيد جهود استعادة العلاقة بينهما، تَمثَّل بموافقة الطرفين على إعادة فتح قنوات اتصال مباشر، وإجراء حوارات جدية وبنّاءة، تمهيداً لاستعادة العلاقات تدريجياً، ناهيك عن الأنباء التي تتحدث عن وجود ما يمكن تسميتها "جهوداً مضنية" بذلتها قيادة المقاومة في حزب الله اللبناني خلال الأشهر الفائتة، للوساطة بين حماس ودمشق، أفضت وفقاً للتسريبات إلى منح الحكومة السوريّة الضوء الأخضر للحزب لاتخاذ خطوات عملية، من أجل تقريب وجهات النظر، وإعادة المياه إلى مجاريها.
كذلك، إنّ قضية عودة العلاقات بين حماس وسوريا ليست جديدة أبداً بل يتم الحديث عنها منذ بضع سنوات، حيث إنّ رصّ الصفوف ضمن محور المقاومة أمر مهم في المرحلة الصعبة والخطيرة التي تعيشها دول المنطقة، بعد التغيرات الكبيرة التي جرت على الساحة السوريّة التي سبق أن شهدت تقارباً مع أكثر الدول عدواناً على السوريين، والتي مول بعضها في بداية الأحداث الجماعات الإرهابيّة هناك، وسعت بكل قوتها لإسقاط النظام الحاكم في البلاد، وبالطبع فشلت كل التحالفات السياسيّة والعسكريّة في مشاريعها التدميريّة، وهذا ما جعلهم اليوم يعودون إلى البلاد التي قاومت وصبرت وتحملت مع شعبها حتى الرمق الأخير.
وفي ظل ما يمكن تسميتها "حالة الاصطفافات الجديدة التي تتشكّل في الشرق الأوسط والمنطقة"، قررت حركة حماس كما هو واضح قرأت المشهد بعناية تامة وخاصة مع التحول التدريجيّ لإقامة عدد من دول المنطقة علاقات مع "إسرائيل" وسوريا في هذا الاعتبار كانت وما زالت تشكّل لها أرضية أساسيّة ومركزيّة للمقاومة، مع تطبيع من بعض دول الدول العربيّة (الإمارات والبحرين والسودان والمغرب) مع "إسرائيل" عام 2020 أطلق عليه اسم "اتفاقيات السلام" أو "اتفاقيات إبراهام"، في وقت تقدّر فيه تقارير كثيرة -عربية وغربية وعبرية- قرب اتخاذ الرياض خطوات علنيّة مماثلة.
من ناحية أخرى، إن عودة حماس إلى دمشق التي تشكل جزءاً محوريّاً من "محور المقاومة" واستضافتها ودعمتها بشكل لا يوصف منذ عام 2000، تتمثل بالفعل في استثمار أي علاقة من قبل المقاومة الفلسطينية لخدمة قضيتهم العالمية، وهذا القرار ربما يأتي ترجمة لرغبتها المتكررة في طيّ صفحة الخلاف عبر إرسال رسائل إيجابية في إدانة ضمّ الجولان والعدوان الصاروخي الإسرائيليّ على سوريا وشعبها، في ظل موقف سوريّ بالغ الأهميّة من تطبيع بعض الدول العربية مع "إسرائيل" التي تحتل الجولان السوريّ، وهذا يتقاطع مع وجهة نظر حماس التي وجدت في ذلك "طعنة في ظهر القضية الفلسطينية".
وإنّ عودة المقاومة في غزة للتنفس من هواء دمشق يُشكل صفعة حقيقيّة للإسرائيليين الذين يستفيدون من أدنى خلاف أو مشكلة في الداخل الفلسطينيّ وخارجه بالمنطقة، بمعنى آخر إنّ وجود تنسيق عالي المستوى بين دول المحور سيؤدي بكل تأكيد لعمليات عسكريّة بالغة التأثر وهذا أكثر ما تخشاه تل أبيب في ظل الحديث عن تشكيل تحالفات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" وبعض الدول العربيّة ضد المقاومة، حيث إنّ لدى سوريا التي تشترك مع الفلسطينيين في عداء "إسرائيل" الكثير لتقدمه للمقاومة كما سبق فهي كانت وما زالت "الشريان الحيويّ" ضمن محور المقاومة، وهذا ما دفع الغرب وأميركا الداعمين للكيان الصهيونيّ لتدميرها وتجويع شعبها.
في الختام، تعود العاصمة السوريّة لتلعب دورها البارز السابق باعتبارها في خضم المعادلة الجديدة التي تُرسم للمنطقة، بعد أن دخلت سوريا مرحلة الانتصارات السياسيّة التي تلت مرحلة الانتصارات العسكريّة الميدانيّة بدعم من حلفائها وبالأخص محور المقاومة، ولاشك إنّ الدول والجماعات التي طالبت بإسقاط الحكومة السوريّة من خلال الحرب العسكريّة التدميريّة، توصلت إلى استنتاج مفاده بأنّ عليها تغيير وجهة نظرها من حكومة دمشق والانخراط معها في تفاهمات عدة، وإنّ تلك الانتصارات هي نتيجة طبيعية لصمود وتضحيات الشعب السوريّ الذي ذاق الأمرّين، بعد أن ساهمت تلك الدول بشكل مباشر في افتعال وتدويل الأزمة لتدمير بلادهم ومؤسساته وتحقيق مصالحها في المنطقة، وذلك بعد 10 سنوات من الحرب السورية التي تسببت في إزهاق أرواح مئات آلاف السوريين، ونزوح وتشريد ملايين السكان داخليّاً وخارجيّاً، وألحقت أضراراً هائلة بالاقتصاد السوريّ ودمرت البنى التحتية في أغلب محافظات البلاد.