الوقت - أكدت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبلز أن دعم الحكومة الإسبانية لمخطط المغرب للحكم الذاتي في الصحراء يشكل "قرارا جيدا لإسبانيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط بأكملها".
وأوضحت روبلز، التي استضافتها أمس الثلاثاء، القناة التلفزيونية "تريس"، من خلال دعم الحكم الذاتي باعتباره "الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل هذا النزاع، فإن الحكومة "اتخذت القرار الأفضل لإسبانيا".
وأكدت "عند اتخاذ قرار من هذا النوع، تكون جميع العناصر الضرورية لتقدير الموقف متوافرة. وفي هذا السياق، اتخذ رئيس الحكومة بيدرو سانشيز، القرار الأفضل لإسبانيا". وأضافت المسؤولة الإسبانية إن قرار الحكومة الائتلافية هو "ثمرة تفكير وتقييم للوضع".
وكانت وزيرة الدولة الإسبانية للشؤون الخارجية والعالمية أنجيليس مورينو باو، أكدت الإثنين، أن موقف بلادها من الصحراء المغربية "متماسك ويحترم القانون الدولي".
وشددت أنجيليس أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الإسباني على أن إسبانيا تبنت "موقفا يتسق مع القرارات التي اتخذتها الحكومات السابقة ويحترم القانون الدولي بالكامل".
وأبرزت أن "الحكومة الإسبانية تدافع عن موقف يتماشى مع مبادئ ومعايير ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها"، مشيرة إلى أن هذا الموقف ينبع أيضا من إرادة إسبانيا في المساهمة في الاستقرار الإقليمي.
تأتي تلك التصريحات بعد أن قررت الجزائر تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا السارية المفعول منذ أكثر من عشرين عاما. وتضع هذه المعاهدة إطار التعاون بين الجانبين في عدد من القطاعات كالهجرة والأمن وغيرها. التصعيد الجزائري جاء كرد فعل على تغيير مدريد لموقفها من قضية الصحراء الغربية واعترافها الضمني بسيادة المغرب على هذا الإقليم، بعدما اعتبرت اقتراح الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحته الرباط، الخيار الأكثر واقعية لحل النزاع في المنطقة.
وسحبت الجزائر في مارس/ آذار 2022 سفيرها المعتمد في مدريد للتشاور للسبب نفسه. من جهتها، عبرت مدريد عن "أسفها" لقرار الجزائر، مؤكدة في الوقت نفسه مواصلة التزامها بمضمون المعاهدة. التصعيد الجزائري اتخذ أيضا بعدا اقتصاديا، بعدما أعلن بيان لـ"جمعية المصارف الجزائرية" حظر كل عمليات الاستيراد من المملكة الإيبيرية وذلك مباشرة بعد تعليق المعاهدة.
ورغم أن الجزائر ليست عدائية ولم تتعامل يوماً بعدوانية مع أي بلد في العالم، وعلى الرغم من امتلاكها لكثير من أوراق الضغط السياسي والدبلوماسي، والاقتصادي والتجاري والأمني وحتى العسكري، ضد إسبانيا إلا أنها ترفض الاستثمار في ذلك بسبب مبادئها، فالرئيس تبون مد يده لمدريد قبل أسابيع كي يصحح رئيس حكومتها بيدرو سانشيز الخطأ، ومباشرة علاقات ثنائية بعدها مثلما كانت عليه سابقا وربما تطويرها أكثر.
لكن للأسف الشديد، حكومة سانشيز لم تفهم الدرس وواصلت أعمالها غير الدبلوماسية تجاه الجزائر، فقد وصف وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس، حديث الرئيس تبون بأنه “نقاش عقيم”، في جرأة غير مقبولة و تصريح يفتقد للباقة الدبلوماسية ، ما ساهم في تعقيد العلاقات أكثر بين البلدين، طالما أنه ليس هناك احترام للجزائر من طرف المسؤولين الإسبان.
ومع ذلك فإن الجزائر الوفية لمبادئها و التي تهتم بحقوق الشعوب لن تُقدم على فسخ عقود إمداد مدريد بالغاز أو تقليصه، إلا إذا قامت إسبانيا بضخ الغاز الجزائري عكسيًا نحو المغرب، وهو ما سيكلفها قطع الإمدادات حينذاك.
ولأن السوق الدولية وخاصة الأوروبية حاليًا، هي في أمسّ الحاجة لكميات إضافية من الغاز في ظل الحرب الروسية- الأوكرانية، فإنه بإمكان الجزائر أن تجد عشرات طالبي حصة اسبانيا من الغاز بكل أريحية.
من جهة أخرى، وبالعودة إلى الإطار الذي صدر فيه قرار تعليق معاهدة الصداقة مع إسبانيا، وهو اجتماع المجلس الأعلى للأمن، يعني أن للأمر علاقة مباشرة بالأمن القومي للجزائر، وربما تم التقدير بأن مدريد قامت بتصرفات “عدائية” ضد الجزائر، وخاصة أن المغرب طرف في ذلك، وهو مؤشر على أن الأمور قد تشهد المزيد من التصعيد بين الجزائر وإسبانيا خلال القادم من الأيام، وستتخذ الجزائر تدابير أخرى في انتظار صدور رد جديد من الحكومة الإسبانية.
ويحق للجزائر استخدام الضغوط الاقتصادية على مدريد مثلما تفعل معظم الدول في الوقت الراهن الذي يسود فيه منطق القوة، لكن ومع كل هذا التصعيد وهذا التوتر المتصاعد في العلاقات بين الجزائر وإسبانيا، إلا أن عودة العلاقات بين البلدين، ستتم في أي لحظة وقد تعود المياه إلى مجراها الطبيعي بعد الإطاحة بسانشيز، وانتخاب حكومة إسبانية جديدة ستسارع إلى التأكيد على احترامها لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وتصحيح موقف مدريد التي تحملها الجزائر مسؤولية تاريخية في هذا النزاع باعتبارها “لا تزال في حكم القانون الدولي القوة المديرة للإقليم طالما لم يتم التوصل لحل”، وفق وزارة الخارجية.
بدوره قال الموقع الاسباني publico، في مقال له الأربعاء، إنه سيكون للجزائر تشريعات دولية إلى جانبها. لأن تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون سيكون إجراءً قانونيًا، بعد تغيير موقف الحكومة الإسبانية.
وأوضح ذات الموقع أن هذا التغيير في الموقف لا يؤثر على طبيعة أراضي الصحراء الغربية كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي. ولا على وضع الأطراف.
وذكّرت الجمعية الإسبانية لأساتذة القانون الدولي العام والعلاقات الدولية (AEPDIRI) لذات الموقع. أن هذا التغيير في الموقف سيؤدي إلى ابتعاد الحكومة الإسبانية عن القانون الدولي.
ويأتي ذلك نتيجة عدم احترام حق تقرير المصير للشعب الصحراوي الوارد في العديد من قرارات الأمم المتحدة. إضافة إلى ذلك عدم الالتزام بضمان إجراء استفتاء تقرير المصير. وكذا الجهل بانتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها المغرب في الأراضي الصحراوية والتي هي موثقة ومستنكرة من قبل المنظمات الدولية المختلفة.
وقال الموقع إن قرار الحكومة الإسبانية بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية هو انتهاك مزدوج للقانون الدولي. فعندما تنتهك إسبانيا بشكل خطير قاعدة تشكل جزءًا هيكليًا من النظام القانوني الدولي. فلا يمكنها أن تتوقع رد فعل إيجابي.
وبالتالي، فإن الانتهاك الصارخ والخطير لحق تقرير المصير للشعب الصحراوي من قبل إسبانيا. إلى جانب الاعتراف بعواقب الغزو العسكري لنظام المغرب، يلزم جميع الدول بمطالبة إسبانيا بالعودة إلى الشرعية.
إذا لم يتم الوفاء بهذا المطلب، كما هو الحال مع الحكومة الإسبانية –يضيق الموقع- يمكن للدول، ويجب عليها، تنفيذ تدابير الضغط التي تفرض وقف هذا السلوك.
وفي السياق ذاته أكد الموقع الاسباني أن الجزائر تصرفت بشكل عقلاني في امتثال صارم للقانون الدولي. بعد ان انتهكت إسبانيا بشكل خطير القانون الدولي.
بالنظر إلى أن إسبانيا لم تستجب لمطالب الجزائر بالعودة إلى الشرعية. فإن تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا هو إجراء قانوني بقدر ما هو ضروري ومتوقع.
وأفاد الموقع بأن قرار الحكومة الجزائرية يتوافق تماماً مع هذه المعايير. لأن الاعتراف الفوري من قبل حكومة إسبانيا بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي كافٍ لإلغاء تنشيطه. إنه مجرد تعليق للمعاهدة، لذلك يمكن التراجع عنه بسهولة. كما أنه نسبي طالما أنه لا يؤثر على النظام الدولي. خلافًا لقرار إسبانيا، فهو يحمي حقوق الإنسان للسكان الصحراويين ولا يؤثر على حاملي الجنسية الإسبانية.
من جهته قال مسؤول الاقتصاد والمالية في حكومة مدريد المحلية خافيير هيرنانديز لاسكويتي، إنّ “أسوأ ما يمكن أن تفعله إسبانيا هو استعداء مورّدها الرئيسي للغاز”، مشيرا إلى الجزائر.
وأكّد المسؤول في حديث لقناة محلية “في الوقت الذي يواجه فيه الغرب بأكمله، أزمة مع أسعار الطاقة، فإن أسوأ ما يمكن أن تفعله إسبانيا هو استعداء مورّدها الرئيسي للغاز، مثلما فعل بيدرو سانشيز”.
وتابع لاسكويتي: ”أعتقد أن هذا القرار غير المسؤول على الإطلاق لحكومة بيدرو سانشيز بالسعي للعداوة مع الجزائر في قضية ذات أهمية قصوى، سيكلّف المواطنين والشركات الكثير”.
وأضاف: ”لا يمكن لإسبانيا تغيير موقفها بشأن الصحراء الغربية بين عشية وضحاها، من دون تقديم تفسيرات لذلك”. مردفا:”وعندما تكون في خضم أزمة إمدادات الغاز، فإن كل ما سيحصل يقع على عاتق الحكومة فقط، لأنهم لم يتشاوروا مع أحد”.
وفي 13 يناير 2022، اعتبر وزير خارجية إسبانيا السابق خوسيه ماريا غارسيا مارغايو، أنّ لجوء رئيس الحكومة بيدرو سانشيز إلى الاتحاد الأوروبي بعد الإجراءات التي اتخذتها الجزائر ضد مدريد، كان خطأ.
وقال مارغايو في حديث صحفي تناقلته وسائل إعلام محلية ”العلاقات التجارية (مع الجزائر) ستواجه مشكلات كثيرة، والخطوات الأخيرة التي تتخذها الحكومة مثل الذهاب إلى بروكسل، يبدو لي أنها كانت خطأ”.
وذكر الوزير السابق بأن ما نسبته 30 بالمئة من الغاز الذي تستهلكه إسبانيا يأتي من الجزائر. في وقت يرتفع فيه سعر الغاز نتيجة أزمة الحرب في أوكرانيا.
وأضاف يقول:”قدرات الجزائر في مجال الطاقة ستكون هائلة في السنوات القادمة، بالموازاة مع الحدّ من الاعتماد على روسيا”.
كما تحدّث الوزير السابق عن تحمّل سانشيز لمسؤولية تدهور العلاقة بين مدريد والجزائر، مستدلّا بما قاله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في وقت سابق بأن:”المشكلة ليست مع إسبانيا، وإنما هي مع سانشيز”.