الوقت - أصبح الكيان الصهيوني، الذي يخشى الفلسطينيين ومحور المقاومة منذ نشأته، قلقًا بشكل متزايد في الأسابيع الأخيرة لدرجة أنه أطلق مناورات عسكرية ليبين استعداده لأي طارئ. وفي هذا السياق، سافر المئات من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي إلى قبرص للمشاركة في الأسبوع الأخير من تدريبات الكيان التي استمرت شهرًا لمحاكاة هجمات على مواقع حزب الله اللبناني والمنشآت النووية الإيرانية.
أعلن الجيش الإسرائيلي أن التدريبات العسكرية ستجرى بالاشتراك مع الجيش القبرصي بهدف زيادة جاهزية القوات وزيادة قدراتها على تنفيذ مهام في عمق أراضي العدو. يظهر وجود وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس ورئيس الأركان أبيب كوخاوي في مناورات قبرص أن التدريبات ذات أهمية خاصة للصهاينة. كما أعلن الجيش الصهيوني أن المشاركين في التمرين سيتدربون في المناطق الحضرية والريفية في الجبال، بينما يحاكي سلاح الجو الإسرائيلي غارة جوية على منشآت نووية إيرانية في الأسبوع الأخير ضمن التدريبات العسكرية التي أُطلق عليها "عربات النار". أما عن سبب اختيار قبرص كموقع للتمرين، فقد ادعى الصهاينة أن المناطق الجبلية في البلاد تشبه إلى حد بعيد جنوب لبنان، حيث ينشط حزب الله. وتأتي المناورة، التي قيل إنها الأكبر منذ عقود، بعد أن قال مسؤولون عسكريون إيرانيون إنهم سيردون بقوة على تل أبيب ردًا على التحركات الصهيونية الأخيرة ضد المقاومة واغتيال قائد إيراني. لذلك، تحاول إسرائيل زيادة القدرة العسكرية لقواتها خوفًا من رد فعل إيران. الآن، بالنظر إلى أن الجيش الصهيوني لا يزال غير قادر على حل مشاكله الأمنية بالقرب من حدوده مع لبنان وسوريا وغزة، كيف يمكنه أن يدعي قدرته على الدفاع عن وحدة أراضي دول أخرى؟ وبالتالي، فإن اختيار قبرص كجزء من هذه المناورة يظهر أن هناك أسبابًا أخرى وراء هذه التدريبات، حيث إن العديد من المناطق الشمالية من الأراضي المحتلة تشبه جنوب لبنان، وكان بإمكانهم إجراء هذه التدريبات في هذه المناطق، موجهاً رسالة إلى حزب الله عن كثب بأنهم مستعدون لمواجهة أي تهديد.
مواجهة توسع تركيا في البحر المتوسط
إضافة إلى محور المقاومة، هناك لاعبون آخرون هم أيضًا هدف التدريبات الصهيونية. ولهذه الغاية، أثارت المناورة الإسرائيلية في قبرص مخاوف المسؤولين الأتراك، حيث قال مسؤولون في تل أبيب إن هذه ليست المرة الأولى التي تجري فيها القوات الإسرائيلية مناورات عسكرية في قبرص. ولكن نظرًا لقرب أنقرة الوثيق من تل أبيب وحساسية المسؤولين الأتراك، أرسل المسؤولون الإسرائيليون رسائل إلى كبار المسؤولين الأتراك مفادها بأن الأمر مجرد تدريب عسكري وليس له أي معنى آخر. على الرغم من ادعاء تل أبيب أن التدريبات عسكرية بحتة، لكن بالنظر للتوترات بين جنوب قبرص وتركيا، يمكن النظر إلى سلوكها في مثل هذه الظروف من زوايا عديدة. مع توتر العلاقات التركية الإسرائيلية على مدى العقد الماضي، سعى المسؤولون الصهاينة إلى إقامة علاقات استراتيجية مع أعداء أنقرة في البحر المتوسط لمواجهة السياسات التركية، وكان جنوب قبرص أحد مجالات تركيز تل أبيب.
خلال ذلك الوقت، أجرت إسرائيل العديد من المناورات مع قبرص من أجل وضع حد لأنقرة، وحتى أن لدى لتل أبيب فرع عسكري مقره في قبرص، والذي ينسق السياسات الأمنية لكلا الجانبين. يعد التعاون العسكري جزءًا مهمًا من العلاقات بين تل أبيب وقبرص، كما قال رئيس الأركان الإسرائيلي خلال اجتماع مع رئيس الأركان القبرصي يوم الأربعاء. لأنه يسمح للقوات بممارسة سلسلة من العمليات التي تظهر استعداد الجيش الإسرائيلي لمجموعة متنوعة من سيناريوهات التهديد في ساحة المعركة. يوجد أيضًا مركز تدريب حيث يقوم الصهاينة بتدريب القوات القبرصية للاستعداد لأي تهديدات. وقال وزير الحرب الإسرائيلي، باني غانتس، إن التدريبات تبين عمق التحالف الاستراتيجي بين تل أبيب وقبرص، ولكن هذه التدريبات هي أيضاً مؤشر جيد على أن للصهاينة مصلحة استراتيجية طويلة الأمد في قبرص، والتي ستصبح زواياها الخفية أكثر وضوحًا في المستقبل.
إضافة إلى التعاون العسكري، كان للأهداف الاقتصادية دور فعال في تعزيز العلاقات الثنائية. حيث اتخذت إسرائيل وقبرص خطوات عديدة في السنوات الأخيرة لزيادة التعاون الكبير بين الطرفين. وتشمل هذه تطوير كابل طاقة تحت الماء بقدرة 2000 ميغاواط، فضلاً عن إنشاء خط أنابيب غاز بطول 1900 كيلومتر. كانت قبرص، بصفتها عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لديها العديد من التوترات مع تركيا بشأن سفن الاستكشاف التركية في البحر الأبيض المتوسط قبالة سواحل قبرص. تؤكد تركيا حقها في استكشاف واستخراج النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط وفي المياه التي تعتبرها ملكا لها، وقد أعربت قبرص عن قلقها من التحركات التركية هذه. ومع ذلك، فإن تطور التعاون الاقتصادي والعسكري بين إسرائيل وقبرص يظهر أن معالجة التوسع التركي في البحر الأبيض المتوسط كان على رأس جدول الأعمال، كما أدت الخلافات حول الغاز ومد الأنابيب في المنطقة إلى زيادة التوترات بين إسرائيل وتركيا.
ورغم سعي تركيا لتحسين علاقاتها مع إسرائيل في الأشهر الأخيرة، فإن هذه العلاقات السياسية لن تمنع تل أبيب من تعليق تعاونها مع قبرص، ويبدو أن هذه العلاقات غير قابلة للانفصال، وقد أيد مسؤولون إسرائيليون ذلك أيضًا. وفي هذا الصدد، نفى السفير الإسرائيلي في جنوب قبرص، أورين أنوليك، قبل شهرين ردا على تقارير في الصحف التركية حول إدراج شمال قبرص في مشروع خط أنابيب الطاقة الإسرائيلي التركي، قائلا "هذه الفكرة هي ليس على جدول أعمال إسرائيل. العلاقة بين إسرائيل واليونان وجنوب قبرص فريدة ومختلفة تمامًا عن الدول الأخرى. "أي شيء يحدث في العلاقات التركية الإسرائيلية، حتى لو كان تحسناً، لن يؤثر على علاقات إسرائيل مع جنوب قبرص واليونان". وحسب هذه التصريحات، يمكن القول إن جانبا آخر من الأهداف الصهيونية من إجراء التدريبات العسكرية في قبرص يستهدف تركيا.
تحالف إسرائيل الواسع مع قبرص في البحر الأبيض المتوسط يحبط جزئيًا السياسات التركية في المنطقة، حيث إن للصهاينة مصالح اقتصادية كبيرة في منطقة البحر المتوسط. إن إطلاق مشروع خط أنابيب الغازEast Fashion، الذي سينقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى أوروبا عبر قبرص واليونان، له أهمية كبيرة للصهاينة، ويعمل مسؤولو الكيان على تقليل شبح التهديدات التركية في البحر الأبيض المتوسط لنقل موارد الطاقة الإسرائيلية إلى أوروبا بشكل أكثر أمانًا. مع زيادة احتياجات أوروبا من الطاقة بعد أزمة أوكرانيا، سيتم تعزيز الوجود الإسرائيلي في قبرص وتطوير التعاون العسكري والاقتصادي بشكل أكبر، حيث تعد موارد الغاز الإسرائيلية أحد الطرق البديلة لأوروبا لتقليل اعتمادها على منابع الطاقة الروسية وستزداد أهميتها في المستقبل.
بينما يفخر الصهاينة بقوتهم العسكرية في المنطقة، فإن هذا الكيان أضعف من أن يتمكن من تأمين أراضيه من خلال إجراء تدريبات عسكرية خارج المنطقة. وتجربة هزائمهم المتتالية أمام الفصائل الفلسطينية التي لا يمكن مقارنتها بإسرائيل من حيث العتاد العسكري، تدل على أن الجيش لن يعمل ضد محور المقاومة لدرجة الصدام المسلح، وأن الصهاينة يخشون تدمير كيانهم المزيف وهم الآن يعيشون في رعب ذلك