الوقت- في الوقت الذي تناسى فيه أردوغان والحكومة التركيّة جريمة "إسرائيل" بحق 10 ناشطين أتراك قتلتهم بعملية إنزال على متن السفينة التركية "ما في مرمرة" في 31 أيار/ مايو 2010، عندما انطلقت من الأراضي التركية باتجاه قطاع غزة، ضمن أسطول الحرية الذي كان يهدف لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، شارك آلاف الأتراك في مدينة إسطنبول، مؤخراً، بمسيرة إحياء الذكرى السنوية الـ12 لأسطول الحرية تحت شعار "أسطول الحرية يواصل المسير"، في ظل تقارب حكوميّ مع الصهاينة وتبادل زيارات كانت قد قُطعت لسنوات طويلة، وتأكيد من الجانبين على ضرورة تحسين العلاقات بينهما بعد عقد من التوتر الظاهريّ.
منذ أن وضع الرئيس التركيّ يده بيد رئيس كيان العدو الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في أنقرة على وقع نشيد الاحتلال خلال زيارته الرسميّة قبل أشهر، كشف رجب طيب أردوغان موقفه الداعم للصهاينة والواضح كعين الشمس بالنسبة لشعبه أولاً وللآخرين ثانيّاً بعد أن فشل خلال العقد الأخير في إظهار نفسه على أنّه قائد إسلاميّ بارز، لتظهر الوقائع أنّ الرئيس الإخوانيّ هو مجرد خادم للعصابات الصهيونيّة ومساند لها بمختلف الأساليب، وما خفي أعظم وفقاً لما يقوله الفلسطينيون والأتراك على حد سواء.
بالمقابل، فإنّ الموقف الشعبيّ التركيّ كان وما زال في ألقه المعهود نفسه تجاه الكيان الغاصب الذي لا يكف عن ارتكاب الجنايات والاستيطان المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، حيث حمل المشاركون في المسيرة المناهضة للكيان، والتي نظمتها هيئة الإغاثة التركية "IHH"، الأعلام الفلسطينية والتركيّة، وشعارات داعمة للقضية الفلسطينية والقدس في تكريم لشهداء "مافي مرمرة" العشرة الذين ارتقوا وهم يحاولون رفع الحصار عن قطاع غزة عام 2010 والذي تفرضه العصابة الصهيونيّة المستعمرة للتراب الفلسطينيّ منذ أكثر من عقد ونصف العقد، وذلك بالتزامن مع انتهاج "إسرائيل" سياسة تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة أبناء فلسطين والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة.
ولا يخفى على أحد أنّ الشعب التركيّ يرفض بشدّة حجم التعاون الذي وصلت إليه حكومته مع العصابة الصهيونيّة، لدرجة أنّ عاصمة بلادهم باتت مرتعاً للمسؤولين الإسرائيليين، وإنّ المسيرة التي رفع فيها المتظاهرون ، "كروتا حمراء"، أوصلت رسالة واضحة للصهاينة وهي أنّ "القضية الفلسطينية والمسجد الأقصى خط أحمر"، ومن الشعارات التي أطلقها المتظاهرون: "المسجد الأقصى شرفنا"، "كرت أحمر ضد حصار غزة"، "نواصل حتى نحرر القدس"، فيما طالب رئيس هيئة الإغاثة التركية بولنت يلدريم بقطع حكومة بلاده العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، قائلاً: "علينا التراجع عن خطوات التطبيع.. نحن لا نحب لا إسرائيل ولا الصهاينة.. وليسمع العالم كله"، مندداً بالانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين والمسجد الأقصى.
ويهدف الشعب التركيّ من هذه المسيرة الحاشدة التأكيد على أنّ هجوم سلاح البحرية الإسرائيلي سفينة التضامن التركية "مافي مرمرة" قرب شواطئ القطاع المحاصر، واستشهاد 10 متضامنين أتراك لن ينسى، وخاصة أن تلك السفينة التابعة لـ "أسطول الحرية"، وهو مجموعة من 6 سفن، اثنتان منها تتبعان لهيئة الإغاثة الإنسانية التركية "IHH، وقد حملت السفن الست على متنها نحو 10 آلاف طن من مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية للغزاويين المحاصرين، إضافة إلى نحو 750 ناشطا حقوقيا وسياسيا، بينهم صحفيون يمثلون وسائل إعلام دولية، لكن عقلية الإجرام الإسرائيليّة دفعت قوات العدو آنذاك لفتح النار مباشرة على المتضامنين المدنيين و"العزّل" على متن السفينة، ما أدى إلى استشهاد 9 متضامنين سقطوا على متن السفينة، فيما توفي الناشط التركي العاشر متأثرا بجراحه في أحد مستشفيات العاصمة أنقرة يوم 23 أيار/ مايو 2014.
وعلى عكس حكومتهم العميلة، لم يقبل الأتراك الخنوع للمصالح الاقتصاديّة الضيقة مع عدو المسلمين الأول والتي أغرت أردوغان وحزبه بشكل كبير، رافضين كل ما يمكن أن ينسيهم الجرائم الصهيونيّة التي كانت شهادة اختلطت فيها الدماء الذكية للأحرار الأتراك والفلسطينيين على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، حيث إنّ حكومة أنقرة اختارت التضحيّة بالسير على موقف شعبها لكونها الخيار الأنسب لنقل الغاز الطبيعيّ المنهوب من فلسطين المحتلة إلى القارة الأوروبيّة في ظل حاجة تركيا إلى المزيد من الطاقة وتنافسها مع اليونان وقبرص، وخاصة عقب الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ولهذا لا شيء أهم من ذلك بالنسبة لأردوغان والتاريخ علمنا جيداً كيف تتعامل تركيا باستماتة مع مصالحها مهما كان الأمر معارضاً للموقف الشعبيّ أو كلف ثمناً من تعاسة على الآخرين.