الوقت- على وقع نشيد الاحتلال الإسرائيليّ استقبل الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان مؤخراً رئيس كيان العدو الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في أنقرة، في زيارة رسميّة هي الأولى من نوعها منذ عقد ونصف، أكد خلالها الجانبان على ضرورة تحسين العلاقات بينهما عقب سنوات طويلة من التوتر الظاهريّ، ويأتي هذا التقارب نتيجة قوّة الورقة التركية من ناحية تأمين ممر في شرق البحر المتوسط لنقل الغاز الطبيعيّ المنهوب من فلسطين المحتلة إلى القارة الأوروبيّة في ظل حاجة تركيا إلى المزيد من الطاقة وتنافسها مع اليونان وقبرص.
بليلة وضحاها، تناسى أردوغان معارضته الشديدة –الظاهريّة- لسياسة الكيان الغاصب بحق الفلسطينيين، وغضّ الطرف عن الجنايات المروعة للاحتلال وسياسة الاستيطان والقتل المروعين بما يخالف القوانين الدوليّة والإنسانيّة، وانتهاج "إسرائيل" سياسة تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملة أبناء فلسطين والتي ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانيّة وفق المنظمات الدوليّة، لُيجري محادثات مع رئيس الكيان الإسرائيليّ في عاصمة بلاده وبحث الملف الأهم في العالم حاليّاً وهو "إمداد أوروبا بالغاز الفلسطينيّ المسلوب عبر تركيا".
وكما استغرب الفلسطينيون من طريقة التعاطي الغربيّ مع الأزمة الأوكرانيّة وقيام دول غربيّة عدّة بتجنيد عدتها وعتادها لإرسالها نحو أوكرانيا لإنجاز مهمات مختلفة، شكّلت تلك الزيارة الإسرائيليّة صدمة كبيرة بالنسبة لهم بعد أن تعامى النظام الأردوغانيّ الإخوانيّ عن المنهج العنصريّ الذي يتبعه العدو الإسرائيليّ بحق أصحاب الأرض، ناهيك عن ممارسة الفصل العنصريّ والاضطهاد، وفتح أبوابه على مصراعيها لأشدّ أعداء الأمّة الإسلاميّة التي يتشدق الرئيس التركيّ بانتمائه لها.
وبعد أن فشل أردوغان خلال العقد الأخير في إظهار نفسه على أنّه قائد إسلاميّ بارز، لم ينجح في الهروب من موقفه الداعم للصهاينة والواضح كعين الشمس، ففي المؤتمر الصحفي الذي جمعه برئيس الكيان الإسرائيليّ عقب المحادثات، قال الرئيس التركيّ أنّه أكد للجانب الإسرائيليّ على أهمية حل الدولتين، مضيفاً أنّه لدى تركيا حساسية من السياسة الإسرائيلية تجاه فلسطين والوضع التاريخي والديني للعاصمة الفلسطينيّة القدس، إلا أنّ الرئيس الإخوانيّ وعلى ما يبدو هو مجرد خادم للعصابات الصهيونيّة ومساند لها بمختلف الأساليب، وماخفي أعظم وفقاً لما يقوله الفلسطينيون.
"أهمية تطوير العلاقات بين أنقرة وتل أبيب من أجل المنطقة ككل"، جملة تصيب العارفين ببدائيات السياسة بنوبة هستيريّة من الضحك، والمثير للسخرية أكثر هو الحديث عن أنّ تحسن العلاقات التركيّة - الإسرائيليّة مهم جداً لنشر "الاستقرار والسلام" في المنطقة التي يتقاسمان فيها التخريب كل من جانبه حيث إنّ الحكومة الإخوانيّة المتشدّدة في أنقرة تحتل لوان إسكندرون السوريّ منذ سنوات طويلة وهي اليوم تتمادى بشكل صارخ في الأراضي السوريّة والعراقية المحاذي لها وتدعم الجماعات المتطرفة وما تُسميها "الحكومة السورية المؤقتة" المعادية لدمشق وامتدت يدها العدوانيّة لتصل إلى ليبيا واليمن والسودان بالتعاون مع سرطانات تنظيم الإخوان، فيما يقوم الصهاينة بالشيء ذاته بل وأقبح من ذلك بحق الفلسطينيين وغيرهم من دول الجوار وأبعد من ذلك.
"زيارة تاريخية ستكون نقطة تحول جديدة في العلاقات بين الجانبين"، عبارة سيدفع الشعب الفلسطينيّ ثمنها بلا شك، بعد أن تخلى بعض قيادييهم عن قلب العروبة النابض (دمشق) التي قدمت ما بوسعها وأكثر دفاعاً عن مبادئها وعانت ما عانته منذ 12 عاماً لهذا السبب، وانخدعوا بالدعم التركي المشكوك بأمره منذ البداية، والدليل هو الزيارة التي قام بها إسحاق هرتسوغ الذي تغنى بإمكانيّة تأسيس شراكة مهمة لـ"رفاه" المنطقة، وهذا يعني لدمارها بالمفهوم التركيّ – الإسرائيليّ، حيث إنّ تركيا أصبحت منذ عام 2017 قاعدة اقتصاديّة هامة لحركة "حماس"، ويفسر البيان الأخير الصادر عن الحركة القلق الذي ينتابهم بسبب تلك الزيارة رغم أنّه لم يتجرأ على زم تركيا بكلمة واحدة مثلما تم عند أُدخلت الإمارات في حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع "إسرائيل".
وفي الوقت الذي شهدت فيه إسطنبول وأنقرة ومدن تركية أخرى احتجاجات عارمة على زيارة رئيس الكيان الإسرائيلي، تحدث السفير الإسرائيليّ السابق لدى المملكة الأردنيّة والاتحاد الأوروبيّ، عوديد عيران، أنّ تركيا تعد "أفضل خيار" لنقل الغاز الفلسطينيّ المُسيطر عليها من عصاباتهم الصهيونيّة إلى أوروبا، مضيفاً لوكالة الأناضول التركيّة أن اللقاء الذي جمع الرئيسين التركي والإسرائيليّ "قد يسفر عن تفعيل هذا الخيار الذي تعطل نتيجة مزاعم الخلافات بين تركيا والكيان الإسرائيليّ، مما دفعه سابقاً إلى البحث عن بدائل.
في الختام، لم يأبه الرئيس التركيّ سوى بمصالحه الضيقة مع الكيان الغاشم، على الرغم من الشهادة التركية والدولية على نضال ومعاناة الشعب الفلسطينيّ الرازح تحت الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ وسياساته الاستعماريّة والقمعيّة، حيث إنّ تركيا تعلم أنّها الخيار الأنسب لنقل الغاز من منطقة شرقي البحر المتوسط إلى أوروبا خاصة عقب الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، ولهذا لا شيء أهم من ذلك والتاريخ علمنا جيداً كيف تتعامل تركيا باستماتة مع مصالحها مهما كلف الأمر من تعاسة على غيرها والحسكى السوريّة العطشى أكبر شاهد.