الوقت - إن تضخيم الأجواء الإعلامية الصهيونية للهجوم الضخم على لبنان، والذي بلغ ذروته في الأسبوعين الماضيين، تراجع إلى حد ما في اليومين الماضيين، هذا فيما اعتبر بعض المحللين أن الهجوم الإسرائيلي الضخم على جنوب لبنان وشيك ومؤكد، وذلك استناداً إلى تقارير وسائل الإعلام الغربية والصهيونية.
بدأ تصاعد التوتر عندما استشهد طالب سامي عبد الله (الملقب بالحاج أبو طالب)، أحد القادة البارزين في حزب الله، في غارة جوية شنها الکيان الصهيوني على بلدة جويا في جنوب لبنان، ورداً على هذا الإجراء، نظمت المقاومة الإسلامية في لبنان أكبر هجوم صاروخي على شمال فلسطين المحتل منذ عام 2006.
وقد دفع هذا الهجوم الضخم التكهنات الإعلامية حول الرد الخطير للجيش الإسرائيلي على حزب الله إلى واجهة الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية، لدرجة أن القناة 12 التابعة لتلفزيون الکيان الصهيوني، زعمت أن الجيش الإسرائيلي سلّم خطة مهاجمة لبنان إلى حكومة نتنياهو، وينتظر الضوء الأخضر من السلطات السياسية في هذا الصدد.
من ناحية أخرى، زعمت مصادر إعلامية أن الجيش الصهيوني سيقدّم قريباً خطةً تحت عنوان المرحلة الثالثة من العمليات في غزة، والتي ستعني فعلياً وقف العمليات البرية الحالية في هذا القطاع.
کما أن الزيارة الرابعة التي قام بها عاموس هوشستاين، الممثل الخاص للرئيس الأمريكي لشؤون لبنان و"إسرائيل" إلى بيروت والتقارير الإعلامية عن لهجته التهديدية في المفاوضات مع السلطات اللبنانية، كانت علامةً أخرى على الحرب الوشيكة، وفُسِّرت علی أنها التهديد الأخير للإسرائيليين علی لسان الدبلوماسي الأمريكي الكبير في بيروت.
لكن، وبسبب عدم تحرك قوات الجيش الصهيوني، وخاصةً فرق المدرعات والمشاة التابعة لهذا الکيان، وحسب مراقبي التطورات في لبنان، فإن خيار الهجوم الشامل كان لا يزال أقرب إلى عملية نفسية لدحر حزب الله، في إطار سياسة استخدام القوة البحرية لإرسال رسالة سياسية، قائمة على تحقيق أهداف عسكرية بمجرد التهديد العسكري.
في هذه الأثناء، كان نشر صور طائرة "الهدهد" دون طيار من سماء حيفا، التي تعتبر قلب اقتصاد الکيان الصهيوني، بمثابة الهجوم المضاد المهم لحزب الله للحرب النفسية التي يشنها الکيان الإسرائيلي.
تكمن أهمية حيفا، بالإضافة إلى وجود مراكز بحث وتطوير للتكنولوجيا العسكرية والتكنولوجيا الإسرائيلية، في أن هذه المدينة تعتبر أيضاً أصل حياة اليهود الأشكناز، الذين لعبوا الدور الرئيسي في تأسيس الکيان الصهيوني، ويعتبرون من طبقة النخبة في الکيان.
الأشكناز هم مهاجرون يهود أوروبيون (خاصةً من أوروبا الغربية)، دخلوا فلسطين المحتلة بحجة الهروب من الحرب بين الحربين العالميتين، وأصبحوا فيما بعد نواة تشكيل الکيان الصهيوني عام 1948، هؤلاء اليهود أنفسهم أصبحوا النخبة والطبقة الحاكمة في الأراضي المحتلة، أعلى من اليهود السفارديم (الآسيويين) واليهود من أصل روسي، وما زالوا يعتبرون أهم مصدر للثروة والسلطة في "إسرائيل".
إن بث صور المستوطنات التي يعيش فيها هؤلاء اليهود إلى جانب صور مستودعات الوقود والكيماويات، ومصانع الأسلحة والتكنولوجيا، والبنية التحتية للموانئ، جعل الصهاينة يعتقدون أن المعركة مع حزب الله في عام 2024 ستكون مختلفةً عن عام 2006، وليس هناك حدود لهذا الصراع.
حالياً، يبدو أن لهجة الصهاينة قد تغيرت، حيث إن يؤاف غالانت، وزير الحرب في الکيان، الذي قتل أكثر من 37 ألف فلسطيني في غزة خلال هذه الأشهر التسعة، ادعى بعد رحلته إلى أمريكا، أنه "يفضّل حل المشكلة مع حزب الله عبر السياسة".
وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة الشرق الأوسط أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، في اجتماع مجلس الوزراء للكيان الصهيوني يوم الخميس الماضي، رداً على ضغوط إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، فيما يتعلق بالهجوم على لبنان، قالا إنهما يوفران الأرضية لعودة المستوطنين إلى المستوطنات الشمالية عبر السياسة، وهذا انتصار (على حزب الله).
يبدو أنه على الأقل نتيجةً لنقص القوات العسكرية ونقص الاستعداد وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهداف حرب غزة والأوضاع الدولية، رأى الکيان الصهيوني أنه من غير المناسب مهاجمة لبنان في المرحلة الحالية.
وعلى هذا الأساس، يحاول الصهاينة تهدئة الأوضاع في غزة، بناءً على خطة بايدن المقدمة في الـ30 من مايو وخطة غالانت، وتحقيق السلام في الشمال أيضًا، وهذا يعني أنه ربما، على المدى القصير على الأقل، لن يتم تنفيذ عمليات برية شاملة، بل ستستمر الهجمات الوحشية ضد كبار مقاتلي المقاومة، وهو ما يذكّر بهشاشة التوازن في الجنوب.