الوقت- لفت الصراع العشائري الأخير في محافظة ميسان الانتباه مرة أخرى إلى الاستخدام الواسع النطاق للأسلحة المشروعة في المجتمع العراقي.
يعتبر وقوع النزاعات المسلحة نتيجة الانقسامات الطائفية والعشائرية مسألة قديمة ومتكررة في مختلف المحافظات العراقية، ما أدى دائمًا إلى مقتل وإصابة العديد من المواطنين العراقيين. أصبحت هذه الظاهرة المتفشية إحدى المشاكل والقضايا التي تواجه الحكومة العراقية في السنوات الأخيرة، وقد ركزت حكومة مصطفى الكاظمي على السيطرة على هذه الأزمة ومعالجتها.
سوق كبير لبيع وشراء الأسلحة المحظورة
عند التعامل مع قضية سوق السلاح الكبير غير القانوني في العراق، والذي نشأ في السنوات التي تلت عام 2003، من المهم الانتباه إلى عدة نقاط من ضمنها دراسة المرحلة الأولى للأحداث بعد نيسان 2003، أي بعد سقوط النظام البعثي. في هذه المرحلة، من المهم الإشارة إلى أنه خلال الحرب المفروضة بين إيران والعراق بين 1980 و1988، قدمت نحو 28 دولة أسلحة إلى بغداد. في الواقع، تم تحويل حصة 12 في المئة من سوق الأسلحة العالمية إلى العراق في الثمانينيات. وصلت الكثير من ترسانة الأسلحة هذه التي كانت بحوزة النظام البعثي إلى وحدات الجيش المنحلة وحتى الى المواطنين العراقيين بعد الاحتلال العسكري للبلاد عام 2003 بسبب الاضطرابات. في هذه المرحلة كان هناك المئات من مستودعات الأسلحة التابعة للجيش والأمن العراقي السابقين، وجميعها نُهبت، ما أدى إلى دخول هذه الأسلحة إلى السوق المفتوحة بأسعار منخفضة.
في سبتمبر 2003، قدر الجيش الأمريكي أنه ورّد 650 ألف طن من الذخيرة إلى العراق. إضافة إلى ذلك، كان الجيش العراقي قد تسلح بكمية كبيرة من الأسلحة الغربية في السنوات التي تلت عام 2003. في الوقت نفسه، وبسبب التفرق والتفكك في النسيج الاجتماعي، ازدادت الحروب الطائفية بشكل ملحوظ وزاد الطلب على السلاح بشكل كبير. منذ تلك اللحظة، تم إنشاء سوق الأسلحة غير القانوني والمفتوح. خلال هذه الفترة، دخلت كميات كبيرة من المسدسات وبنادق الكلاشينكوف السوق المفتوحة للبيع والشراء.
في المرحلة التالية، بعد 3 سنوات من سيطرة داعش على العديد من المحافظات العراقية، بما في ذلك نينوى وديالى وصلاح الدين والأنبار وأجزاء من كركوك، استولت الجماعة على جزء كبير من أسلحة الجيش العراقي في هذه المناطق. فمن ناحية، أدت سيطرة داعش على هذه المحافظات بشكل مباشر وغير مباشر إلى تسليح جزء كبير من العشائر العراقية. من ناحية أخرى، وأثناء تطهير مختلف المحافظات العراقية من براثن داعش، تم نهب جزء كبير من الأسلحة المتبقية من قبل جنود داخل الجيش وبيعها للمهربين. إضافة إلى الأسلحة الخفيفة، دخلت الأسلحة المتوسطة سوق السلاح نتيجة الفوضى.
بشكل عام، تشير جميع الأدلة الميدانية إلى أنه نتيجة للتطورات منذ عام 2003، ازدادت تجارة الأسلحة في مختلف المحافظات العراقية، وخاصة المحافظات الجنوبية، وتستمر في النمو والتوسع بشكل ملحوظ. إضافة إلى وجود أسواق كبيرة لبيع الأسلحة في مختلف المحافظات، وخاصة في شرق بغداد، وصلت قضية شراء الأسلحة الآن إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك. يُشار إلى أن معظم الأسلحة المتبادلة تعود إلى تنظيم داعش وتم نقلها من مناطق القتال في المدن المحررة شمال وغرب العراق إلى الجنوب، حيث كانت مدينة الموصل أهم مكان لتركز السلاح. وحسب الإحصائيات المنشورة، فقد وصل حجم مبيعات الأسلحة السنوية في جميع أنحاء العراق إلى 35 مليون دولار.
تصاعد أزمة السلاح غير المشروع في المجتمع بعد ظهور داعش في العراق
كما لوحظ في سنوات ما بعد 2003، وخاصة بعد ظهور داعش في أواخر 2013، أن قضية بيع واستخدام الأسلحة غير القانونية من قبل المواطنين العراقيين أصبحت تشكل أزمة كبيرة في البلاد. وتشير التقارير إلى أن الحرب ضد الجماعة الإرهابية من 2014 إلى 2017، أدت إلى دخول 600 ألف قطعة سلاح إلى المجتمع العراقي، معظمها تم توزيعها على العشائر العراقية. وتعد محافظات ذي قار والبصرة وميسان والقادسية وبابل اهم مراكز دخول هذه الاسلحة. العديد من العشائر والمواطنين العراقيين مجهزون الآن بأسلحة خفيفة ومتوسطة ويستخدمونها دون تردد في صراعاتهم العشائرية. يتم تداول غالبية هذه الأسلحة من خلال وسطاء أو مجموعات سياسية سرية. وحسب موقع "المونيتور"، يبلغ إجمالي عدد الأسلحة التي في أيدي المواطنين العراقيين بشكل غير قانوني نحو 800 ألف دولار، ومعظم الأسلحة مصنوعة في روسيا والصين والولايات المتحدة.
خطة الحكومة العراقية الشاملة لجمع الأسلحة غير المشروعة
الأعمال العدائية العائلية والعشائرية، التي ساهمت دائمًا في انتشار انعدام الأمن في العراق، فضلاً عن انتشار سوق السلاح، دفعت الحكومة العراقية إلى التركيز على السيطرة على الأسلحة وجمعها في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد عام 2018. تكمن أهمية هذه القضية في أن حملة ضبط الأسلحة غير المشروعة كانت جزءًا من خطة حكومة كاظمي، وصوت عليها النواب في 6 مايو 2020. تماشياً مع هذا القانون، أطلقت الحكومة العراقية في 5 أيلول / سبتمبر 2020، عمليات أمنية لجمع الأسلحة غير المشروعة في محافظتي بغداد والبصرة، كمراكز رئيسية للأسلحة غير المشروعة، تحت شعار "حصر السلاح في يد الحكومة".
في هذا الوقت، وبسبب حقيقة أن معظم النزاعات العشائرية ووجود أكثر الأسلحة غير المشروعة كانت في هاتين المحافظتين، بدأ المشروع في هذين المكانين. وقد أيد آية الله علي السيستاني في 14 أيلول / سبتمبر خطة حكومة مصطفى الكاظمي لجمع الأسلحة من الشعب والميليشيات. في عام 2021، دفعت الاشتباكات العشائرية في المحافظات الشمالية (الخاضعة لسيطرة حكومة إقليم كردستان العراق) القادة السياسيين والأمنيين في الإقليم إلى إطلاق خطة شاملة لجمع الأسلحة في الإقليم. كما وضعت الحكومة المركزية في مختلف المقاطعات على جدول الأعمال خطة لمكافحة الأسلحة غير المشروعة، لكنها حتى الآن لم تسفر عن نتائج مهمة. لذلك، يبدو من الضروري تبني الحكومة العراقية استراتيجية وبرنامجاً جديدين في هذه القضية المفصلية.