الوقت- قام الرئيس السوري بشار الأسد أمس بزيارة قصيرة وغير معلنة إلى إيران والتقى بكبار المسؤولين السياسيين الإيرانيين. وكان أهم برنامج للأسد خلال هذه الزيارة هو لقاء آية الله خامنئي (ع) المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، والذي عُقد في أجواء دافئة وودية للغاية كما في الزيارات السابقة، وهو مظهر من مظاهر العلاقات الاستراتيجية والأخوية بين إيران وسوريا. وكان بشار الأسد مشغولاً في هذا البلد الذي مزقته الحرب بمحاربة الجماعات الارهابية على مدى السنوات العشر الماضية ولهذا فقد قام بعدد قليل جدًا من الزيارات الخارجية خلال نضال الأمة السورية الشامل ضد الجبهة الدولية الغربية، لكن هذه الزيارات كانت دائمًا ذات أهمية كبيرة و اهتمام خاص بالدوائر السياسية، لكن الزيارة إلى إيران، باعتبارها الحليف الأهم لمنطقة دمشق والشريك العسكري للسوريين في محاربة الإرهاب، كان لها معنى خاصاً فيما يتعلق بالتطورات في هذا البلد.
وبطبيعة الحال، في العامين الماضيين، وبفضل الانتصارات الهائلة للمقاومة السورية على جبهة الإرهاب وأنصارهم، تمت تهيئة ظروف أمنية مواتية في جزء كبير من سوريا، وعادت الحياة الطبيعية إلى فترة ما قبل الأزمة. وحاليا يستعد السوريون لبناء بلادهم، لذلك يبدو أنه بمرور الوقت، سوف يتم استبدال الأولويات العسكرية والأمنية في العلاقات الثنائية بين طهران ودمشق بالتعاون الاقتصادي، وهو ما يرجع أيضًا إلى جهود جبهة العدو المشتركة لضرب اقتصاد الشعب السوري والمنطقة عبر العقوبات الغربية القمعية. وتأتي هذه الزيارة لتبدد كل الأوهام والرهانات وتعيد التوازن الى الصورة، لأنه من ناحية المضمون بالأساس لا توجد أي إمكانية لهذه الأوهام التي يراودون بها أنفسهم، وتشكل رسالة مدوية لكل الأطراف الدولية والإقليمية والعربية بأن أي علاقات مع سوريا ستكون على أساس ثوابتها وخياراتها الاستراتيجية وتحديداً تحالفها مع إيران وأيضا مع روسيا...
وتأتي هذه الزيارة في الوقت الذي تشتد فيه الحرب بين روسيا والمعسكر الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة في الساحة الأوكرانية، هذه المحطة الدولية التي تشكل مفصلاً في التأسيس لنظام عالمي جديد ليس من الواضح المدى الذي ستبلغه هذه الحرب وتداعياتها المتصاعدة على مختلف المستويات. وحول هذا السياق، تحدث وزير الخارجية الايراني حسين اميرعبد اللهيان في مقابلة مع الموقع الاعلامي لمكتب سماحة قائد الثورة الاسلامية عن نتائج زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى طهران قائلا ان ما يمكن استخلاصه من هذه الزيارة هو ان المقاومة اليوم هي في أقوى وأفضل أوضاعها. واضاف اميرعبد اللهيان ان لقاء قائد الثورة الاسلامية آية الله العظمى السيد علي خامنئي والرئيس السوري بشار الاسد جرى في اجواء ودية جدا وهي نابعة من الدور المهم الذي اضطلعت به ايران لمساعدة سوريا للخروج من الحرب الارهابية الشاملة التي فرضت عليها، ومن اجواء المقاومة في سني المواجهة مع مسببي الحرب الارهابية في المنطقة ومنها العراق وسوريا. وقال امير عبد اللهيان: عندما التقيت بالرئيس الاسد بعد لقائه مع سماحة قائد الثورة الاسلامية الاسلامية وجدته مسرورا جدا لتحقيق أمنيته للقاء قائد الثورة الاسلامية وقد قدم الرئيس الأسد الشكر من صميم قلبه لمواقف السيد خامنئي والدور المهم الذي يأخذه على عاتقه في هذا العالم المضطرب وكذلك حيال المنطقة وسوريا على وجه الخصوص.
إيران هي أهم صديق وشريك لسوريا
لا شك أن جزءاً مهماً من طبيعة زيارة الرئيس السوري بشار الاسد لطهران هو إعادة التأكيد على استمرار العلاقات الاستراتيجية بين سوريا وإيران في المستقبل. وتبرز هذه القضية أكثر عند النظر إلى التطورات الإقليمية في السنوات الأخيرة وميل الدول العربية إلى إعادة بناء العلاقات مع دمشق، حتى أنه يتم تناقل الكثير من الاخبار التي تفيد بعودة مقعد الحكومة السورية في الجامعة العربية في الاجتماع القادم لهذه الجمعية العربية.
لكن بعد عودة سفارات الدول العربية إلى دمشق وعلى رأسها حكومة الإمارات، ظهر تصور وتفسير مشترك في الأوساط السياسية والإعلامية حول أهداف هذه الدول وهو محاولة إبعاد سوريا عن محور المقاومة وإيران، بل لتمهيد الطريق لانضمام سوريا لقطار تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني. في الواقع، وكما أشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، في لقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد، إلى "علو شأن سوريا رئيسًا وشعبًا بين دول المنطقة وتزايد مستوى احترام سوريا ومكانتها" ، فاليوم أصبح دور سوريا مؤثراً في التطورات الإقليمية أكثر بكثير من أي وقت مضى.
ولقد أعادت زيارة الأسد إلى الواجهة مجدداً خيوط العلاقات التي لا تنفصم بين البلدين، على الرغم من عودة سوريا السريعة إلى الساحة الدولية وانفتاح العلاقات مع الدول العربية. ولقد شدد السيد آية الله خامنئي في هذا الصدد على أن "هذه الرابطة حيوية لكلا البلدين ويجب ألا ندعها تضعف، لكن يجب تقويتها قدر الإمكان". وفي إشارة إلى تودد بعض الدول التي كانت على خط المواجهة ضد سوريا في السنوات الأخيرة إلى دمشق، أضاف: "يجب توضيح خط المستقبل من تجارب الماضي". وعليه، وبالنظر إلى الأمور المذكورة أعلاه (تعزيز مكانة سوريا في المنطقة، واستمرار التعاون التدريجي مع إيران)، ينبغي أن تكون النتيجة الإجمالية لتقوية المجالات الأمنية - السياسية - الاقتصادية للمقاومة، هي تشكيل المقاومة نظام إقليمي جديد في المستقبل.
تعزيز التعاون العسكري.. تقوية موقف إيران في البحر المتوسط
كما ذكرنا، تتجه سوريا نحو فترة إعادة الإعمار ونهاية للأزمة، ما يعني تراجعًا تدريجيًا في حاجة دمشق لوجود عسكري لقوات التحالف في السنوات الأخيرة لمحاربة الجبهة الإرهابية الدولية. ومع ذلك، فإن استمرار قتال الكيان الصهيوني مع دمشق ومن ناحية أخرى استمرار الاحتلال الأجنبي في هذا البلد من قبل الحكومتين الأمريكية والتركية، سوف يساعد على استمرار احتلال أجزاء مهمة من سوريا في شمال وشمال غرب البلاد من قبل الإرهابيين والجماعات التي تعمل بالوكالة. وفي هذا الوضع، يسعى المعارضون المتمركزون في المعارضة، وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، الذين يخافون من توسع الوجود الإيراني ونفوذهم في منطقة ما بعد سوريا، إلى استخدام كل وسائلهم المحدودة لإخراج طهران من حدود فلسطين المحتلة، واعادة العدو الصهيوني إلى الأجواء السورية.
لكن هذه الهجمات لم تؤثر فقط على مكانة جبهة المقاومة على الأراضي السورية، وكذلك على عملية التعاون العسكري بين طهران ودمشق، ولكن الآن نتيجة للتطورات الدولية مثل الحرب في أوكرانيا وبسبب التغيير في استراتيجية إيران الرادعة بعد الهجوم الصاروخي على قاعدة الموساد للتجسس في أربيل بالعراق، تحسن موقف إيران في منطقة المتوسط ضد خصومها. ولقد أكدت وسائل إعلام إسرائيلية، يوم الأحد الماضي، أن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران اليوم "تظهر أن الحلف مع إيران سوف يبقى وحتى يزداد قوة". وقال مراسل الشؤون العربية في "قناة كان"، روعي كايس، إن هذه "مشاهد لا نراها كل يوم، الرئيس السوري بشار الأسد خرج من دمشق لزيارة نادرة إلى طهران، وهو لم يفعل ذلك منذ 3 سنوات، وبالإجمال هذه هي المرة الثانية التي يزور فيها إيران منذ بداية الحرب".
وأضاف كايس إن الرئيس السوري "استُقبل هناك بحفاوة بالغة، والتقى كلاً من القائد الأعلى خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي"، لافتاً إلى أن "الأسد قال لخامنئي في اللقاء بينهما إن العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين منعت الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، ويجب أن تتعاظم". وفي السياق، أكد مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية أمير موسوي أن "زيارة الرئيس الأسد الحالية تختلف عن الزيارات السابقة، وخصوصاً أنه يأتي هذه المرة منتصراً على الإرهاب"، مضيفاً إن هذه الزيارة "رسمت العلاقات الثنائية وقضية التهديدات الجديدة وإعادة إعمار سوريا". ولفت موسوي في حديث إلى الميادين إلى أنه "تم البحث في التهديدات الاسرائيلية الجديدة، ولا سيما ضد سوريا، والتحرشات التركية".